jo24_banner
jo24_banner

عندما تتعرض الدولة لأزمة حادة.. الديمقراطية ليست حتمية التطبيق

د. شهاب الشياب
جو 24 :


يعد تحقيق الانتماء المشترك بين القاطنين في إقليم الدولة؛ وأقصد هنا الوطن المتمثل بالإنسان والتراب، ووضوح مفهوم المواطنة - وليس المساكنة - التي هي نتاج مسؤولية الدولة والشعب معاً، والرابطة التي تجمع مكونات المجتمع باعتبارهم متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، وتأسيس نظام حكم سياسي يتضمن البدء في إعداد دستور يتصف بالمرونة، يتغير مع الزمان ليكون المرجعية العليا للعلاقات في المجتمع والفيصل في الخلافات بين مؤسسات الدولة نفسها، وبين تلك المؤسسات والمواطن.

ويتضمن هذا الدستور المبادىء الأساسية لنظام الحكم، وهيكل الحكومة، والعلاقة بين السلطات الثلاثة، وحقوق المواطنين وحرياتهم وواجباتهم ، وأن تكون الدولة خاضعة للقانون الصادر من السلطة التشريعية المنتخبة باعتبارها أم القوانين.

سأوضح هنا مبدأين من عدة مبادىء ذكرها الدستور، أولهما: الحرية بأنواعها؛ منها الحرية السياسية وحرية التعبير عن الرأي، والتواصل الحر بين المواطنيين، والسعي لتحقيقها بمساعدة الصحافة والإعلام. يليها الحريات الإقتصادية والاجتماعية والثقافية. على أساس أن الحرية السياسية لا يمكن ممارستها بنحو فعَال في غياب الحريات الأخرى، كما أن قرارات مجلس الأمة المنتخب للشؤون العامة تستدعي موافقة الحكومات على تنفيذها.

أما المبدا الثاني فهو المساواة؛ المساواة بين المواطنيين في الحقوق والواجبات أمام القانون ، وتكافؤ الفرص مادياً ومعنوياً. وذلك بالتوافق بين اقتصاد السوق والتضامن الاجتماعي. اقتصاد السوق الذي يحكمه قانون العرض والطلب، بمعنى كف أيدي الحكومات كلياً، والتضامن والإصلاح الاجتماعي، بمعنى الإحساس والتعاطف مع الفقراء. بعد هذا تبدأ الدولة بتنمية متوازنة وتصاعدية اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.

في التنمية الاقتصادية مثلا؛ تبدأ الدولة بتفعيل مصادر الاقتصاد (من صناعة وزراعة وتجارة و ...) والسعي إلى النمو الاقتصادي، بما فيه التكنولوجي، بدءاً من التصنيع الوطني للأسواق المحلية والخارجية، مع عدم السماح لسيطرة الشركات الصناعية الكبرى العابرة للقارات على الصناعات الوطنية، والتي تؤدي بدورها إلى تفكيك هذه الصناعات.

مع العلم أن زيادة الانتاج في المصانع و زيادة أرباحها يؤدي إلى ظهور فئة الرأسماليين على حساب فئات أخرى، وهذا الظهور سببه النشاط الزائد لدى الرأسمالية المهووسة بالنجاح والثروة.

والتحدي هنا، هل على الدولة الوقوف باللامبالاة بما تفعله الرأسمالية ضد الفقراء؟ وهل يسمح لها بان تكون مسؤولة على أي حال؟

إن نظام الرأسمالية نظام غيرعادل يميز ضد الفقراء وبوده نبذ العدالة الاجتماعية أصلاً التي تنادي بها الديمقراطية الاجتماعية. كما أن الرأسمالية تسبب التركيز الهائل للثروة بأيدي القلة من الناس مما يؤثر ذلك على حياة المواطنين.

مع ذلك، فالرأسمالية لديها ايجابيات، مثل: تنظيم الأسواق وتطبيق السياسات الاقتصادية والاجتماعية الأخرى.

