حول التصعيد المصري ضد نظام بشار
ياسر الزعاترة
جو 24 : في خطاب حاسم ومدجج بالقوة والوضوح، صعَّد الرئيس المصري محمد مرسي موقفه من الملف السوري في تجاه العمل على إسقاط النظام؛ ما يبدو بالغ الأهمية والدلالة على مستقبل التعاطي العربي مع عموم هذا الملف، فماذا وراء ذلك؟
من الضروري التذكير ابتداءً بأن وجود مرسي في السلطة لم يمض عليه سوى عام، وهو بدأ ولايته بينما كان الملف السوري قد دخل مستوى التصعيد العسكري في طول البلاد وعرضها، لكن انشغاله بلملمة الأوضاع الداخلية لم يمنحه كبير فرصة للتدخل الواضح في الملف، لكنه مع ذلك كان حاسما في دعمه لحرية الشعب السوري ورفضه لبقاء النظام بعد القتل الذي مارسه ضد شعبه.
قال ذلك صراحة في قلب طهران عندما زارها لساعات في سياق تسليم قيادة منظمة التعاون الإسلامي، وقاله في أكثر من مناسبة، لكن الموقف ما لبث أن ارتبك بعض الشيء خلال الشهور الثلاثة الأخيرة، أولا بسبب حاجة مصر الماسة (اقتصاديا) لتوسيع أطر التعاون مع العديد من دول العالم خارج الإطار الأمريكي الغربي الذي يبدي موقفا سلبيا من النظام الجديد رغم بعض المجاملات العابرة، لاسيما أن مواقف بعض دول الخليج لا زالت تراهن على إسقاط النظام وإفشال الربيع العربي في محطته المصرية الأهم، وبالطبع عبر الأموال التي تضخ داخل مصر لدعم رموز الثورة المضادة. وربما كان لعلاقة مصر الجديدة مع إيران ومع روسيا دورا في ارتباك الخطاب، والذي تجلى بوضوح في كلمة مرسي في موسكو حين قال إنه يلتقي مع موسكو في ضرورة الحل السياسي. أما ثانيا، فيتمثل في القناعة بالحاجة إلى حل سياسي في ظل تراجع فرص الحسم العسكري السريع.
على هذه الخلفية جاء مقترح الرباعية الذي تبنته مصر من أجل البحث عن حل سياسي، لكن المقترح لم يكتب له النجاح في ظل إصرار من طرف النظام وحلفائه على تفصيل حل سياسي لا يمكن أن يكون مرضيا للشعب السوري.
على أن ذلك الموقف العابر لم يؤثر كثيرا في جوهر الموقف المصري الذي ظل أكثر انسجاما مع المحور الداعم للثورة السورية، وتجلى ذلك في وقوفه خلف منح مقعد الجامعة العربية للائتلاف السوري المعارض في قمة الدوحة، وفي عموم المواقف التالية المتعلقة بالملف كما وقع في بيان لقاء أبوظبي الذي رفض أي دور مستقبلي في سوريا لمن شاركوا في قتل الشعب.
كل ذلك لم يكن مرضيا بالنسبة للعديد من الأوساط العربية، لاسيما الشعبية منها، الأمر الذي يبدو مفهوما، وإن تجاهل في كثير من تجلياته حقيقة الموقف الداعم للشعب السوري وفق ما يستطيعه الرجل المطارد في الداخل، والذي لا يملك سلطة حقيقية على المؤسسة العسكرية والأمنية، وفي ظل عدم وجود ما يقدمه ماليا بسبب الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها البلاد، والتي لم تؤد إلى التقصير في استضافة اللاجئين بكل ترحاب. أما العلاقة مع إيران، فلم تتطور عمليا بشكل لافت، لكن الخيط بقي قائما، مع تأكيد مرسي على أن علاقات مصر الإقليمية (في إشارة لإيران) لن تؤثر على موقفها من دعم الشعب السوري.
لا ينكر أحد أن الموقف بدا ضعيفا إلى حد ما، أعني لجهة الدور الذي ينبغي أن تضطلع به مصر في أزمة من هذا النوع الخطير الذي يهدد دولة محورية في العالم العربي، في ذات الوقت الذي يهدد أوضاع المنطقة برمتها.
جاءت التطورات الأخيرة في سوريا بدخول حزب الله على الخط، وتحقيق قدر من التقدم العسكري على الأرض، ومن ثمَّ احتلال القصير؛ جاءت لتدفع الموقف المصري قدما إلى الأمام، لاسيما بعدما بدا أن الأمة تسير نحو هاوية الحرب المذهبية التي لا يمكن لمصر أن تقف متفرجة عليها، وهي توشك على التهام المنطقة برمتها.
