jo24_banner
jo24_banner

قراءة نقدية في بعض ملفات كورونا

المحامية سلسبيل التميمي
جو 24 :
شهران ونيف..تلك هي الفترة الممتدة منذ ما أصبح ما يسمى جائحة "كورونا" ، شهران ونيف وحديث الجميع من ارتدى الكمامة ومن أتى من الخارج، من حصل على التصريح ومتى ستعود الحياة لطبيعتها..فاصبح الايجاز الصحفي الشغل الشاغل لجميع شرائح المجتمع، وقد ربطت "حريتها" وعودتها للحياة السابقة باستمرار الحصول على الصفر الثمين.

هل حقا نحتاج هذا الصفر لنعود الى اعمالنا وحياتنا السابقة أم ان هذا ما تم تلقينه لنا وايهامنا به؟
دعونا لا نتحدث عن الكوادر الطبية او الأمنية او نتغنى بالاداء الحكومي الباهر الذي لم نعهده منذ سنين، والذي اشبعته البعض مدحا واغرقته ثناءً في الفترة السابقة.

لهذا وجب عليّ اليوم اتحدث عن السواد الأعظم، اؤلئك القابضون على جمر، الصامتون في تلك المعزوفة الطويلة للكورونا، اؤلئك الذين يعلمون أنهم من سيدفع فاتورة كل ما سبق من جيوبهم وجيوب أبنائهم، سيدفعونها من ثمن عرقهم..ومن طاولة الطعام المقدمة لابنائهم، وعلى الرغم من ان اؤلئك الأشخاص لا يد لهم في صناعة القرار..ولا حتى القدرة على التغيير لكنهم من يحمل العبء الأكبر، العبء الصامت الذي لا نتحدث عنه أو دعونا نكن اكثر دقة ونقول " الذي لا نريد التحدث عنه هربا من الواقع المخيف الذي ينتظرنا"، هذه الفئه التي طحنت بعنف بين سندان الإجراءات الحكومية وبين الغضب الجماهيري والشعبي..والذي تم تعبئته بنجاح ليمارس دور الجلاد والقاضي وهو ما بدا غريبا تماما أن يتحول وطن كامل الى ملايين من المتنمرين يمارسون عنفهم اللفظي وتهديداتهم في الأفق السيبراني.. خاصة واننا لاحظنا تساهلا وغَضَا لا مثيل له من قبل الحكومة للطرف الذي عبث بمعلومات المصابين..وكأن اصبح ما يتعلق بحماية وسرية وخصوصية البيانات الشخصية لا قيمة له في زمن الكورونا.. بل تعدى الامر ذلك الى تبادل صورهم وصور هوياتهم الشخصية.

أن من يفعل ويمارس ذلك هم اشخاص لهم حق الوصول بسلاسة لتلك المعلومات الشخصية فلماذا لم تتم الاشارة اليهم او حتى محاسبتهم ؟ وتقديمهم للقضاء وهذا مؤشر خطير جدا في مجال الحريات العامة وجب حمايته وعدم غض النظر عن انتهاكه.

في الجانب الآخر رأينا قطاعات كاملة أصيبت بالشلل وكلما رفع أصحابها صوتهم جاء الرد بأنكم تعبثون بالامن..وهذه جائحة وعلى الكل ان يعي مفهوم تفعيل المواطنة مع تهديدات بأنكم سبب في تدمير " منظومة الصفر" ، سأبدأ بتسميتها بمنظومة الصفر لان هذا ما تم ايهامه لعموم المواطنين بأن الصفر ضرورة لعودة الحياة لطبيعتها مع ملاحظة ان الأردن شبه خالي داخليا من الإصابات منذ منتصف ابريل، اليوم جميع الأمة تسب وتلعن ذلك السائق وقبله ذلك وتلك -بتنمر مقيت على مستوى جميع الشرائح المجتمعية كما اسلفت سابقا، لكن بعد مرور شهرين من حدوث كل تلك الميمعة علينا ان ندرك أن المقصر هو إجراءات الحكومة نفسها ؟ هي من سمحت لذلك وتلك بالدخول لاراضيها ولم تتخذ بحقه الإجراءات المتبعة من منع وحظر في الأماكن المخصصة , لوم السائق على نشر العدوى وتشديد الإجراءات لا رابط بينهما والاستدلال باطل بل وموجه من قبل صانع القرار لتحويل الانتباه عن المقصر الحقيقي.

