كيف تحول الدروس الصفية الى دروس اونلاين؟
د. عمر عثمان الصمادي
جو 24 :
* فلندرز
مما لا شك فيه ان حديث الساعة هو فيروس الكوفيد١٩، فما ان تستيقظ في الصباح حتى تبداً تتابع الاخبار المتتالية عن مدى انتشار هذا الفيروس الخطير الذي أصبح يهدد كل مناحي الحياة. ان التبعات الصحية مهمة جداً ومحاولات احتواء انتشار المرض تتفاوت من دولة الى اخرى. احدى اهم هذه التبعات هو التعليم. حاليا يوجد ما لا يقل عن ٨٥٠ مليون طالب مدرسي حول العالم خارج الصفوف المدرسية وكل هذه الإجراءات هو لمحاولة كسر دورة انتشار عدوى هذا المرض الخطير.
كثير من الدول والمنظمات التعليمية والمدارس أصبحت تنظر الى التعليم الالكتروني على انه هو الحل الأمثل على الأقل في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها العالم اجمع. وان كان المرض بذات حده غير مرغوب فيه، فان أحد فوائد هذه الجائحة لهذا الفيروس -العابر للقارات - هي الاهتمام المتزايد بالتعليم الالكتروني وتسابق المدرسين الى نقل دروسهم الى المنصات التعليمية المختلفة. لكن السؤال هنا ما مدى معرفة المدرسين (سواء معلمي المدرسة او الجامعات) في طريقة إعطاء الدروس وتصميم المناهج بحيث تقدم للطالب عن بعد؟
ان الدول غير المتهيئة لمثل هذه النقلة -او القفزة ان صح التعبير- سيجد معلميها صعوبة كبيرة في التأقلم مع الوضع الجديد مما سيؤثر سلباً على جودة التعليم المقدم وبالتالي على مستوى الطلبة او المتلقين.
سأحاول ان اضع في هذا المقال وسلسلة المقالات اللاحقة بعض الأساليب والنصائح المتبعة لتثقيف المعلمين عن أساليب التدريس اونلاين وكذلك شرح لبعض الأخطاء التي يمكن ان يرتكبها المعلم عن غير قصد اثناء عملية التعلم.
أنواع التعليم الالكتروني
ان تقسيمات التعليم الالكتروني كثيرة لكن هنا اود او أورد الأنواع من حيث طريقة الاعطاء. فهناك طريقة (التزامن) وهي إعطاء الدرس تزامناً مع وجود الطلبة على اجهزتهم في بيوتهم وهو أفضل طريقة لإعطاء الدروس عن بعد. والطريقة الثانية هي طريقة (غير التزامن) وهي التي يعدها الأستاذ ويسجلها صوتاً او صورة ويقوم الطالب بمشاهدتها.
ان طريقة التزامن إذا ما اعدت جيداً فإنها هي الطريقة الأفضل لإعطاء الدروس اونلاين وذلك لوجود عامل التفاعل بين الأستاذ والطالب وكذلك الطالب والمادة المعطاة والطالب مع الطلبة الاخرين. وكذلك وجود عامل (الربط) او ما يسمى engagement)) للطالب بحيث لا يشعر بالعزلة ويكون لديه شعور بالانتماء للمجموعة التعليمية من حوله.
ومن سلبيات هذه الطريقة انها تتطلب وجود المعلم والطلبة على منصة التعلم في نفس الوقت مما يقلل من اهم ميزات التعليم الالكتروني وهي ميزة (في أي مكان واي زمان) مما يفقد التعليم الالكتروني مرونته.
اما طريقة (غير التزامين) فهي مرنة جداً وتتيح للطالب ان يشاهد المادة سواء كانت فيديو او تسجيل صوتي او نص مكتوب في أي وقت يشاء وفي أي مكان. ويكون عيبها انه لا تواصل وتفاعل بين الطلبة والأستاذ في اثناء إعطاء المادة.