لا مجال للتردد هنا، فمصر لن تكون إلا قائدة الأمة في مواجهة محور أقليمي متغطرس تمثله إيران. هكذا تحولت مصر خلال الأسابيع الأخيرة إلى منصة لإطلاق التصريحات والمواقف والفعاليات المناهضة للنظام السوري، ولإيران وحزب الله، وتجلى ذلك بإعلان تجمع لعلماء السنّة للجهاد في سوريا من قلب القاهرة.
في خطابه كان مرسي حاسما، ليس عبر إغلاق سفارة النظام السوري في القاهرة، وسحب القائم بالأعمال المصري من دمشق، ولكن عبر توجيه كلام واضح وصريح لحزب الله بضرورة الخروج الفوري من سوريا، ومن ثم العمل على عقد قمة عربية طارئة لبحث الملف السوري، فضلا عن المطالبة بمنطقة حظر جوي من خلال مجلس الأمن، وهو مطلب صعب التحقيق في ظل الفيتو الروسي.
وفيما سيبادر البعض إلى ربط التطور في الموقف المصري بتطورات الموقف الدولي، ولاسيما الأمريكي بالسماح بتسليح المعارضة، فإن الموقف لا يبدو كذلك، إذ تعلم القاهرة وجميع العارفين بتفاصيل القضية أن أمريكا ليست حريصة على إنهاء الملف، بقدر حرصها على إدامة الاستنزاف (لصالح الكيان الصهيوني) عبر منع أي طرف من الحسم العسكري، وبالتالي فإن على العرب بقيادة مصر أن يكون لهم موقف آخر يدفع نحو الحسم، وليس إطالة الصراع.
لا شك أننا إزاء تطور بالغ الأهمية ستكون له تداعياته، لاسيما أنه يأتي بعد فشل المراهنات الإيرانية على تصاعد الاحتجاجات في تركيا، ، الأمر الذي سيعني موقفا عربيا تركيا في اتجاه العمل على وقف النزيف السوري، وإرسال رسالة صريحة إلى إيران بأن كسرها للوضع العربي في سوريا وعموم المنطقة لن يحدث مهما كان الثمن، لكن ذلك سيعتمد دون شك على تحولات الموقف المصري الداخلي في ظل حشد قوى المعارضة لإسقاط الرئيس من خلال تصعيد الفوضى والعنف واستجلاب انقلاب عسكري. (الدستور)
من الضروري التذكير ابتداءً بأن وجود مرسي في السلطة لم يمض عليه سوى عام، وهو بدأ ولايته بينما كان الملف السوري قد دخل مستوى التصعيد العسكري في طول البلاد وعرضها، لكن انشغاله بلملمة الأوضاع الداخلية لم يمنحه كبير فرصة للتدخل الواضح في الملف، لكنه مع ذلك كان حاسما في دعمه لحرية الشعب السوري ورفضه لبقاء النظام بعد القتل الذي مارسه ضد شعبه.
قال ذلك صراحة في قلب طهران عندما زارها لساعات في سياق تسليم قيادة منظمة التعاون الإسلامي، وقاله في أكثر من مناسبة، لكن الموقف ما لبث أن ارتبك بعض الشيء خلال الشهور الثلاثة الأخيرة، أولا بسبب حاجة مصر الماسة (اقتصاديا) لتوسيع أطر التعاون مع العديد من دول العالم خارج الإطار الأمريكي الغربي الذي يبدي موقفا سلبيا من النظام الجديد رغم بعض المجاملات العابرة، لاسيما أن مواقف بعض دول الخليج لا زالت تراهن على إسقاط النظام وإفشال الربيع العربي في محطته المصرية الأهم، وبالطبع عبر الأموال التي تضخ داخل مصر لدعم رموز الثورة المضادة. وربما كان لعلاقة مصر الجديدة مع إيران ومع روسيا دورا في ارتباك الخطاب، والذي تجلى بوضوح في كلمة مرسي في موسكو حين قال إنه يلتقي مع موسكو في ضرورة الحل السياسي. أما ثانيا، فيتمثل في القناعة بالحاجة إلى حل سياسي في ظل تراجع فرص الحسم العسكري السريع.
على هذه الخلفية جاء مقترح الرباعية الذي تبنته مصر من أجل البحث عن حل سياسي، لكن المقترح لم يكتب له النجاح في ظل إصرار من طرف النظام وحلفائه على تفصيل حل سياسي لا يمكن أن يكون مرضيا للشعب السوري.