اما القطاعات المنسية تتوق لمنظومة الصفر فهي تعي تماما أن فاتورتها تزيد واعباءها تتضخم، دعونا ننظر في حال قطاعات السياحة وصغار التجار بجميع فئاتهم وأصحاب المشاريع الصغيره وقطاع المحامين، جميع هؤلاء توقفوا تماما عن ممارسة أعمالهم مع تحملهم للعبء السابق هم يعرفون ان القادم ليس الا فاتورة طويلة من الاستحقاقات المؤجلة، وقد جاء البديل في هذه الازمة ضعيفا منهكا، جاء في جملة متنوعة للقروض الصغيرة او المتوسطة. وكأن هذا هو حل المشكلة، يعلم هؤلاء انه لا بأس بهذا الحل بافتراض ان ما يتبع هذه الازمة هو انفراج تام اقتصادي ولكننا بملاحظة سريعة نعلم ان ما سيتبع هو انكماش اقتصادي واحجام في السوق، أليس هذا ما اخبرنا به السيد طلال ابو غزالة ورفاقه الاقتصاديين ؟

اذا جملة تلك القروض المحملة بالفوائد لن تساعد هذه القطاعات في دفع ضريبة الكورونا وما لحقها من اضرار .

كمثال ولا للحصر..الكثير من زملائي المحامين ألقو باللوم على نقابة المحامين متهمين إياها بالضعف والعجز في مواجهة ماحدث، سأكون عقلانية هنا وأقول ان هذه الجائحة بجميع تداعياتها اكبر واشد من ان تستطيع النقابة الوقوف في مواجهته، هي ازمة من العيار الثقيل حقا وما يجب ان نراه هو تفعيل إجراءات حكومية أكبر وأوسع وأشمل، فالشلل في القطاعات العامة وعلى رأسها قطاع القضاء جاء بأوامر منها وليس من نقابة المحامين..وعليه يجب ان نرى تفاعلا أكبر من قبل وزارة العدل وتعاونا مع هذا القطاع..وهو ما لم ألمسه صدقا لا مؤخرا ولا قبل الازمة.
المحامين ممثلين بنقابتهم هم الجناح المقابل للقضاة فجميعهم يمثلون العدالة التي نرغب ونتأمل أن تسود في المجتمع..ولسنا في صراع او عداء بل نكمل بعضنا البعض، وعليه أرى ان الإجراءات القادمة والقرارات يجب ان تأخذ صفة المشاركة لا الصفه الأحادية والانفرادية..وانني أتوجه الى وزارة العدل ممثلة بوزيرها عطوفة محمد الغزو بضرورة إشراك قطاع المحامين في جميع القرارات المتخذة..فهذه الجائحة لم تستثني أحدا، وليس المحامين بمعزل عما حدث..وان ما جرى من تعطيل في قطاع القضاء يتحمل الجميع ضرره وما ينشأ عنه من تداعيات، لقد رأينا أن ما صدر من أوامر للدفاع جاءت منقوصه وغير مكتملة لكثير من الإجراءات..وحسبنا أن نذكر ان امر الدفاع رقم (6)..والذي تعرض لجملة من الإجراءات التي تخص العامل وصاحب العمل والمؤسسات التي شملها التعطيل جزئيا او كاملا وما نتج عنه من إشكاليات لم تحل ولم يصدر قرارات تفصلها او تعالجها، ان اصدار مذكرات لاحقة بالتعاون مع نقابة المحامين لتفسير وتوضيح ما لم يكتمل من الإجراءات السديدة التي يجب تفعيلها ستكون خطوة في مكانها الصحيح لاسيما مع الأخذ بان المحامين على قدرة ودراية بحل مثل هذه الإشكاليات.

ماذا بعد ؟ من غير المعقول استمرار التشديد في القبضة الحكومية فيما يتعلق بالعودة للحياة الطبيعية وسريان شريان الحياة..والبدء بمحاولة اصلاح الاضرار الناتجة..فكما نرى العديد من الدول وعلى رأسها إيطاليا والتي كان يضرب بها الامثال في تفشي المرض وعدد الإصابات نجد انها عادت لممارسة الحياة السابقة وعودة عجلة الحياه للدوران لا سيما وان حدة الإصابات بدات بالتراجع وعليه فان الاستمرار بمثل تلك الإجراءات لهو تعطيل يزيد في تعقيد إعادة الأمور لنصابها وإصلاح ما تم تدميره والحاق الضرر فيه.

أراهن ان جميعنا قد خرج من هذه الازمة وقد أشبع بمقالات اقتصادية وسياسية اما تروج للاحباط او تغرر بالقادم، لكن ما يجب أن نتذكره أننا وفي يوم استقلال وطننا..علينا أن نحيي تلك الفئه الصامتة القابضة على الجمر ، فالوطن بكامل اعباءه واحماله يقوم على اكتافهم حقا وسيستمر بصمتهم وكدحهم ليلا نهارا، فهو لهم ولابنائهم ولمن بعدهم لذلك نراهم صامتون يعملون آناء الليل واطراف النهار فمن غيرهم له..ومن لهم غير هذا الوطن؟.

• محامية وناشطة حقوقية.
تابعو الأردن 24 على google news