في المقال السابق تحدثنا عن نظرية (مجتمع التساؤل) وللتذكير هي قائمة على ثلاثة محاور أساسية هي: المحور الاجتماعي والمحور التعليمي والمحور الذهني. هذه النظرية ليست الوحيدة لكنها من اكثر النظريات انتشاراً وذلك لاستنادها الى نظريات التعليم العريقة والتي تقوم على مبدأ (التعاون الاجتماعي) (social collaboration) .
في مقال اليوم سنتطرق الى طرق بسيطة نصيغها بصيغة أسئلة واجوبة ستكون كافية بإذن الله بوضع قدمك في الاتجاه الصحيح لتصميم وإعطاء مادتك اونلاين. لا تنسى هنا ان الأمثلة المذكورة هنا تعتمد على مدى سهولة ومرونة المنصة المستخدمة لإعطاء الدروس والإمكانات المتوافرة لديك من قبل مؤسستك التعليمية.
كيف ستعطي المادة؟
يجب ان تبدأ بالإجابة على بعض الأسئلة الأساسية. هل سيكون لقاءك بطلابك في الصف الالكتروني على طريق (التزامن) وذلك عن طريق استخدام اتصال الفيديو والدردشة في وقت محدد يجتمع فيه كل الطلبة؟ ام هل ستكون طريقة اعطاءك للمادة بطريقة (غير التزامن) بحيث تسجل الفيديو او الصوت وترفعها على منصة التعلم ومن ثم يشاهدها الطالب أينما يشاء ووقتما ما يشاء؟
إذا اخترت طريقة التزامن عن طريق استخدام الشات والفيديو تأكد ان يكون لديك حساب مع برمجيات تتيح لك إمكانية بث فيديو بوجود الطلبة على اجهزتهم المنزلية مع إمكانية دخول الطلبة الى الغرفة الافتراضية. من المرجح ان تكون المؤسسة التي تعمل بها قد وفرت مثل هذه البرمجيات.
اما إذا ما استخدمت طريقة (غير التزامن) وان الطلبة سيشاهدون فيديوهاتك في اوقاتهم الخاصة، فتأكد من وجود برمجيات تتيح لك تسجيل وتحرير الفيديوهات وكذلك وجود مساحة تخزينية كافية في خوادم مؤسستك التعليمية. وبالتالي يجب عليك ان تفكر في مدة طول الفيديو، لا يوجد أحد يرغب بمشاهدة فيديو مدته ٩٠ دقيقة. ضع بالحسبان عمل فيديوهات لا تتجاوز ١٥ دقيقة.
كيف ستعمل على تضمين (engage) طلابك بعملية التعلم وكيف ستكون مشاركتهم؟
من السهل جداّ ان تعلم إذا كان طلابك متفاعلين في حال وجودهم في غرفة صفية فعلية عن طريق تعابير وجوههم او عن طرق مشاركتهم في الموضوع. لكن كيف تحصل على نفس درجة التفاعل في الغرفة الصفية الافتراضية؟ وبغض النظر عن ان كنت تستخدم طريقة التزامن فالسؤال هو كيف ستولد جو تفاعلي في الغرفة الافتراضية؟ خذ بعين الاعتبار انشاء حلقات النقاش (الشات)، وانشاء مجموعات عمل افتراضية صغيرة بين الطلبة لكي تساعدك في زيادة تفاعل الطلبة مع المادة.
استغل مجموعات العمل الافتراضية حتى تحقق مخارج التعليم المطلوبة من مادتك على شكل واجبات جماعية. حاول ان تعطي الطلبة خيارات لواجبات متعددة كلها تؤدي الغرض نفسه مع مراعاة إعطاء الطلبة الحرية لاختيار ما يناسبهم، انها طريقة كي تشعر الطالب بان له خيار وحتى تعزز الدافع الذاتي لإنجاز المهمة المطلوبة. وإذا شعرت ان طلابك لديهم قدرة متقدمة حاول ان تجعلهم يصيغوا فكرة سؤال ومن ثم محاولة الإجابة عليه. هذا يسمى (Cocreation) وهو يعني مساعدة في خلق المحتوى التدريسي للطالب.
