jo24_banner
jo24_banner

افرضوا الحجر على أموال البخلاء!

افرضوا الحجر على أموال البخلاء!
جو 24 :
تامر خورما - أمام هذه الجائحة، لا معنى عن الحديث حول الخسائر التي مني بها القطاع الخاص، ولا ينبغي إطلاقا على أية دولة، الاهتمام بمصالح أصحاب الملايين والمليارات. الاستثمار الوحيد المشروع أخلاقيا في هذه الظروف، هو ما من شأنه حماية رأس المال الأثمن، المتمثل بالإنسان نفسه.

الأردن، بل العالم بأسره، يواجه جائحة بيولوجية، لا تهدد جنون عجلة الإنتاج الرأسمالي فحسب، بل باتت تشكل خطرا حقيقيا على الوجود المحض للإنسان، عبر حصد أرواح مئات آلاف الضحايا، في شتى بقاع الأرض، قبل أن إدراك ماهية وأبعاد هذا الخطر، الذي فرض نفسه كأولوية على الجميع.

الدولة الرأسمالية نشأت لحماية طبقة الأقلية، دون غيرها من الطبقات والشرائح الإجتماعية.. هذا صحيح، ولكن عند المحطات الحرجة، والمنعطفات الخطيرة، المتمثلة بالكوارث الطبيعية، وانتشار الأوبئة، فلا مبرر لوجود الدولة، أية دولة، إذا فشلت في حماية أرواح مواطنيها.

في الأردن، اتخذت الدولة إجراءات صارمة، لمنع تفشي فيروس كورونا، والسيطرة عليه قبل انتشاره، ولكن هذا لا يعني أننا نجونا بعد.. العبور من هذه الأزمة يحتاج إلى إمكانيات مادية كبيرة، لا تمتلكها الدولة الأردنية، محدودة الموارد والقدرات.. فما العمل؟

البنوك، والشركات التي حقق أصحابها ثراء فاحشا، نتيجة التسهيلات منقطعة النظير، التي قدمتها الدولة الأردنية في سياق جذب رؤوس الأموال، عليها الآن تحمل المسؤولية، وتسديد جزء من دينها لهذه الدولة، التي أكل الأثرياء من خيراتها حتى تخمة ممتلكاتهم، وثرواتهم، على حساب الطبقات الشعبية المسحوقة.. لقد حان وقت تسديد فاتورة الحساب!

بعض المؤسسات بادرت إلى التبرع للدولة، من أجل مساعدتها على تجاوز هذه المحنة، إدراكا منها لواجباتها، والتزاماتها الوطنية، ولكن كثيرا من البنوك والشركات منت علينا بفتات لا يستحق الذكر، رغم الملايين والمليارات التي حصدتها على ظهور الغلابى.. البعض منها اشترط إعفاءات واستثناءات مرتبطة بقانون الدفاع، مقابل تبرعاتها، والبعض الآخر أدار ظهره تماما للدولة والمجتمع، وكأنها الأمر لا يعنيه على الإطلاق!

يبدو أن الرسالة لم تصل بعد إلى ديناصورات القطاعات الإستغلالية، رغم أن الدولة فتحت باب التبرعات، ما يعني أن على الدولة انتزاع حقها، وحق مواطنيها بالقوة، وعبر سلطة القانون.. نحن اليوم تحت مظلة قانون طوارئ، يبيح للدولة الحجر على ممتلكات وأموال فاحشي الثراء، الذين يكدسون أرباحهم، دون أي مقابل حقيقي يعبر عن حس المسؤولية.

الأثرياء يدعون الوطنية حفاظا على مصالحهم، ولكن هل حقا يوجد أي انتماء لمن تنصل من مسؤولياته في هذا الظرف الحرج؟! هل يوجد لدى من يدفن رأسه في رمال التجاهل واللامبالاة، وطنا غير رأسماله وأرباحه؟! الحديث عن الوطنية مجاني، ولكن ما يهم فعلا هو الفعل.. يقول الفيلسوف الفرنسي، جان بول سارتر: نحن لسنا ما نقول، وإنما ما نفعل.

أن تقوم الدولة بانتزاع حقها في أموال الأثرياء في هذه الظروف الاستثنائية ليس ثورة اشتراكية أو إجراء يساريا، بل هو ضرورة لا بدّ منها، ومن حق الدولة اللجوء إلى كافة الخيارات لضمان بقائها، فالغاية قد تبرر الوسيلة، طالما أن هنالك ما يبرر الغاية، وفقا الفيلسوف الروسي، ليون تروتسكي.

الحجر على أموال الأغنياء، الذين يتنصلون من واجباتهم في هذه المرحلة ليس من حق الدولة فحسب، بل ومن واجبها أيضا. في أعتى الدول الإمبريالية التي لا هم لها سوى حماية الأثرياء طالب حاكم نيويورك بتأميم الخدمات الطبية، كما بدأت بريطانيا بتأميم المواصلات العامة.. فكيف ينبغي أن يكون الوضع في دولة فقيرة كالأردن؟!

تبرعات حيتان القطاع الخاص، وجلاوزة الاستثمار الأجنبي، الذين يتغذون على عرق الغلابى، ويذهبون برحيق الإنتاج أرباحا مكدسة خارج البلاد، في هذه الظروف الحساسة، ليست صدقة، وإنما حق يجب انتزاعه ولو بالقوة، والتأميم في هذه الحالة أقل إجراء ينبغي اتخاذه.. ولا ننسى أن هذه الملايين والمليارات تحققت على حساب الطبقات الكادحة، فتراكم الثروة في قطب واحد من المجتمع، هو في نفس الوقت تراكم الفقر والبؤس في القطب الآخر، كما يقول الفيلسوف الألماني، كارل ماركس.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير