الخطاب الإعلاميّ: خطوة إلى الخلف
مالك ظاهر المقابلة
جو 24 :
تعدّ جائحة "كورونا" من أكبر التحدّيات على مستوى الأردن والعالم أجمع، من حيث التداعيات التي تثيرها على المستويات المجتمعيّة والسياسيّة والأمنيّة وغيرها. والعامل الرّئيس في نجاح الدّولة أو فشلها لا يقتصر على الإجراءات الحكوميّة فحسب، بل أيضًا تقع على وسائل الإعلام مسؤوليّة كبيرة في مواجهة هذه الأزمة، من خلال الأيديولوجيّة والممارسات الاجتماعيّة التي يولّدها الخطاب الإعلاميّ الخاص بها ويعيد إنتاجها.
الخطاب الإعلاميّ الذي تنتجه وسائل إعلام محليّة اليوم، يقترب في أسلوبه من العشوائيّة، والتناقض في أفكاره والتعارض في محتواه، ويتّصف بالغموض والالتباس، وتبتعد لغته عن الدّقة والموضوعيّة. هو مجرّد خطاب شعبويّ يحاكي مشاعر النّاس ويداعبها، عبر استخدام المقدّمات الإنشائيّة المنمّقة، وإجادة توظيف لغة الجسد وإشارات التواصل في إطلاق المواعظ.
هذا الخطاب ليس خطابًا وظيفيًّا يهدف إلى إيراد المعلومات، وإبلاغ الحقائق بأسلوب دقيق ولغة مشرقة، دون ضبابيّة أو تعتيم على المتلقّي. بل إنّه صناعة إعلاميّة راهنة ناتجة عن تحويل إعلاميّين ومذيعين برامجهم إلى منابر للتّعبير عن آرائهم، وتجييش الرّأي العام ضدّ فئة قد يفترضها الجمهور بناء على كلامهم، الذي قد لا يكون لكثير منه مقابل في القواميس المتوفّرة، غير أنّه يتعارض وأخلاقيّات المهنة.
وفقًا لنظرية "صناعة الإذعان" لدى نعوم تشومسكي وإدوارد هيرمان، فإنّ هذا الخطاب الإعلاميّ يتضمّن "افتراضات مسبقة"، مبنيّة على اعتبارات مخصوصة قد تكون إعلاميّة أو اجتماعيّة أو سياسيّة أو استراتيجيّة أو غير ذلك، أو كلّ ذلك معًا، أو بعضًا من ذلك، بحسب السّياقات والرّهانات والتحدّيات التي تؤطّر هذا الخطاب. كما أنّ تغييب الحقائق والتّضليل والانحياز الذي تمارسه وسائل الإعلام، يحرم الجمهور من فرصة فهم الواقع الحقيقيّ للأمور، ويعمل على تجريم وشيطنة الطّرف الآخر وتصنيفه في خانة "المذنب"، في سبيل تقويضه وتشويه سمعته.
إلى حدّ الآن، لم تنجح وسائل إعلام في تبنّي خطاب إعلاميّ دقيق وموضوعيّ يقدّم مقاربة عالية الكفاءة والجودة، لمعالجة انعكاسات الوباء الصّحيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والأمنيّة. وعلى هذه الوسائل الإعلاميّة أن تعيد التّفكير في اختيار مذيعي وضيوف البرامج واللقاءات، الذين يقدّمون خطابًا إعلاميًّا سطحيًّا، لا هدف له سوى تعبئة وسدّ الفراغات.