الحلقات النقاشية هي من أكثر الأشياء تفاعلاً والتي تسهل مشاركة الطلبة، من الممكن ان تطرح قضية للنقاش وتطلب من الطلبة بان يدلو بدلوهم في هذا المضمار وان يذكروا مصادر لتدعيم اجاباتهم، وإذا اردت تفاعلا أكثر يمكنك ان تضع علامة مشاركة للطلبة الذين يتفاعلون. ان طبيعة الأسئلة في الحلقات النقاشية يجب ان تكون من نوع الأسئلة ذا الإجابة المفتوحة وليس أسئلة يمكن الإجابة عليها بنعم او لا فقط. ولا من طبيعة الأسئلة التي تحتمل إجابة واحدة فقط. ومهمة المعلم في المحافظة على استمرارية الحوار هو تركيز الإجابات وتعزيز الجيد منها وإعادة توجيه الأسئلة بطريقة مختلفة للطلبة الذين يبتعدون بإجاباتهم عن الإجابة النموذجية. حاول ان تضع قوانين للحوار وان تمنع التنمر والإساءة للأخرين حتى يكون الجو العام مشجع على المشاركة.
اما مجموعات العمل الصغيرة فهي تسهم في خلق بيئة تفاعلية عادة ما يستمتع بها الطلبة. بحيث يعمل الطلبة على مشكلة السؤال المطروح ومشاركة آرائهم ونقاشاتهم. من الطرق التفاعلية الجميلة التي تزيد تفاعل الطلبة هو إعطاء كل مجموعة مشروع صغير للإجابة على سؤال مختلف لكل مجموعة ثم يقوم الطلبة بمشاركة فيديو عن ما توصلوا اليه من حل لهذا السؤال. ويمكن ان تطلب من الطلبة الاخرين نقد هذا العمل نقداً بناء. ان هذه الطريقة تساعد في تخفيف الحمل على المدرس وإعطاء الطلبة حس بالمسؤولية للمشاركة في خلق تعليمهم الذاتي عن بعد.
كيف ستتواصل مع الطلبة؟
ان وسائل الاتصال كثيرة جداً في هذا الزمان، لكن يجب عليك تحديد الطريقة الرئيسية التي تريد ان يتواصل معك بها الطلبة لطرح اسئلتهم واستفساراتهم. مثل ان يستفسروا عن الواجبات او تواريخ التسليم. من الممكن ان تستخدم الايميل كطريقة مثلى للتواصل وكذلك يمكنك ان تستفيد من منصة التعليم والتي من الممكن ان تعمل إعلانات خاصة فقط بطلبة مادتك. وكذلك يمكنك ان تعمل بث مباشر عن طريق وسائل التواصل المتاحة – إذا كانت مؤسستك التعليمية تسمح بذلك- وتتلقى الأسئلة عليه. لكن تذكر جيداً ان ايما تكن وسيلة التواصل يجب ان تذكرها للطلبة وبوضوح تام حتى لو كانت تلك الرسالة مكررة لكنها بالتأكيد ستعمل على تخفيف التوتر لدى الطلبة عند معرفتهم بانك موجود لأجلهم في الوقت الذي يريدون به حاجتهم.
من المفضل في حالة استخدامك للايميل ان تستخدم ايميل المؤسسة التعليمية التي تتبع لها وخصوصاً إذا كنت ترسل ايميلات لجميع الطلبة، وكذلك فان ايميل مؤسستك التعليمية أمن ومحصن. ان متابعة الايميل هي مهمة متعبة ويجب ان تترك للحالات والاسئلة الفردية مثل الغيابات ومراجعة العلامات. واستخدام المنصات النقاشية لطرح الأسئلة عن المادة.
