jo24_banner
jo24_banner

أوقية كنافة

عمر علاونة
جو 24 :
لكل فرد منّا قوّة تحمل معينة تتفاوت بين شخص وآخر، فقد يستطيع أحدهم مثلاً أن يُجهز على كيلو كنافة كاملة بينما لن يكمل آخر أوقية واحدة تحت نفس الظروف، وقد يحمل أحدنا ٥٠ كغم بينما لا يقوى آخر على حمل ربع هذا الوزن، كما قد يصبر أحدنا على الجوع بل ويمنع آخر من مجرد المطالبة بحقة كما حدث في مرات عديدة وهكذا فإننا نختلف في قدراتنا وقوة تحملنا في كل شيء تقريباً.
والأمر بالنسبة للدول تماماً كما هو للأفراد ،
فبينما تقدر دولاً معينة كأمريكا مثلاً على صرف بدل تعطُّل لمواطنيها فإن دولاً أخرى بعضها نفطية وغنية قامت بإصدار أوامر لإقتطاع علاوات كانت قد أُستحقت بعد أحداث طارئة كما علاوة غلاء المعيشة للسعوديين بعد تحرير المشتقات النفطية قبل أكثر من عامين ،وعلاوة الرُّتب للمعلمين الأردنين التي حصلوا عليها بعد إضراب تاريخي وقف به الشعب مع المعلمين حيث تم إقرارها في تشرين أول الماضي قبل أن يتم البدء بصرفها مطلع هذا العام،
وإذا عدنا للمملكة العربية السعودية نجد أنها لم تكتفِ بوقف العلاوة بل وأصدرت قرارات برفع قيمة الضريبة المضافة من ٥٪؜ إلى ١٥٪؜ ابتداءاً من تموز القادم .
فهل هذه فعلاً هي قدرة دولنا على التحمل؟
وأنا هنا أضرب السعودية هذه الدولة القوية اقتصادياً مثلاً للمقارنة مع الأردن الذي نعرف جميعاً مدى هشاشة اقتصاده لألقي الضوء على أن مثل هذه الإجراءات الضرورية أحياناً لاتعترف بالوضع الإقتصادي بقدر اعترافها ورضوخها لأهواء صاحب القرار ولغايات قد تكون مجهولة حالياً ولكنها لن تبقى كذلك بالتأكيد، فالكثير يؤمن بنظريات المؤامرة وله في التاريخ شواهد كثيرة على قصص تتشابه بالنتيجة وإن اختلفت المسببات ورغم أن البعض يرى أن خيوطاً بدأت تتكشف هنا وهناك إلا أنني أستبعد على الأقل في هذه الفترة أن تكتمل الرواية التي كتبت فصولها ولو حتى بعد انتشار المرض.
إنّ الغضب المبرر بتردي الوضع الإقتصادي أصلاً للمواطنين قبل قرار وقف الزيادات الأخيرة مرتبط بفكرة التحمل أيضاً فكيف تقدم الحكومة بهذه السرعة على القيام بإجراءات لم تتعدى السطو على جيوب الفقراء وقوت عيالهم منذ لحظات إنطلاق الأزمة دون البحث عن حلول أخرى كثيرة موجودة،
وعلى الرغم مما رافق هذه القرارات من وقف لإقتطاع القروض الشخصية لهذه الفترة في محاولة للتخفيف من الآثار المرافقة إلا أن
هذا الوضع يجعلنا نتسائل إن كان جورج كلوني آخر قادر هذه المرة على إقناعنا بأن القرار القادم لن يكون تخفيض الرواتب مثلاً!!

أرى أن تكف الحكومة عن المحاولات المتكررة لإظهار عجزها المالي على الملأ ،
ولعلّ تصريحات وزيرة التنمية باستبعاد صرف دعم الخبز هذا العام لن تكون الأخيرة حتّى نقتنع بأن علينا إلقاء نظرة الوداع حتى على القليل الذي كان للمعظم كثيراً!!
صحيح أنّ الحكومة تأثرت وستسجل حالة تباطؤ اقتصادي للربع الثاني وربّما لنهاية العام نتيجة توقف تدفق الإيرادات التي يُعتبر فرق أسعار المحروقات والقطاع السياحي أهم مصادرها بعد الركود الذي أصاب هاذين القطاعين في العالم ككل، إلا أن ماتبقى من رسوم وجمارك وضريبة مبيعات بجميع مصادرها هي في حكم المؤجلة فقط وستعود للدوران بمجرد العودة لممارسة الحياة الطبيعية الجديدة التي لن تكون أبداً كحياتنا الطبيعية التي اعتدنا عليها .
وعليه فإنه من الضروري مراجعة ماتمّ اتخاذه من قرارات وتعديل مايمس الكادحين منها .

ختاماً نسأل الله في هذه الأيام المباركة أن يرفع عنا هذا البلاء وأن نعود لحياتنا الطبيعية القديمة على علاتها ولكن هذه المرةعلينا العمل على رفع قوة تحمل الجميع على أكل الكنافة لتكون قوة تحملنا متقاربة وتُؤخذ أي اقتطاعات قادمة على محمل الجد حينما يُدرك صاحبها أنها ستُخصم من حصته قبلنا.
تابعو الأردن 24 على google news