العدالة بجناحيها
المحامي اشرف احمد الزعبي
جو 24 :
لا ينكر الا جاحد، هذه الجهود الجبارة، التي قامت بها الحكومة، وبتوجيه من سيد البلاد، لأحتواء كارثة المرض التي حلت بالعالم اجمع، فكانت الاجراءات على قدر المسؤولية، حتى اصبح يشار الى الاردن كتجربة ناجحة في احتواء المرض، ولأن الكمال لله وحده؛ كانت هناك بعض الاخفاقات غير المقصودة في الجانب الصحي، والتي تم ترميمها فيما بعد، لكن النتائج كانت بمستوى ان يشيد الشعب الاردني بما حققناه من نتائج، كما اشاد العالم بذلك، كل ذلك لم يكن من الممكن تحقيقه لولا تكاتف الشعب مع حكومته، واجهزتنا الصحية والامنية، فكان خير تلاحم في ظل هذه الازمة.
ولما اخذت الازمة في بلدنا العزيز تستقر، وبعد العناء الذي تكبده المواطن أولا، والعدالة ثانيا، والاقتصاد ثالثا، فأنه من واجب أولي الاختصاص –المحامون– وأنا منهم، ان نخاطب السلطات العامة سندا للمادتين 15/أ من الدستور الاردني الباحثة في حرية ابداء الرأي في المسائل العامة، والمادة 17 الباحثة في حرية مخاطبة السلطات العامة في وطني.
ولما كان من غير الجائز تعطيل سلطة القضاء في وطني، بشكل يقصر التقاضي، على جرائم مخالفة أوامر رئيس الوزراء من قبل المواطنين المستندة لقانون الدفاع، فالحكومة بذلك، تكون هدمت ما سعت اليه من جهدها، كي تكون أنموذجا يشار اليه بالبنان امام المواطن وامام المجتمع الدولي، وحيث كانت أنموذجا في الجانب الصحي، الا انها أخفقت في وضع توازن السلطات، واستقلالها الموضع الحق، فعطلت عمليا، وعلى ارض الواقع سلطة القضاء.
وللحق اقول، أننا أحوج في الازمات للقضاء منه في وقت الرخاء، ذلك أن القانون الاستثنائي، أحوج لقضاء يراقب السلطة التنفيذية في استخدامها لقانون الدفاع، منعا من أن تصبح سلطة رئيس الحكومة، سلطة مطلقة مستندة لقانون استثنائي كما قلنا، فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة، وهنا ياتي دور القضاء كي يضع الامور في نصابها الصحيح.
ولما حدد قانون الدفاع في المادة (8) منه جهة الطعن وحق الطعن بنصها على:-
أ . يجوز لأي شخص جرى توقيفه أو القبض عليه بموجب هذا القانون او اي امر دفاع او جرى الاستيلاء او وضع اليد على ماله او مال موجود تحت اشرافه او لاي صاحب مصلحة بالنيابة عن الشخص المذكور، أن يطعن بالأمر الصادر بذلك لدى محكمة العدل العليا / المحكمة الادارية الان.
ب. على المحكمة ان تفصل في الطلب على وجه السرعة ولا يحول القرار الصادر عن المحكمة برد الطلب دون اللجوء الى تقديم طلب جديد المرة بعد الاخرى طالما بقي الامر المطعون فيه قائماً .
فإن هذا الحق المنصوص عليه بقانون الدفاع ، قد سلب من القضاء، أولا بتعطيله بحكم - الامر الواقع - وعدم استثناء جهة القضاء من التعطيل الإلزامي وتحديدا جهة القضاء الإداري، كما سلب من المواطن، الذي له حق الطعن بأي إجراء، اتخذ بمواجهته سندا للمادة الثامنة من قانون الدفاع.
ولأن القضاء ولاية وليس مرفق - لطفا خطاب رئيس قضاة مصر امام محمد انور السادات – فإنه لا يحق لكائن من كان، أن يمنع هذه الولاية، ولا أن يقيدها، فكان لزاما على مستشاري الحكومة القانونيين، أن يكفوها مؤونة أن توضع موضع الاتهام، بأنها عطلت ولاية القضاء ما يزيد على شهر حتى كتابة هذه السطور.