ان احتمالية ان يلقى سؤال الطلبة جوابا من أحد الطلبة الاخرين هي عالية وتعزز فكرة التعاون في انشاء المعلومة. حاول ان ترد على أسئلة الطلبة عبر أي وسيلة تتخذها في اقل من ٢٤ ساعة؟
استخدم لوحة الإعلانات المخصصة في منصة التعليم لمشاركة المواعيد المهمة كالامتحانات ومواعيد تسليم الواجبات وكذلك أي شيء تريد للطلبة ان يعرفوه. حاول ان لا تعلن أكثر من ثلاث مرات اسبوعياً حتى لا تزعج الطلبة.
ان من المهم جداً ان يراك الطلبة في فيديوهات البث المفتوح حتى يبقوا على تواصل معك وحتى يشعروا انه يوجد بالطرف الاخر من جهاز الكمبيوتر شخص حقيقي مهتم ومتابع للعملية التعليمية.
كيف ستقوم بتقييم الطلبة؟
هذا هو سؤال المليون. يجب ان تقوم بتحليل الواجبات التي كنت قد صممتها في حالة الغرفة الصفية العادية وإعادة النظر إذا كانت تصلح لان تكون واجبات اونلاين. وعليك الاخذ بعين الاعتبار انه من الممكن ان تجزء بعض الواجبات الى واجبات مدرسية أصغر من حيث طول الإجابة والمدة المعطاة للإجابة. كذلك يمكن الاستفادة من الحلقات النقاشية الافتراضية لإعطاء بعض العلامات. كذلك مجموعات العمل الصغيرة من الممكن إعطاء علامات على المواضيع المقدمة والتي تضمن ان الطلبة قد تفاعلوا فيما بينهم
من المعلوم ان أفضل طريقة لضمان تعلم شيء معين هو ان يطلب منا ان نعلمه لشخص اخر. وهذا يعمل بشكل جيد في بيئة الاونلاين ولكن من المعلوم أيضا ان العمل ضمن مجموعات يكون هناك بعض الطلبة الذين يقومون بكامل العمل والبعض الاخر يستمتع بالعلامة من دون جهد. ولحل هذه المعضلة يطلب من الطلبة في كل مجموعة ان تقوم بتقييم سري لأداء الاخرين.
أسهل طرق الواجبات في التعليم الالكتروني هو ان تضع مادة للقراءة وان تضع عليها اختبار من متعدد قصير في نهاية تلك المادة. او حتى من الممكن ان تجعلهم ان يشاهدوا فيديو معين ويتبع ذلك بأسئلة عن محتوى الفيديو. بعض المنصات التعليمية تسمح لك ببناء مثل تلك الواجبات وكذلك تسمح لك بمعرفة أي الطلبة قد شاهد الفيديو وكمية الوقت التي قضاها في مشاهدة الفيديو. وإذا لم تكن مؤسستك التعليمية توفر لك مثل هذه البرمجيات فان هناك الكثير من المواقع التي تتيح لك ان تستخدم مواقعهم لإنشاء بعض الواجبات.
ان ذكر ما سبق من الممكن ان يكون مصدر قلق إذا طلب من المعلم ان يقوم به في فترة قصيرة جداً ولكن يجب عدم اليأس والاستمرار والاطلاع الدائم على ما يستجد من أفكار. كذلك طلب المساعدة من الغير والبحث في الانترنت عن أساليب قد تعمل على تخفيف الأعباء. ولا تنسى دائما وابداً ان تحصل على تغذية راجعة من الطلبة عن مدى رضاهم وكذلك تقييم لأدائهم وكذلك سؤالهم عن أكثر ما استمتعوا به وأكثر شيء لم يستمتعوا به في المادة المعطاة وذلك لتطوير الأساليب المعتمدة على التغذية الراجعة.
عمر الصمادي
باحت متخصص بالتعليم الالكتروني
٢٢-٣-٢٠٢٠