أما التنمية الاجتماعية فتركز على عاملين مهمين، أولهما: إخماد الصراعات الطبقية المتطرفة الناتجة من زيادة قوة الطبقة الغنية المالية والمعنوية على الطبقة الفقيرة ذات الوضع الخطر، وذلك من خلال استغلالهم لها وظلمهم، كما أنها تمهد إلى تراجع كبير في التماسك الاجتماعي للطبقتين الدنيا والوسطى التي تُعتَصر من الأعلى إلى الأسفل.

أما العامل الثاني فهو عامل اجتماعي واقتصادي بنفس الوقت، وهو مؤازرة الفاعلين الاجتماعيين أو مؤازرة المعارضين للسيطرة السلطوية بهدف ايجاد موارد مادية ومعنوية للمواطنين. لكن العائق أمام هذا الهدف هو أن السلطة الاستبدادية لا تريد تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنيين إلا بالحدود الدنيا، تلك السلطة التي نشأت من حكومة الحزب الواحد المسيطر على جميع مرافق الدولة، أو ربما من وجود حكومة عسكرية لظرف ما (سياسي، اقتصادي، اجتماعي، صحي).

وهذه الأنظمة غير الديمقراطية (حكومة الحزب الواحد و الحكومة العسكرية) تعمل في كثير من الأحيان بدون قواعد قانونية أو اجراءت مؤسسية للرقابة والمحاسبة، وهي بنفس الوقت لا تلتزم بالفصل بين السلطات، بل تسمح للسلطة التنفيذية بالتغول على باقي السلطات.

وهذا من شأنه يُمأسس لنزعة الخوف بين أبناء المجتمع، و بين افراد السلطة الحاكمة أنفسهم. وهذا الخوف يجعلهم يعزفون عن المشاركة في النشاطات السياسية مثل الانتخابات البرلمانية، والانضمام للأحزاب، وحضور المؤتمرات، والنشاطات الاجتماعية والسياسية للجمعيات والنوادي والاحزاب. أصحاب هذه النزعة هم الطبقة الوسطى العريضة والمتعلمة، وهي القوة المحركة والمطالِبة بالنظام الديمقراطي الاجتماعي، او الليبرالية الاجتماعية، وليس الليبرالية الاقتصادية أوالسياسية ذوات النزعة الاستبدادية.

تتصف الطبقة الوسطى بإيمانها بالقيم الانسانية مثل: الحرية، والعدالة الاجتماعية، واحترام حقوق الإنسان، وتنادي بتطبيق اللامركزية في المحافظات، والمساءلة للسلطة التنفيذية، بالإضافة إلى التنافسية الشرعية؛ أي أن الخصم السياسي الاجتماعي ليس بعدوٍ يجب قهره بل هو منافس شرعي من حقه طرح وجهة نظره والسعي الى اقناع الناخبين به.

كما أن أفراد هذه الطبقة يختلفون بقيمهم عن مؤيدي النظام غيرالديمقراطي، الذي يعتمد على أسس المركزية للسلطة أو السلطة المطلقة أو الأوليغارشية (حكم الأقلية)، بمعنى أن تكون السلطة بيد مجموعة من الأفراد وهمها أن تحقق المنافع المادية والذاتية التي يتبنوها القدر الهائل من النفوذ السياسي. وتسمى هذه الطبقة بالطبقة البرجوازية أوالطبقة الارستقراطية.

وفي التنمية الاجتماعية لا يقتصر نشاطها على أفراد المجتمع فحسب، بل على الدولة أيضا، وذلك للأخذ بأيديهم ومساعدتهم. فعلى الدولة القيام بدور خاص، ألا وهو الإصلاح الاجتماعي والإصلاح الإقتصادي. مثلا تملكها بعض المشروعات، ودعم برامج موجهة يستفيد منها فئات المجتمع بأكمله على رأسها الطبقتين الوسطى والدنيا. من هذه البرامج رفع مستوى التعليم ورفع مستوى المعيشة والرعاية الصحية بالإضافة إلى التدخل المباشر في تحسين حياة المواطنين لتنظيم علاقات العمل والعمال ونشاط القطاع الخاص لمصلحة ذوي الدخل المحدود.

