الحنين الی الماضي
سوار احمد محمد بطاينه
جو 24 :
(إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً)
من بعض الصفات البشرية أنهم یشعرون بقيمة الشيء بعد فقدانه ..
علی حسب المثال ،أننا لا نقدر جمال الوردة الا بعد ذبولها ،ولا نشعر بروعة الصيف إلا بعد حلول الشتاء ،وأيضا لا نشتاق إلى مديرة المدرسة إلا بعد تقاعدها المهني.
لماذا لا نشعر بطعم اللحظة إلا بعد مرور بضعة لحظات عليها ؟
لماذا نجبر أنفسنا بأن نسقط في حفرة الندم لاحقاً ؟
لماذا لا نقدر النعمة التي نحن فیها ؟
لماذا نقود ارواحنا إلى التذمر دائما؟
لماذا ؟و لماذا ؟ نعم لماذا ؟؟
إن ما جعلني أتخلى عن دقائق نومي الأولى في الساعة العاشرة والنصف ليلا هو تفكيري بجمال وروعة يومي الطبيعي عندما استيقظ على صوت المنبه بكل كسل وتقاعس ومن ثم أتوجه الى الحمّام بكل روتينية وأتذكر فرشاة أسناني التي انساها كل يوم وأنا في طريقي الي الحمام ،نعم هذا ما يحدث في كل يوم يا له من جميل .
ومن ثم أتحيّر بين مريولي الاخضر(زيّ المدرسة) وكشافتي (زي مسؤولي العلم) هذه الحيرة بحد ذاتها نعمة من الله وبعدما أرتدي احد اللباسين انتظر حافلة المدرسة وفي الأغلب كانت تأتي قبل أن أُجهز نفسي فأسرع دون وعي وأخرج.
كثيراً ما كنت أنسى شطيرتي او زجاجة الماء الخاصة بي ، ولكن كنت لا أبالي لذلك لأنه بلا قيمه مقارنةً مع ما كنت أعيشه من سعادة مع صديقاتي ، أو مزاح مع معلماتي ، أو تهديد من مديرتي حتى ، نعم كنا لانحب الذهاب إلى المدرسة، ولا نحب واجبات المدرسة ،كنا نحلق من الفرح عندما تغيب معلمة لظرف ما .
اعود إلى یعض تفاصیل يومي الجميل .. فبعدما نعيش ساعات طويلة بكل راحه وطلاقة ،نعود للمنزل بكل شغف لنعثر على روائح وطعام ومذاق لذيذ ، ياله من طعام تصنعه أمي، وعندما نجلس على مائدة السفرة نتحاور إلى أين سنذهب في المساء، فيقول أحدنا : سنذهب إلى عمتي
فيقول أبي في الصباح ذهبت إليها، فأقول:هل نذهب لخالتي؟؟ فتنظر إليَّ أمي وتقول لديها ضيوف نذهب إليها فيما بعد فأقول بإصرار حسناً هل نذهب إلى خالتي الثانية فيقول أبي :انا متعب لا استطيع ان أقود السيارة لمسافه طويلة . فنستقر على نتائجنا المعتادة وهي أن لا نخرج مساء اليوم فأنسحب مساءا وأذهب إلى جدتي فبيتها قريب من بيتنا فتأخذني معها إلى صديقاتها اللواتي في الحيّ أو اتحدث معها بمتعه بينما هي تطرز بثوبها الجديد الذي سترتديه بمناقشة عمي للدراسات العليا نعم هذا ما يحصل غالباً .
ولكن أعترف بأنني كنت كثيرة التذمر بشأن المدرسة واختبارات المدرسة والدراسة وأيضاً كنت اشعر بالملل كلما ذهبت إلى جدتي وابدأ بالتذمر من جديد.
الآن شعرت بالندم على تلك اللحظات والدقائق والأيام ،
اشتقت لنفسي عندما انسى فرشاة اسناني و لحيرة الصباح وعجلة الحافلة وتوبيخ المديرة وتشجيع المعلمة ومزاح الصديقة وطعام أمي بعد يوم متعب وجدتي التي كانت تنسيني ما أنا فيه وأيضا اشتقت لملعمة الرياضيات عندما تشرح لنا درس البعد بين نقطة ومستقيم وجها لوجه .
لا أريد أن استمع لتزايد عدد إصابات مرضى الكورونا
اريد أن أدرس ذلك المرض مع معلمة العلوم الحياتية في غرفة الصف ،نعم أريد أن اعود لتوبيخات المديرة الصباحية أريد العودة لعائلتي المدرسية ،وأريد العودة إلى حياتنا الطبيعية ،لا أريد كمامات ولا معقمات ولا تحذيرات نعم لا أريد ان أعيش داخل الحجر المنزلي ،أرجوكم لا اريد أن استمع لخبر وفاة امرأة كبيرة السنّ مساءً او إصابة احد الممرضين صباحاً ، أصبحت لا استطيع رؤية صديقاتي ، ولا أستطيع أن أذهب إلى جدتي ،ولا استطيع أن أعانق اختي الصغيرة
اصبحت لا أستطيع الذهاب إلى مركزي القرآني، نعم حتى مركز القرآن بات من الصعب الذهاب إليه، ولا يمكنني الإستماع إلى خطبة الجمعه ايضاً
إنني أقدر جهود صاحب الجلالة ، وأحب شجاعته وإصراره على مقاتلة المصاعب من أجل شعبه ،
وأرى وزير الصحة هل يمكن أن اقول له وزير قلوبنا ؟
نعم ، يمنع التنقل والاختلاط ولكنه يتنقل بين المرضى في الصباح والمساء يا لها من إنسانية ، نعم ووزير التربية والتعليم وزير نهضتنا وزير ثقافتنا ورفعتنا عَمِلَ كثيراً وأنشأ منصات وقنوات ومحاضرات والكترونيات حتى لا نشعر بتغيير .
أقدم شكري لكم جميعاً ، أتمنى أن تكملوا المسيرة بكل قوة وكفاح كما كنتم في بداية الطريق و أيضا لا ننسى من يقاومون لهيب النار من أجل علاج مرضانا ولا الذين يحاروبون عتائم الليل من أجل حمايتنا وتنظيمنا ...
إنني اشكر جميع من ذكرتهم وأيضا أشكر كل من التزم بجميع التعليمات .
ولكن أريد العودة إننا نشعر بتعب كبير وبِبُؤسٍ شديد للأسف .
الآن أرى جمال يومنا العادي، ورونق المدرسة الباهي ،
ولطافة المديرة وعذوبة المعلمات وروعة الحديث مع الصديقات .
إنني أشتاق إلى عاداتنا الروتينية في يومنا العادي ،
إنني اشتاق لكل شيء أشتاق لكل لحظة تذمرت فيها ،
أشتاق لأبي حينما يقول لأمي سنذهب لنتناول الطعام في الخارج فنذهب ونستمتع ونرى أُناس كثيرون
أنني نادم يا الله...
إنني احسست بنعمك علينا يا الله.. فلک الحمد و الشکر علی کل ما اعطیتني من نعم و صحة و أمان ...
إنني أشتاق وأريد العودة فأليک مددت يدي و اليک تضرعت يا ملتجئي و ناصري يا ربي..