قطاعنا الزراعي بين الطموحات والتحديات
م. عبد الهادي الفلاحات
جو 24 :
لا يخفى على العارفين بأن القطاع الزراعي يساهم بشكل فاعل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويعتبر أداة التنمية الفضلى في المناطق النائية والريفية بعيداً عن تلاصق المباني وتزاحم المركبات،وخط الدفاع الأهم أمام الهجرة نحو مدن ضاقت بساكنيها واضناها ارتفاع الطلب على المياه وخدمات الكهرباء والصرف الصحي وشق الطرق.
كما يضطلع القطاع بمهام توفير منتجات زراعية أساسية مختلفة بأسعار مناسبة للمستهلكين على مدار العام مما يعزز الأمن الغذائي الوطني, ويشغّل الأيدي العاملة المحلية والوافدة، ويوظف الكفاءات الفنية وخريجي كليات الزراعة والعمالة الماهرة، ويسهم في زيادة الصادرات الأردنية وتوفير العملة الصعبة، ضمن ضوابط تحافظ على البيئةكما لا يفعل أي نشاط اقتصادي، إذ يعتبر بحق امتداد للبيئة وابناً لها إن أُحسن ضبطه،غير أنه قطاع مساهم في الناتج المحلي الإجمالي رافد للنمو الاقتصادي، مشغّل للقطاعات الإنتاجية الصناعية والخدمية المتداخلة معه.
بالمقابل يواجه القطاع تحديات مزمنة وأخرى مستجدة أعاقت التنمية وأبطأت النمو المأمول، فمنها ما التصق بطبيعة الاستثمار الزراعي المصحوب بالمخاطر وضعف برامج التأمين، وقد شهدت العقود الماضية انكفاء بعض رجال الأعمال عن الانخراط أو التوسع في هذا القطاع، وإن سجلت المرحلة دخول مستثمرين عرب في بعض النشاطات، وهو أمر يحتاج إلى تمحيص الفرص المتاحة وخاصة في مجال الاستثمار في المعرفة والتقنيات الزراعية الحديثة والابتكار والتحول الرقمي، والحاجة الملحة إلى خلق بيئة تُحفز الاستثمار النوعي بوجود العنصر البشري الذي لابد أن نحسن الاستثمار فيه.
ترتب على صعيد آخر تحديات ناجمة عن استحقاقات تطبيق أدوات الرقابة المسؤولة عن جودة وسلامة الغذاء، وساهمت وسائل الاتصال المختلفة في نشر الشائعات وارباك المستهلكين، مما يستدعي مراجعات تضبط سلامة الغذاء وتوفر مصادر معلومة رسمية موثوقة، تدحض الشائعات، وتحفظ سمعة المنتج الوطن داخل المملكة وخارجها.
ناهيك عن تحديات صاحبت أنظمة وحلقات البيع والتسويق، وطرق تجهيز المنتجات الزراعية بشقيها النباتي والحيواني، وتراجع التعاقدات الزراعية في العقد الأخير، وارتفاع معدلات الفقد والتلف، وضعف البنى التحتية للتخزين والتدريج، وضعف تنافسية الصناعات الغذائية، والحاجة الملحة لتطوير ودعم البحث العلمي وربط المخرجات بالواقع العملي، وترجمة الأفكار والنتائج إلى مبادرات ومشاريع ذات جدوى اقتصادية، وكلها تحديات مرتبطة بصور مختلفة مع سياسات استعمال الأراضي والسياسات المائية وعدم استقرار التشريعات الضريبية، وما كان منوطاً بأداء المؤسسات الرسمية والأهلية الناظمة للقطاع، علاوة على تحديات ارتفاع كلف الطاقة، والقيود المفروضة على العمالة الوافدة، وضعف انخراط العمالة المحلية بشكل أوسع في الأعمال الزراعية، رافقها شح الموارد المائية، ومعيقات التمويل بالضمانات المتاحة والسقوف المطلوبة.
ورغم كل ما سبق من عظيم التحديات إلا أن القطاع استطاع التكيف والنجاح و القيام بدور أساسي في تحقيق الأمن الغذائي، وتوفير السلع بأسعار عادلة ومستقرة، والمحافظة على الصادرات، ورفد الاقتصاد الوطني، بل ويستطيع التفوق في المستقبل المنظور إن اجتمعت الإرادة والعزيمة والتخطيط السليم.
يطول المقام في توصيف الحلول، ويحتاج إلى رسائل لا تنقطع في الحديث عن التسويق والعمالة والطاقة والمياه والأرض الزراعية المستباحة بحجج الاستثمار أو التنظيم، فالغاية نهضة قطاع أثبت صموده في خضم ما يمر به العالم من ظروف واستشراف المستقبل الذي نريد.