وبما يخص السياسة الضريبية فهي تصاعدية على الأغنياء والمحتكرين، تُفرَض وبشكل شرعي وبموافقة مجلس الأمة والدولة، على الأجور والمرتبات التي تؤثر على الطبقة الوسطى اكثر منها على الاغنياء الذين يُؤتى دخلهم المتولد من عوائد رأس المال للأسهم والسندات. ...الجملة معكوسة.

أما التنمية السياسية فتكون حاضرة بعد بناء الدولة وسلطاتها الثلاث ومؤسساتها المدنية والعسكرية. جاء في المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:

1)لكلِّ شخص حقُّ المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، إمَّا مباشرةً وإمَّا بواسطة ممثِّلين يُختارون في حرِّية.
2)لكلِّ شخص، بالتساوي مع الآخرين، حقُّ تقلُّد الوظائف العامَّة في بلده.
3)إرادةُ الشعب هي مناطُ سلطة الحكم، ويجب أن تتجلىَّ هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى دوريًّا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السرِّي أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرِّية التصويت.

على الدولة او الحكومة مراقبة الاحزاب المتعددة في تنافسها الحر على نيل ثقة المواطن في الانتخابات البرلمانية ومراقبة سلوكياتها في التعاون والتسامح والتنسيق فيما بينها، ويتطلب ذلك بناء التحالفات والائتلافات بين القوى السياسية الديمقراطية، وان يشعر كل طرف بالتعاضد والتآزر مع بقية الاطراف.

وبالنظر الى شرعية الانتخابات التي تحكمها في اكثر الاحيان الاغلبية، لكن الاقلية لها نفس الدور، بدليل ان العضو او الحزب الفائز في الانتخابات اليوم يدرك انه لن يستمر في السلطة الى ما لا نهاية ، لأن الاغلبية قد تتحول الى صالح الاقلية، وتصبح الاقلية الاغلبية وفق ارادة الناخبين.

علما ان الاقليات لها الحق بالمشاركة في السلطة، ولكن على الدولة مراقبة تفردها بالسلطة لان ذلك سيؤدي الى انفجار ولو بعد حين.

ومن يقوم بحركة معارضة لقوانين حكومية فإنه يسبب ازعاج او احراج للحكومة العسكرية او حكومة الحزب الواحد التي بمقدورها توفير القدرة على تمرير التشريعات المطلوبة لمصلحة الحاكم بغض النظر عن سلامة الانتقادات.

أما في حال الحكومة البرلمانية يكون البرلمان جزء لا يتجزء بدوره الفعال على اي جهة من الجهات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والادارية، التي ينتظرها الشعب. وبذلك سيلتحم افراد المجتمع من تلقاء انفسهم لحل اي نزاع وسيقومون بتشكيل الاتحادات التعاونية لصالحهم والتي تشكل جوهر هذا الانتماء لله والوطن والدولة.

ويحضرني كلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه "إذا جاعت الأمة يوما فلا مال لأحد" واتساءل هل هم دولة داخل دولة؟
المكونات الثلاثة وان صح التعبير، هي: الحكومة و المجتمع والقطاع الخاص، فالحكومة دورها هام جدا، فإذا انحرفت الحكومة انحرفت الدولة للأسوأ. أما المجتمع فيملك قاعدة شعبية. وإن لم يملك فعليه أن يملك قاعدة شعبية تملك الوعي والمعرفة لتساعد الدولة. أما القطاع الخاص فأصبح هذه الأيام يملك كل المقدرات.

والديمقراطية ليست حتمية التطبيق لا سيما عندما تتعرض الدولة (حكومة وشعبا) لأزمة حادة بسبب اخطار خارجية تتعلق بالامن الداخلي والخارجي والصحي او سوء الاداء الاقتصادي، عندئذ تصبح الحرية أو التحرر من القيود التي تفرضها الدولة لاغية من أجل علاج الازمة. فإن لم تستطع الدولة ستتحول الازمة الى فوضى او طغيان ولا علاج لذلك الا بالعودة للسلطة القوية او الى نوع من الليبرالية المستبدة او تجمع بين المظهرين السلطوي والديمقراطي.
 
تابعو الأردن 24 على google news