سكجها يبعث "بسرعة" على صفحات jo24
الأستاذ باسم سكجها.. زميل اعتنق الحرية والاستقلاليّة وكرّس تجربة رائدة ومدرسة قائمة بحدّ ذاتها في عالم الصحافة.. قلم أخلص للحقيقة وحدها، بعيدا عن أيّة مصلحة ذاتيّة أو نزعة أنانيّة.. فقد كان سكجها ومازال، ابن المهنة البارّ، بل علما لا يدركه سوى المجد.
على نقيض أولئك الذين استمدّوا قوّتهم من ارتباطاتهم بالسيستم وانتقلوا بين مواقعهم استنادا لعلاقاتهم بالاجهزة، فقد أبى سكجها أن يكون جزء من أي استقطاب، وبقي حرّا بكلّ ما تعنيه هذه المفردة من دلالات معرفيّة ووجوديّة، وعبّر عن حالة خاصّة متمايزة، تعكس الترجمة المثلى لمفهوم تحقيق الذات.. احترف المهنة وعتّقها في دمه، وواصل تجربة أبيه بخطى راسخة، لتتجلى الحقيقة في سطوره متحرّرة من كلّ أشكال وأدوات المواربة.
كلمات سكجها الرشيقة التي تنساب من قلمه "بسرعة"، عبّرت عن المعني الحقيقي للصحافي الحرّ المستقلّ.. وعرفتها كثير من التجارب الناجحة سواء في الصحافة الورقيّة أو الالكترونيّة.
سكجها انضمّ إلى أسرة jo24 التي ينتمى لها وتنتمي له، وسينشر في زاويته الخاصّة "بسرعة" مقالاته التي لا تعرف المجاملة ولا تعترف بالمهادنة..
jo24 تقدّم لقرّائها الأعزّاء أولى مقالات العزيز (أبو ابراهيم) على صفحاتها..
بسرعة
بقلم باسم سكجها
..وعن أيّ إصلاح وديمقراطية وشفافية ونزاهة نتحدّث؟
أستطيع أن أعدّ:
"فلسطين" في يافا، "الجزيرة" و"النسر" و"آخر خبر" في عمّان، ثمّ "فلسطين" في القُدس، ثمّ "الدستور" و"الشعب" في عمّان، ثمّ "البيان" في دبي، ثمّ "الرأي" و "صوت الشعب" و"الدستور" وآخر خبر" و"صوت وصورة" و"العرب اليوم" و"المسائية" و"الدستور" مرّة جديدة في عمّان، وما بين هذه وتلك، وتلك وهذه، كانت زاوية "بسرعة" تتنقّل أيضاً، كبيت شَعر لبدوي يَرتحل وَراء الحريّة، لا بَحثاً عن الكلأ والماء، ولا عن الرزق أيضاً...
أو: لعلّ رزقنا هو في رحلة حريّتنا...
تلك التي بدأها أبي قبل نحو سبعين من السنوات، وورثتُها منذ خمس وثلاثين، ومضت في صحف ومجلات ووسائل أخرى، تحت أسماء مختلفة، وكانت "بسرعة" هي الجامع المشترك: المقالة اليومية التي ظلّ والدي يكتبها عشرات السنوات، ومع رحيله كان إبنه يكتبها لعشرات السنوات، أيضاً، والآن يصل "بيتَ الشَعَر" إلى هنا، إلى (جو 24)، وكما تشرّفَت "بسرعة" بزمالة الكثيرين من الأحرار، تتشرّف بصحبة هذا الموقع الحبيب، وصاحبه ومؤسسه باسل العكور...
وما علينا، فالتاريخ تاريخ...
ونحن نكتب، الآن، المقالة الأولى في مكان جديد...
وما بين مشهد أحمد روبين، يقدّح النار في جسده، ويحرق نفسه، فيركض، ويركض، ويركض، ويختفي في مبنى وزارة أردنية، كان مُنع من دخولها قبل قليل، ولنعرف بعد يومين أنّه مات، ومشهد شاب يُحطّب في غابة، في عزّ الصيف، ليحصل على مَصدر للطبخ، لا للدفء، باعتبار جرّة الغاز غير ممكنة، ولا الكاز ولا السولار بالطبع، ومشهد رئيس الوزراء يستخدم ترسانة كاملة من الأسباب لرفع أسعار الكهرباء، بعد أن رفع أسعار كل أسباب الطاقة الأخرى...
وما بين مشهد أبو يوسف الفريحات، الذي يترك شلية الغنم التي يرعاها إلى جانب، ويذهب ليطمئنّ على القمح الذي زرعه في أراضي غيره ويأمل بحصاد جيد، ثمّ يراني فيُسارع ليسألني: هل سترفع الحكومة أسعار القمح الذي تأخذه منّا ما دامت سترفع أسعار الخبز؟ ومشهد رئيس الوزراء يقف أمام منسف ضخم تعتليه خرفان في صورة إنتشرت على الشبكة العنكبوتية...
وما بين مشهد رئيس الوزراء يُلقي خطبة عصماء في مدح ديوان المظالم، في مؤتمر إستضافه الأردن وضمّ الكثير من الدول، ومشهد رئيس الوزراء يستمع إلى قرار مجلس النواب وهو يلغي الديوان فلا ينبس ببنت حرف دفاعاً عن بقائه...
وما بين مشهد رئيس الحكومة يُفاخر أمام مؤتمر للحريات الإعلامية بالمستوى الذي وصل إليه الأردن، ويعد بتغيير قانون المطبوعات، ومشهد الرئيس نفسه يُدافع عن قرار مفاجئ بحجب المواقع الالكترونية، ويؤكد على تطبيق القانون على كلّ الناس، ومشهد رئيس الوزراء يجلس تحت قبّة البرلمان وأمامه العشرات من النواب يُشعلون ويُطفئون سجائرهم، في تحد سافر لقانون أُقرّ تحت القبة نفسها...
وما بين مشهد أغلب الطرق الخارجية مُضاءٌ في عزّ النهار، حسب توقيت الدوار الرابع، الموحّد شتاء وصيفاً، ومشهد إطفاء الناس لبيوتهم، ومشهد يترك سيارته ليذهب إلى عمله بالسرفيس، ومشهد طوابير سيارات مرسيدس سوداء، بنمر حمراء، آخر موديل، تقف أمام دار الرئاسة تنتظر التحرك، وغيرها من طوابير تقف أمام الوزارات والمؤسسات والدوائر...
وما بين مشهد طُلاب يستمعون لرأس الدولة في جامعة مؤتة ويهتفون للأردن وأمنه وأمانه، ومشهدهم يستأنفون تقاتلهم في اليوم التالي، ومشهد شباب يتسلقون بلكونات مدرسة تستضيف إمتحان التوجيهي، ويغشّشون أصدقاءهم، ومشهد طوابير سيارات شباب تجوب الشوارع العمّانية حتى الصباح، وتقاتل بعضها بعضاً لإختلاف إنتماءاتهم البرشلونية والمدريدية، أو لتباين مواقفهم من محمد العساف وأراب آيدول...
ما بين تلك المشاهد، كلّها، وغيرها الكثير، يتساءل الناس عن البوصلة التي تحكم مسيرة الأردن، وعن أيّ إصلاح وأية ديمقراطية وشفافية ونزاهة نتحدّث، وللحديث بقية...