إدارة الأزمات من وجهة نظر هندسية
المهندس مراد أحمد حمدان
جو 24 :
بدأت الدولة الأردنية بالتعامل مع أزمة إنتشار وباء كورونا قبل ستة أسابيع تقريبا، لم يكن المواطن البسيط أو حتى صاحب النظرة المستقبلية يدرك أن الأردن والعالم سيصل إلى هذا الحد من أخذ التدابير القاسية والعزلة وتعطيل عجلة الإقتصاد.
من ناحية، جهود صحية متواصلة لمنع إنتشار المرض كون سرعة إنتقال العدوى كبيرة ولم يتم حتى الآن الوصول إلى علاج فعال ومناسب لهذا المرض المستجد، كل ما يطبق للمريض - على قدر استيعابي للنهج الطبي- هو إجراءات تمريضية وأحيانا بروتوكولات علاج لأمراض اخرى مثل الملاريا أثبتت نجاحها في مواجهة حالات معينة من المرض.
تنبه الكثير منذ البداية إلى ضرورة الإسراع في وضع الخطط لمجابهة هذه الجائحة من الناحية الإقتصادية وبنفس السرعة والوتيرة التي انتهجتها الحكومة من الناحية الصحية، ولعل أشهر من علا صوته منذ البداية هو الدكتور طلال ابو غزالة. أتت الإجراءات الحكومية لمواجهة التداعيات الإقتصادية تباعا من أمر الدفاع ٦ وصولا الى الأمر رقم ٩، اضافة إلى إنشاء صناديق جمع تبرعات دعما لوزارة الصحة وعمال المياومة والمتعطلين عن العمل.
بدأ الحديث عن ضرورة تغيير النهج الإقتصادي من نهج مستهلك ومستورد لأغلب حاجيات المواطن إلى نهج منتج ويعتمد على ذاته ويصدر منتجاته. هذا التحول بات مدعوما بإرادة سياسية واضحة من خلال توجيهات القصر التي نصت صراحة على ضرورة التوسع بالانتاج النباتي والغذائي والتصنيع المتعلق بالأدوية والمعدات الطبية.
هنا بات تعريف الازمة وجوانبها واضحا والهدف المرجو الوصول له بات ايضا معرفا ومتفق عليه من الجميع. يطل علينا بعد أيام رئيس الوزراء بتشكيل المجلس الاستشاري الإقتصادي لرسم خطة للوصول إلى هذا الهدف الذي بات واضحا، تشكل المجلس من عدد من اصحاب الرأي والخبرة الإقتصادية من القطاع العام والخاص، اللافت للإنتباه خلو هذا المجلس من أي شخص أو جهة تمثل وجهة النظر الهندسية وقطاع الإنشاءات، وأقول هنا:
إن أهم ما يميز المهن الهندسية هي القدرة على إيجاد حلول للمشاكل اللتي يواجهها يوميا بطبيعة عمله، المهندس قادر على تقييم الواقع وقياس حجم الأزمة ووضع خطة ومسار واضح لحلها، طريقة تفكير المهندس منهجية ومتسلسلة وتتسم بالمنطق (systematic) للوصول لهدف محدد بأقرب وأقصر الطرق، المهندس جدير بالحضور في مشهد إدارة الأزمة من الناحية الاقتصادية فهو القادر على الابداع والابتكار وتقديم الحلول ضمن جدول زمني معين ومحدد وهو صاحب الخبرة والتجربة في هذا المجال، عداك أن هذا القطاع يشمل تحت مظلته ما يزيد عن ١٠٠ مهنة وحرفة مرتبطة إرتباطا مباشرة بنشاطه.
التركيز على أهمية الزمن بإدارة الأزمة لأنه سيكون العامل الأهم الذي سيحدد من الدول التي ستنهض و تستغل هذه الازمة للتقدم إقتصاديا، ومسابقة الزمن فن يتقنه المهندسين بطبيعة عملهم.
يمتلك المهندس ايضا عينا قادرة على الإحاطة بالرؤيا العامة للأزمة ( the big picture ) وبنفس الوقت يمتلك المرونة للنزول من هذه النظرة العالية إلى تفصيلة صغيرة محددة والتركيز عليها وحلها بما يتناسب مع النظرة العامة والعودة بكل مرونة إلى الأعلى كي يبقى مسيطرا وملما بما يحدث، أيضا يمتلك فن إدارة تنفيذ خطوات مختلفة بنفس الوقت والتنسيق بينها مهما كثر عددها.
السؤال الآن هل نحتاج في هذه المرحلة أناسا يملكون مثل هذه المهارات والدقة بتنفيذها والخبرة في حل المشاكل يا دولة الرئيس وهم من اعتادوا أن يبدأو مشروعهم بعينين، العين الأولى تراقب التفاصيل وتعمل على حل المشاكل والأخرى ترى بوضوح النتيجة النهائية والهدف اللذي تريد الوصول إليه، من غير هذه العينين أنت غير قادر على إنجاز مهمتك وإدارة أزمتك.