محمد عساف .. حالة غنائية وسياسية ودينية!
حلمي الأسمر
جو 24 : تختزل حالة الفنان محمد عساف لب الأزمة التي ضربت الأمة العربية في مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي، على نحو مدهش!
لا أريد هنا أن أكتب تحليلا سياسيا جامدا، ولكنني سأقتبس جملة من المداخلات التي وضعتها على صفحتي في الفيس بوك، وأعرض جانبا من التعليقات التي ثارت حولها، لعلي أقترب من شرح مقاربتي على نحو «خفيف دم» بعيد عن التفلسف والتعالـُم والتذاكي!
أول مرة رأيت فيها هذا الفتى قبل فوزه طبعا، كتبت: محمد عساف والمشاعر الغامضة: لم اتابع البرنامج المسمى اراب ايدول، فهو لا يمثلني، ولكنني حينما شاهدت محمد عساف صدفة، انتزع من اعماقي دمعة ساخنة، حرقتني، ربما لأن فلسطين كانت حاضرة، حتى ولو بأغنية وأم ترتدي الثوب المطرز، ربما... وربما لأن الفتى الغزي وحد فلسطين بنكهة توحيدها تحت الاحتلال بعد حرب الايام او الساعات الستة، ربما، انتابتني مشاعر غامضة ممزوجة بغصة وحزن دفين، خاصة حينما رأيت أم الفتى الباحثة عن انتصار قد يكون وهميا، أو في المكان الخطأ، بعد أن عزت الانتصارات الحقيقية التي نتمناها ونحترق شوقا لها!
طبعا هذا «البوست» لم يعجب الكثيرين، ودخلنا في «مزاج» التفسيق والتصنيفات المتضاربة، وعلق من علق تأسيسا على مدى قربه او بعده من التقويم «الشرعي» للمشهد، وكل الآراء كانت لدي محترمة وتُسمع بانتباه، فليس كل الشعب على سوية واحدة في التزامه الديني، وحتى من يلتزم دينيا، ثمة رؤى شتى بين تشدد صارم واعتدال غير مخل، وبينهما طيف من التقويمات!
ثم.. كتبت تحت تأثير الآراء المتعددة، ومن وحي ما قرأت من تعليقات: أعداء الفرح، هم كأعداء النجاح، يتوقعون منك أن تعتذر عن أي فرح أو نجاح في حياتك، أو أن تخفيه وتداريه،
كأنه عورة، أو عيب! فانهالت الإعجابات على «البوست» ولاحظت أن من لم يستطع ابداء إعجابه بمحمد عساف، فرّغ إعجابه هنا، على اعتبار أن الإعجاب هنا غير مؤاخذ عليه لا شرعيا ولا اجتماعيا!
ومن ثم كتبت: نحو 70 مليونا صوتوا لـمحمد عساف في تصويت تاريخي، الفلسطينيون صوتوا لوحدة الشعب، والعرب صوتوا لـفلسطين، قراءة سياسية لحدث فني! فأحدث هذا «البوست» شيئا من التوازن، باعتباره تحليلا عقلانيا للحدث دون «فتوى» لا بتحريم ولا بتحليل! وبعدها، نشرت هذا «البوست»: كلمة كتبتها عن محمد عساف مجرد كلمة، فجرت عاصفة! ليت حرارة الغيرة تبقى متقدة على أوطاننا المحتلة أو المسروقة، أو المستلبة! فكان لدى البعض مناسبة لتفريغ طاقة هائلة من المشاعر ضد الطرف المناهض لعساف والبرنامج والغناء، وقرأت مواعظ ومقارنات بعضها يبعث على القرف، ويكشف عن مقدار كبير من الجهل!
إلى أن كتبت أخيرا: محمد عساف حالة غنائية وسياسية ودينية، هكذا أصبح! بغض النظر عن البرنامج «السخيف» الذي كان منصة لإشهاره... من يريد الفرح فليفرح، ومن يريد الزعل، فليزعل، ولديه حرية ضرب رأسه بالحائط، ولكن... لم لا نتعلم «أخلاقيات» احترام رأي غيرنا، بدون تشنج، وشتم، ولطم؟ والأهم... بدون تخوين أو تكفير أو «تفسيق» أو مسخرة، أو تصفية حسابات «بايتة»؟ فأحدث هذا الرأي نوعا من التوافق، وإن لم يخل الأمر ممن يعلن صراحة أنه يرغب بضرب رأسه بالحائط! في النهاية، هذه هي القصة: سواد الناس منقسم بين التزام ديني وغير التزام، وبينهما أصحاب رؤى قد تكون معتدلة، أو متطرفة، مكتوب علينا أن نتعايش سويا، فالكل أبناء بلد، ونفي طرف للآخر مستحيل، وتلك ربما إشكالية الثورات العربية خاصة في مصر وتونس، وربما في فلسطين (حماس وفتح!) محمد عساف فجر إشكالية ثورية من غير أن يدري، ومن حيث لا يريد! (الدستور)
hilmias@gmail.com
لا أريد هنا أن أكتب تحليلا سياسيا جامدا، ولكنني سأقتبس جملة من المداخلات التي وضعتها على صفحتي في الفيس بوك، وأعرض جانبا من التعليقات التي ثارت حولها، لعلي أقترب من شرح مقاربتي على نحو «خفيف دم» بعيد عن التفلسف والتعالـُم والتذاكي!