على أن ذلك الموقف العابر لم يؤثر كثيرا في جوهر الموقف المصري الذي ظل أكثر انسجاما مع المحور الداعم للثورة السورية، وتجلى ذلك في وقوفه خلف منح مقعد الجامعة العربية للائتلاف السوري المعارض في قمة الدوحة، وفي عموم المواقف التالية المتعلقة بالملف كما وقع في بيان لقاء أبوظبي الذي رفض أي دور مستقبلي في سوريا لمن شاركوا في قتل الشعب.
كل ذلك لم يكن مرضيا بالنسبة للعديد من الأوساط العربية، لاسيما الشعبية منها، الأمر الذي يبدو مفهوما، وإن تجاهل في كثير من تجلياته حقيقة الموقف الداعم للشعب السوري وفق ما يستطيعه الرجل المطارد في الداخل، والذي لا يملك سلطة حقيقية على المؤسسة العسكرية والأمنية، وفي ظل عدم وجود ما يقدمه ماليا بسبب الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها البلاد، والتي لم تؤد إلى التقصير في استضافة اللاجئين بكل ترحاب. أما العلاقة مع إيران، فلم تتطور عمليا بشكل لافت، لكن الخيط بقي قائما، مع تأكيد مرسي على أن علاقات مصر الإقليمية (في إشارة لإيران) لن تؤثر على موقفها من دعم الشعب السوري.
لا ينكر أحد أن الموقف بدا ضعيفا إلى حد ما، أعني لجهة الدور الذي ينبغي أن تضطلع به مصر في أزمة من هذا النوع الخطير الذي يهدد دولة محورية في العالم العربي، في ذات الوقت الذي يهدد أوضاع المنطقة برمتها.
جاءت التطورات الأخيرة في سوريا بدخول حزب الله على الخط، وتحقيق قدر من التقدم العسكري على الأرض، ومن ثمَّ احتلال القصير؛ جاءت لتدفع الموقف المصري قدما إلى الأمام، لاسيما بعدما بدا أن الأمة تسير نحو هاوية الحرب المذهبية التي لا يمكن لمصر أن تقف متفرجة عليها، وهي توشك على التهام المنطقة برمتها.
لا مجال للتردد هنا، فمصر لن تكون إلا قائدة الأمة في مواجهة محور أقليمي متغطرس تمثله إيران. هكذا تحولت مصر خلال الأسابيع الأخيرة إلى منصة لإطلاق التصريحات والمواقف والفعاليات المناهضة للنظام السوري، ولإيران وحزب الله، وتجلى ذلك بإعلان تجمع لعلماء السنّة للجهاد في سوريا من قلب القاهرة.
في خطابه كان مرسي حاسما، ليس عبر إغلاق سفارة النظام السوري في القاهرة، وسحب القائم بالأعمال المصري من دمشق، ولكن عبر توجيه كلام واضح وصريح لحزب الله بضرورة الخروج الفوري من سوريا، ومن ثم العمل على عقد قمة عربية طارئة لبحث الملف السوري، فضلا عن المطالبة بمنطقة حظر جوي من خلال مجلس الأمن، وهو مطلب صعب التحقيق في ظل الفيتو الروسي.
وفيما سيبادر البعض إلى ربط التطور في الموقف المصري بتطورات الموقف الدولي، ولاسيما الأمريكي بالسماح بتسليح المعارضة، فإن الموقف لا يبدو كذلك، إذ تعلم القاهرة وجميع العارفين بتفاصيل القضية أن أمريكا ليست حريصة على إنهاء الملف، بقدر حرصها على إدامة الاستنزاف (لصالح الكيان الصهيوني) عبر منع أي طرف من الحسم العسكري، وبالتالي فإن على العرب بقيادة مصر أن يكون لهم موقف آخر يدفع نحو الحسم، وليس إطالة الصراع.
لا شك أننا إزاء تطور بالغ الأهمية ستكون له تداعياته، لاسيما أنه يأتي بعد فشل المراهنات الإيرانية على تصاعد الاحتجاجات في تركيا، ، الأمر الذي سيعني موقفا عربيا تركيا في اتجاه العمل على وقف النزيف السوري، وإرسال رسالة صريحة إلى إيران بأن كسرها للوضع العربي في سوريا وعموم المنطقة لن يحدث مهما كان الثمن، لكن ذلك سيعتمد دون شك على تحولات الموقف المصري الداخلي في ظل حشد قوى المعارضة لإسقاط الرئيس من خلال تصعيد الفوضى والعنف واستجلاب انقلاب عسكري. (الدستور)