نعم لقد مُنع المواطن حق اللجوء للقضاء طيلة الفترة السابقة، وتحديدا فيما يتعلق بأوامر الدفاع الماسة بحقوق الافراد، فحتى المخالف لقانون الدفاع، حقه أن يطعن بما صدر بمواجهته، وهو حق كفله له الدستور أولا، وكفله قانون الدفاع في مادته الثامنة ثانيا، كما مُنع القضاء من ولايته في بقية الجرائم الأخرى، فتعطيل الدوائر الرسمية والخاصة، لا يعني أن الجريمة توقفت، حتى في ظل الحضر الشامل و على الدولة أن تكون فاعلة بكل اجهزتها، ومنها وعلى رأسها سلطة القضاء، هكذا نكون تحت مظلة الشرعية، وهكذا نكون دولة قانون ومؤسسات.
أما جناح العدالة الثاني، الذي تم تعطيله فهو القضاء الواقف، وما ينطبق على ولاية القضاء، ينطبق علينا نحن المحامون؛ فنحن جزء من تشكيل المحكمة في اغلب القضايا، بل ان المحاماة بنقابتها ومنتسبيها، هم الجهة المستقلة التي مكنها القانون من أن تكون يد، وعقل الأشخاص الطبيعيين والمعنويين، كما أن الواجب يحتم علينا وتحديدا نقابتنا الغراء، باعتبارها جهة مستقلة أن يكون لها ولنا رأي في أوامر الدفاع التي صدرت موخرا، وعلى رئيس الحكومة باعتباره الشخص المخول اصدار تلكم الأوامر أن يعي التفرقة الواضحة بين نص المادة 124 من الدستور التي يستند اليها في اصدار أوامر الدفاع وبين المادة 125 من الدستور التي خولت جلالة الملك حق استخدام الصلاحيات العرفية، فيما لو لم تُجد التدابير والاجراءات المستندة لقانون الدفاع نفعا، فالمادة 124 نصت على( تدابير واجراءات ضرورية )، وهو نفس المصطلح الذي استخدمه قانون الدفاع، فقال اجراءات وتدابير ولم يقل ان ينقلب رئيس الحكومة لمشرع يستحدث قواعد عامة مجردة ؟ في حين جاء نص المادة 125/ب من الدستور الباحثة عن سلطة رأس الدولة بإعلان الأحكام العرفية، عندما نصت على [عند أعلان الأحكام العرفية للملك أن يصدر بمقتضى إرادة ملكية أية تعليمات قد تقضي الضرورة بها لأغراض الدفاع عن المملكة بقطع النظر عن احكام أي قانون معمول به ويظل جميع الأشخاص القائمين بتنفيذ تلك التعليمات عرضة للمسؤولية القانونية التي تترتب على اعمالهم إزاء أحكام القوانين إلى أن يعفوا من تلك المسؤولية بقانون خاص يوضع لهذه الغاية ]، فالتعليمت هي قرارات بقوانين أي تشريع تستدعيه حالة الضرورة، ولنا في امر الدفاع رقم ( 7 ) مثالا كيف تجاوز فيه رئيس الحكومة سلطة خلافا لقانون الدفاع وخلافا للمادة 124 من الدستور.
ولهذا؛ فكما لا يجوز تعطيل ولاية القضاء الجالس، لا يجوز منع القضاء الواقف من ممارسة دوره، ومنع المحاماه من ايصال رسالتها، فالقصة ليست كسب الرزق على وجاهة الأمر، إنما هي منع لحق اصيل، يتمثل بحق المواطن بالمساعدة القضائية و القانونية من قبل ذوي الاختصاص، و هو ما نصت عليه كافة المواثيق والمعاهدات الدولية، الموقع عليها الاردن، بل هي مخالفة لقوانيننا الداخلية، ومنها قانون الدفاع نفسة، المحامون هم أعوان القضاء، كما ينص قانون نقابتنا بمادته السادسة، ولهذا دورنا من دور القضاء، ومن غير المقبول، أن لا تكون المحاماة على رأس أولويات الحكومة، من حيث تمكينها من أداء رسالتها.
عاش الوطن
وتحية اجلال واكبار لكافة قضاة وطننا العزيز
وتحية اجلال لكوادرنا الصحية والادارية
وتحية اجلال لقواتنا المسلحة الباسلة
* الكاتب عضو مجلس نقابة المحامين الاسبق