أول مرة رأيت فيها هذا الفتى قبل فوزه طبعا، كتبت: محمد عساف والمشاعر الغامضة: لم اتابع البرنامج المسمى اراب ايدول، فهو لا يمثلني، ولكنني حينما شاهدت محمد عساف صدفة، انتزع من اعماقي دمعة ساخنة، حرقتني، ربما لأن فلسطين كانت حاضرة، حتى ولو بأغنية وأم ترتدي الثوب المطرز، ربما... وربما لأن الفتى الغزي وحد فلسطين بنكهة توحيدها تحت الاحتلال بعد حرب الايام او الساعات الستة، ربما، انتابتني مشاعر غامضة ممزوجة بغصة وحزن دفين، خاصة حينما رأيت أم الفتى الباحثة عن انتصار قد يكون وهميا، أو في المكان الخطأ، بعد أن عزت الانتصارات الحقيقية التي نتمناها ونحترق شوقا لها!
طبعا هذا «البوست» لم يعجب الكثيرين، ودخلنا في «مزاج» التفسيق والتصنيفات المتضاربة، وعلق من علق تأسيسا على مدى قربه او بعده من التقويم «الشرعي» للمشهد، وكل الآراء كانت لدي محترمة وتُسمع بانتباه، فليس كل الشعب على سوية واحدة في التزامه الديني، وحتى من يلتزم دينيا، ثمة رؤى شتى بين تشدد صارم واعتدال غير مخل، وبينهما طيف من التقويمات!
ثم.. كتبت تحت تأثير الآراء المتعددة، ومن وحي ما قرأت من تعليقات: أعداء الفرح، هم كأعداء النجاح، يتوقعون منك أن تعتذر عن أي فرح أو نجاح في حياتك، أو أن تخفيه وتداريه،
كأنه عورة، أو عيب! فانهالت الإعجابات على «البوست» ولاحظت أن من لم يستطع ابداء إعجابه بمحمد عساف، فرّغ إعجابه هنا، على اعتبار أن الإعجاب هنا غير مؤاخذ عليه لا شرعيا ولا اجتماعيا!
ومن ثم كتبت: نحو 70 مليونا صوتوا لـمحمد عساف في تصويت تاريخي، الفلسطينيون صوتوا لوحدة الشعب، والعرب صوتوا لـفلسطين، قراءة سياسية لحدث فني! فأحدث هذا «البوست» شيئا من التوازن، باعتباره تحليلا عقلانيا للحدث دون «فتوى» لا بتحريم ولا بتحليل! وبعدها، نشرت هذا «البوست»: كلمة كتبتها عن محمد عساف مجرد كلمة، فجرت عاصفة! ليت حرارة الغيرة تبقى متقدة على أوطاننا المحتلة أو المسروقة، أو المستلبة! فكان لدى البعض مناسبة لتفريغ طاقة هائلة من المشاعر ضد الطرف المناهض لعساف والبرنامج والغناء، وقرأت مواعظ ومقارنات بعضها يبعث على القرف، ويكشف عن مقدار كبير من الجهل!
إلى أن كتبت أخيرا: محمد عساف حالة غنائية وسياسية ودينية، هكذا أصبح! بغض النظر عن البرنامج «السخيف» الذي كان منصة لإشهاره... من يريد الفرح فليفرح، ومن يريد الزعل، فليزعل، ولديه حرية ضرب رأسه بالحائط، ولكن... لم لا نتعلم «أخلاقيات» احترام رأي غيرنا، بدون تشنج، وشتم، ولطم؟ والأهم... بدون تخوين أو تكفير أو «تفسيق» أو مسخرة، أو تصفية حسابات «بايتة»؟ فأحدث هذا الرأي نوعا من التوافق، وإن لم يخل الأمر ممن يعلن صراحة أنه يرغب بضرب رأسه بالحائط! في النهاية، هذه هي القصة: سواد الناس منقسم بين التزام ديني وغير التزام، وبينهما أصحاب رؤى قد تكون معتدلة، أو متطرفة، مكتوب علينا أن نتعايش سويا، فالكل أبناء بلد، ونفي طرف للآخر مستحيل، وتلك ربما إشكالية الثورات العربية خاصة في مصر وتونس، وربما في فلسطين (حماس وفتح!) محمد عساف فجر إشكالية ثورية من غير أن يدري، ومن حيث لا يريد! (الدستور)
hilmias@gmail.com