أزمة كورونا. الاراء الجدلية وأهون الشرور
الدكتور غازي شركس
جو 24 :
منذ داهمنا فيروس كورونا وهو فيروس مجهول تماما ويفاجئنا كل يوم بشيء جديد سواء من معلومات تم جمعها بملاحظة المرضى وتطور حالاتهم او بالاشاعات والمعلومات المغلوطة غير المستندة الى الدراسات العلمية بدأ تيار جدلي بالظهور بين الناس منه ما يستند على معرفة ومنه ما يلقى جزافا.
من الناس من يقول أن هذا فيروس سيصيب نسبة كبيرة فلنتركه يصيب أكبر عدد لتحصل مناعة القطيع. هذا الرأي خطير جدا فمن المعروف بفنون الحرب اننا نفاجيء العدو ولا نتركه يتغلغل فينا ويمعن الضرر وهذا هو الأحرى عندما يكون العدو مجهولا. البعض ممن يؤيد هذا النهج يتغافل عن وضع البنية التحتية للنظام الصحي.
ان السلاح في مواجهة هذا الوباء بالذات هو بتجهيز غرف عناية مركزة وأجهزة تنفس اصطناعي لجميع من يحتاجها فهل هذا وارد بامكانيات الاردن والوقت القصير؟ بالطبع لا والمشكلة ان هناك تجارب لدول مثل ايطاليا واسبانيا فقدت السيطرة ولم تعد قادرة على توفير العناية الطبية للضحايا ومع هذا لا يلتفت لها من ينادون بمناعة القطيع.
وهناك رأي اخر ينادي بأن لا تطغى وسائل الوقاية من غلق وحظر تجول على الوضع الاقتصادي فتصيبه بالعجز وهو رأي وجيه ولكن لا ينطبق هذا على كل الدول وخاصة بلد كالاردن والذي تعتبر ثروته الحقيقية في الموارد البشرية والعقول فهل نترك الوباء يفتك بالالاف من ابناءنا لنحافظ على الاقتصاد ام نضغط الاقتصاد قليلا لنخفف من وطأة الوباء ثم نعمل على الاصلاح الاقتصادي.
كما أن لدينا واجب مقدس تجاه الفئة من الناس الأكثر عرضة للاصابة بهذا المرض ومضاعفاته بما فيها الوفاة ولا يعقل ان ننتظر الى مرحلة نختار فيها بحسب العمر من نضعه على جهاز التنفس الاصطناعي ومن نزيله عنه.
لهذا فلا يمكن الشك ابدا بأن الاجراءات التي اتخذها الاردن هي الاجراءات الصحيحة ومن خلالها يحافظ على الموارد البشرية الكفيلة باعادة الاقتصاد الى مساره ولو بعد زمن طال ام قصر.
ويقول البعض. وماذا بعد وقد طالت الأزمة والتعطل والى متى ستظل الامور على هذا النحو.
في الواقع أن المعركة مع وباء مجهول هي معركة طويلة وسيكون لزاما تخفيف القيود والحظر تدريجيا بشرط ابقاء نمط من التباعد الاجتماعي والتزام اساليب الوقاية في محاولة لاجراء تباعد زمني بين الحالات المشخصة كي لا تكون متركزة وكثيرة في وقت واحد مما يتيح المجال للنظام الصحي بالتعامل معها دون ضغط وارهاق لأركانه.
ومن المؤكد اننا مطالبون في الفترة القادمة بالتخللي عن عادات اجتماعية تعودنا عليها وارجاء بعض التجمعات حتى يتسنى لنا معرفة المزيد عن هذا الفيروس وبانتظار توفر لقاح او دواء فعال له في الأشهر القادمة.
أرى من واجبي تحذير كل من يؤيد سيناريو مناعة القطيع دون دراية وبدافع من الشعور بعدم الرضى من اجراءات حظر التجول. وأدعوه لمراجعة حساباته لأن معامل التفشي لو لم يتم تقليله من خلال حظر التجول والتباعد الاجتماعي لحصل تضاعف أسي خطير في عدد الحالات ولوصل عددها في الأردن لا سمح الله الى مستوى يصعب للغاية التعامل معه.
لا بد ان اصحاب القرار والمعنيين بادارة الأزمة قد درسوا كل الاحتمالات وكان قرارهم الاخير هو التعامل مع هذه الأزمة بأقل الخسائر البشرية والاقتصادية الممكنة واختيار أهون الشرور.
والله من وراء القصد
استشاري الوبائيات في وزارة الصحة