jo24_banner
jo24_banner

تعقيبا على كتاب منسوب لوزير التعليم العالي..

د. عبدالحكيم الحسبان
جو 24 :


اليوم تلقيت ومثلي كثير من الزملاء العاملين في الجامعات صورة عن كتاب "منسوب" لمعالي وزير التعليم العالي يوضح ويشرح بنود قرار رئاسة الوزراء المتعلق باقتطاع عشرة المئة من رواتب العاملين في الجامعات الحكومية كتبرع مالي منهم في مواجهة الظروف المستجدة الناتجة عن أزمة الكورونا. وينتهي كتاب معالي وزير التعليم العالي بالتشديد على رؤساء الجامعات بضرورة وضع قوائم بأسماء المتبرعين وغير المتبرعين.

نتمنى على معالي الوزير أن يصدر توضيحا حول الكتاب المنسوب إليه، سيما وأننا ومنذ أشهر بتنا معتادين على صدور قرار ما، تتلوه بعد أيام سلسلة من القرارات التوضيحية التي تشرح القرار الأول حتى أننا بتنا وبمجرد تلقينا للقرار الأول نعرف أن علينا أن ننتظر عشر قرارات لاحقة وملحقة توضح القرار الأول.

كتاب معالي الوزير أصاب العاملين في الجامعات بجرح كبير. فهذه الشريحة التي هي الأكثر تعليما من ناحية تقنية كما أنها وبحكم عملها في الجامعات فهي من بين الأكثر امتلاكا للضمير الأخلاقي والوطني. وكانت لغة الكتاب التي اشتملت في سطرها الأخير على التهديد والوعيد بتصنيف العاملين بالجامعات بين وطني وغير وطني، وهو تصنيف درجت الدولة الأردنية على عدم تداوله، وبقيت تأنفه حتى في أقصى درجات الاستقطاب الدولي والإقليمي والمحلي، وفي أقصى درجات إحساسها بالخطر الداهم.

الوطنية كما أفهمها وكما أمارسها ويمارسها معظم زملائي الجامعات سيدي الوزير هي في تلك الإنتاجية العالية تدريسا وبحثا علميا في الصف كما في المختبر كما في المؤتمرات العلمية، وهي في احترامي لقوانين بلادي حين أقود سيارتي، وهي في حرصي على المال العام وعلى أموال دافعي الضرائب الأردنيين. والوطنية سيدي الوزير مارسها كثير من العاملين بالجامعات حين فضلوا العودة لوطنهم ولم يسعوا للحصول على جنسية أمريكية أو غربية مقابل رواتب وامتيازات أعلى، بل أن منهم الكثيرين من فضلوا البقاء في الجامعات الأردنية على أن يغادروا ليحصلوا على رواتب جامعات الخليج الأعلى حبا منهم بهواء بلادهم وبثقافة بوطنهم.

نقول لمعالي الوزير وهو القادم من عالم التعليم الجامعي وعالم الأكاديميا أن لغة الكتاب لم تكن لائقة بحق تلك الشريحة التي يتقاضى أعضاؤها حاليا رواتب مالية تقل عن تلك الرواتب التي كانوا يتقاضونها في ثمانينيات القرن الماضي، وهي لا تليق بشريحة تدفع من الضرائب أكثر مما يدفع أصحاب الملايين والمليارات في هذه البلاد حتى بات الأستاذ الجامعي يدفع ما يصل الى ربع أو ثلث راتبه كضرائب في العام الذي يقضي فيه سنة التفرغ العلمي، ناهيك عن جمرك سيارته الذي يزيد في كثير من الأحيان عن ضعفي الثمن الذي دفعه لسيارته المستوردة من كوريا أو اليابان. هذه الضرائب التي يدفعها الأستاذ الجامعي هي بالتأكيد ضريبة انتماء وطني يستفيد منها كل مواطن أردني.

في القانون الأردني الذي نحترم ونجل، يمنع على وسائل الإعلام تسمية صاحب سوبرماركت حررت الضابطة العدلية بحقه محضر ضبط لحوم فاسدة في محله، كما يمنع القانون الأردني تسمية ملياردير تخلف عن دفع ما يستحق عليه من ضرائب، كما ويمنع القانون الأردني تسمية قاتل او قاطع طريق أو مهرب مخدرات حفاظا على كرامات الناس وحفاظا على مبدأ قانوني نقدسه ونجله، يقول بأن كل "متهم بريء حتى تثب إدانته". فهل باتت كرامة الأستاذ الجامعي هي أقل وأكثر دونية من كرامة كل هؤلاء؟؟؟؟؟

لعقود طويلة ظللنا نشعر المرارة من تدني الرواتب في الجامعات، ومن نقص الإمكانيات التي تكرسها الدولة للتعليم العالي، ومن نقص استثمار الدولة في قطاع التعليم العالي، ولكن إحساسنا كان اليوم من نوع خاص؛ إحساس بالمرارة والحزن والغضب بعد أن باتت سياسات البعض تمس ليس بقوت الأستاذ الجامعي وقوت أولاده، بل بات الهدف المس بكرامة أستاذ الجامعة والتطاول على كرامته.

أجزم أن المساس بكرامة وصورة وسمعة أستاذ الجامعة يتجاوز في خطورته حتى أكثر الحروب تدميرا والتي يشنها عدو خارجي، كما يتجاوز في مأساويته أثر أشد الزلازل والبراكين. فتحطيم صورة أستاذ الجامعة والتعامل معه بصورة غير لائقة هو ضرب لمشروع وطني ولمستقبل امة. فلا يمكن لأمة أن تقوم أو تنهض دون هذه الشريحة التي تتشابه صورتها في بعض المجتمعات المتقدمة بصورة الأنبياء والقديسين والرسل.
 
تابعو الأردن 24 على google news