توصيات لمواجهة الكورونا وما بعدها
د. اسماعيل مطالقة
جو 24 :
بعيدا عن الجدل الدائر حول الدوافع والأبعاد والآثار الصحية والديموغرافية والاقتصادية والسياسية للجائحة العالمية كوفيد -١٩ ، فإنه لا بدّ من الإشادة بالقرارات التي اتخذتها الحكومة الأردنية وتقدمها على كثير من الدول المتقدمة بشهادة العالم، واجتهادها المستمر في حماية الوطن والمواطن باجراءات وقائية حازمة، وتصويبها كلما اقتضت الحاجة، مع الإشارة إلى أن هذه الأزمة قد تكون التجربة الأولى بالذخيرة الحية للدولة الأردنية خلال الخمسين عاما الأخيرة في مجال إدارة الأزمات والكوارث، وتنطوي على كثير من الدروس والعبر التي تؤسس لبناء منظومة متكاملة للتعامل مع ظروف مماثلة من جوائح أو غيرها لا سمح الله.
عندما تكون الجائحة عالمية فإننا حتما لسنا بمعزل عن العالم، ووجب علينا أن نتعلم من تجاربنا ومن تجارب الدول الأخرى التي سبقتنا زمنيا بتسجيل الإصابات بالفيروس وتفشي المرض، ومازالت تقوم بمواجهته بقرارات إدارية وأمنية وطبية أيضا غير مسبوقة، وحتى لا نضع أنفسنا في زاوية لا نستطيع الخروج منها لا سمح الله ، فقد اجتهدت ومن منطلق الشعور بالمسؤولية الوطنية أن ألخص مجموعة حقائق ودراسات علمية، واجراءات وتوصيات أقدم عليها أو يفكر بها العالم للخروج من المأزق، ومن كثير من المخاوف والهواجس التي بات يفكر بها كل البشر ليل نهار ، حيث تقوم على المحاور التالية:
مشوار طويل.. ولكن ما العمل؟
1. أن المشوار مع هذا الوباء طويل ولا بد معه من طول النفس والبعد عن التطمينات الزائفة بالانتصار أو القضاء على الوباء أو قهره خلال أيام أو أسابيع.
2. يجب إتخاذ الإجراءات والتجهيزات والقرارات على الأرض للسينياريوهات الأسوأ وخصوصا في ما يتعلق بإيجاد بدائل ورديف للمستشفيات (قاعات كبيرة ، فنادق ، مستشفيات متنقلة) لاستيعاب أعداد إضافية من المرضى إذا برزت حاجة لذلك لا سمح الله.
3. توفير أكبر كمية من أجهزة التنفس الصناعي ومستلزماتها، وتشجيع المبادرات التي برزت لتصنيعها محليا.
4. توفير أكبر كمية من الفحوصات المخبرية ومستلزماتها للتشخيص ولقياس مدى اكتساب المناعة في المجتمع( من خلال قياس الأجسام المضادة في الدم)، وذلك لبناء قاعدة معلوماتية وطنية، تساعد في اتخاذ القرار في فك الحظر تدريجيا.
5. العودة التدريجية لاستمرار تقديم الخدمات التشخيصية والعلاجية بشكلها المعتاد في المراكز الصحية والمستشفيات الطرفية والثانوية ، مع المحافظة على المستشفيات المرجعية في استمرار تقديم خدماتها واستخدامها فقط كملاذ أخير لعدد قليل من مرضى الكورونا الذين يعانون من مضاعفات متقدمة، وإلا سنفقد أعزاء وأحباء كثر نتيجة أمراض أخرى وربما أكثر من مصابي فيروس الكورونا. يجب أن لا نعرض نظامنا الصحي للانهيار نتيجة التفكير في اتجاه ضيق واحد.
6. إيجاد الآليات المناسبة لإدامة عجلة الاقتصاد وعودة القطاع الخاص للإنتاج والعمل وحركة العمل المقنن بما يوفر الفرص المناسبة لأصحاب الحرف وعمال المياومة.
7. إيجاد الآليات المناسبة لإدامة التعليم والتقييم المدرسي والجامعي من خلال التعليم الإلكتروني الذي نجحنا به والحمد لله بنسبة كبيرة ،دون الاضطرار إلى إعادة الطلاب إلى مجاميع صفية حتى نهاية هذا الفصل وإلغاء الفصل الصيفي للجامعات.
8. العودة التدريجية للقطاع العام لأداء أدواره ومهامه وخدمة الجمهور و القطاعات المختلفة.
9. إعادة النظر التدريجية بالحركة الجوية وفتح المعابر الحدودية بما يخدم ديمومة الحياة الاقتصادية والصحية، مع تطبيق الشروط والإجراءات الوقائية بما يتناسب مع الواقع الوبائي عالميا.
10. لا تراجع عن الثقافة الاجتماعية والأنماط السلوكية الإيجابية الجديدة التي تشكلت، حيث الحياة مع وبعد كورونا مختلفة عن ما قبله.
11. الاستمرار في القرارات التي تساعد على التباعد الاجتماعي ومنع التجمعات والازدحامات.
12. جميع هذه الرؤى يجب أن تتبلور في خطة وطنية شاملة و واضحة تتضمن الأدوات والوسائل والفترات الزمنية وإعلانها بشفافية للشعب.
معركة مستمرة.. ولا مكان لليأس
المعركة مع الوباء مستمرة وقد تطول وقد تنطوي على مفاجآت سارة أو حزينة وتحتاج إلى ثقة بالله وطول النفس والحكمة والبعد عن الإستعراض الإعلامي ، وحركة الحياة والعلم والتعليم والعمل والإنتاج يجب أن تستمر ضمن أطر وضوابط جديدة.
نحن أمة نشأت على الإيمان المقرون بالعمل والبعد عن اليأس والقنوط
﴿ قالَ وَمَنْ يَقنَطُ مِن رَحْمَةِ رَبِّهِ إلا الضَّالونَ ﴾.
لقد تعلمنا في مدرسة النبوة " تفاءلوا بالخير تجدوه"وتعلمنا في مدرسة الحياة " لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة".
الوطن بخير وسيبقى بخير طالما قيادته و أبناء الوطن بخير.
** الاستاذ الدكتور اسماعيل مطالقة
أستاذ علم الأمراض والمختبرات
عميد كلية الطب ومدير عام مستشفى سابق
جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية