رسالة الى من يعنيه الامر
د. محمد تركي بني سلامة
جو 24 :
لم أكن راغبا بكتابة هذه السطور، حيث اني اود وافضل طي صفحة ما حدث، والاهتمام و الانشغال بما هو اهم وانفع، نسيان الماضي والتطلع الى المستقبل، ولكن على مدى الأيام الماضية، تلقيت مئات الاتصالات من الاهل والأصدقاء من أبناء الأردن في الداخل والخارج، من المتعاطفين والمهنئين، ولم يكن هذا مفاجئ او غريب على أبناء الشعب الأردني الطيب، الذي خبرته عبر مسيرة في العمل العام امتدت لما يزيد عن ثلاث عقود، بدأتها مع المرحوم ملحم وهبي التل في حزب الجبهة العربية الدستورية في اواخر القرن الماضي، واستأنفتها مع السيد امجد هزاع المجالي ورفاقه من قامات وطنية كبيرة محل ثقة واحترام الشعب والقيادة ، في حزب الجبهة الأردنية الموحدة قبل عقد ونيف من الزمان، تعرضت خلال هذه المسيرة للاعتقال مرة واحدة في هبة نيسان عام 1989، وكثير من المضايقات والظلم والحرمان والتهميش.
تلقيت خلال الايام القليلة الماضية وعود بكافة أنواع الدعم ودعوات للترشح للانتخابات النيابية القادمة ، باعتبار ان الطريق مفتوحة والفرصة شبه مؤكدة للظفر بمقعد النيابة ، وانني اذ اقدر عاليا هذه الثقة ، فإنني اعلن موقفي من هذا الامر وامور أخرى وثيقة الصلة به على النحو التالي:
1)ان وظيفة النائب الممثل للإرادة الحرة للشعب هي من ارفع الوظائف في المجال السياسي، وان نيل ثقة الشعب هي اكبر تكريم يحصل عليه الإنسان.
2)انني مواطن اردني اتمتع بكافة حقوق المواطنة ومنها حق الترشح لأي انتخابات، وانني احمل من الشهادات العلمية والخبرات العلمية والمسيرة النضالية ما يؤهلني للترشيح والمنافسة في اي انتخابات، او اشغال أي وظيفة في الدولة ، وهنا اود ان اشير الى ان ابائي و اجدادي دافعوا عن هذه الارض فقاوموا الاستعمار ، وان والدي العسكري المتقاعد –اطال الله عمره- حارب على اسوار القدس وكان اسيرا في حرب عام 1967، وجريحا في معركة الكرامة 1968، وحاصل على ميدالية الخدمة الطويلة المخلصة ، ولدي سيرة ذاتية زاخرة بالإنجازات تراكمت عبر رحلة طويلة شاقة مليئة بالصعوبات والتحديات، انصفني القضاء الاردني النزيه والعادل في محطتين مفصليتين من هذه الرحلة وثقتي به لا حدود لها ، منذ أكملت دراسة الثانوية العامة 1984، حيث كنت من العشرة الأوائل على مستوى المملكة، حتى الوقت الحاضر حيث اشغل رتبة أستاذ دكتور في العلوم السياسية منذ أربعة سنوات.
3)انني أتقدم بوعد لأبناء الشعب الأردني بانني لن اترشح للبرلمان في يوم من الأيام في انتخابات تقوم على اسس جهوية ومناطقية، وتفرز نواب خدمات ومزايا وعطاءات لا علاقة لهم بالرقابة والتشريع .
4)اما بخصوص أي وظائف عامة في الدولة، فان من هم اقل شأن مني تسلموا الوزارة والسفارة وغيرها من الوظائف العليا في الدولة، أؤكد انه لا مطمح او رغبة لدي في أي وظيفة عامة، ولا اريد سوى ان احصل على حقوقي كمواطن اردني دون زيادة او نقصان.
5)انني اؤمن ان المثقف الملتزم بهموم الوطن وقضايا الشعب والقضايا الانسانية يؤدي رسالته وينأ بنفسه عن ممارسة السلطة.
6)انني سعيد جدا بحياتي ومقتنع بوظيفتي كأستاذ جامعي ، وسأواصل عملي في هذا الميدان ، مكرسا جل وقتي للتدريس والبحث العلمي وخدمة وتنمية المجتمع المحلي، وانني ارغب بمواصلة هذه المسيرة، واعيش بهدوء وسلام وبعيدا عن الاضواء ، مع اسرتي الصغيرة (زوجتي الدكتورة سرى حراحشة وابنائي عمر وادم وعلي ) وزملائي وطلبتي في الجامعات الاردنية ، والاسرة الأردنية الكبيرة عشيرتي الأكبر.
-انني سأبقى وفيا لهذه القيم والمبادئ منسجما مع نفسي حريصا على مصلحة وطني، واعاهد الله والامة ، على متابعة المسيرة نحو اتمام الرسالة ، التي بذلت نفسي لها من اجل الحياة الكريمة التي نريد لهذا الشعب ، ومن اجل الدفاع عن حرمات هذا الوطن المفدى ، فأمامنا رحلة طويلة من العمل والبذل ، ولكننا على الطريق القويم وسنصل لغاياتنا بعون الله وتوفيقه ، بالرغم من كل الصعوبات والتحديات ، وتواضع الامكانات ، وما نقابل من مواقف من هنا وهناك .
وبعد ،
انني أؤكد اخلاصي للدستور الأردني وايماني بسموه ادعو الى احترامه وعدم الافتئات عليه، ووقف العبث فيه، لا بل ادعو لتعديله لإعادة التوازن اليه. كما انني ادعو الى محاسبة المسؤولين الذين يختبئون خلف جلالة الملك في كل صغيرة وكبيرة، لانهم الضعفاء والصغار في مواقع الكبار، لا يخافون لا على الملك ولا على الأردن (نظاما وشعبا)، وانما على مصالحهم الخاصة، وامتيازاتهم ومكاسبهم التي حصلوا عليها بغير وجه حق، يحاربون الإصلاح ودعاته، ويقفون بوجه كل محاولات التغيير نحو الأفضل، فيرتعبون من أي صوت او رأي او قلم حر يكشف عجزهم وحقيقتهم وفسادهم، فيخسروا مواقعهم، فينكشف امرهم، حيث انهم بلا قيمة دون تلك المواقع، انها مرحلة جديدة وغير مسبوقة في تاريخ الدولة الأردنية يوسد فيها الامر الى غير اهله، فرجال الدولة الجدد اصغر بكثير من المواقع التي يشغلونها.
الامر المعيب والمخجل، وغير المقبول بأي حال من الأحوال، في دولة العدل والحق والقانون والمؤسسات والحكم الرشيد، ان يتم اللجوء الى وكلاء ويتم تكليفهم بإقامة دعاوي، تتلقفها جهات تلقت تعليمات شفهية للاعتقال والاساءة لقامات علمية او رموز وطنية يفخر بها أي بلد في العالم، فتضيق الأوطان امامها، في الوقت الذي تتسع لها افاق العالم، وبنفس الوقت يتم الإساءة لهيبة وسمعة القضاء الأردني، المشهود له بالنزاهة والحياد والموضوعية.
عاش الاردن حرا قويا طموحا امنا مستقرا قادرا على الصمود في وجه كل الاخطار والمؤامرات والتحديات ، تزهو ايامه بالحرية وتزدهر بالعدالة، مصمما على النهوض والنمو والتقدم والازدهار والابداع ، بفضل جهود وتضحيات ابنائه .
والف تحية لقيادتنا الهاشمية الرشيدة، سدد الله خطاها على طريق خدمة الاردن والامة، و لجيشنا الشجاع سياج الوطن وطليعة الفداء ، وكافة اجهزتنا الامنية وكوادرنا الطبية، وكل من يخلص في عمله لخدمة شعبه وتقدم وطنه ، وبارك الله بهم جميعا ، واعانهم على حمل مسؤولياتهم في حماية هذا الوطن ، والدفاع عن هذه الامة في سائر ارجاء وطننا العربي الكبير، والله يعيينا و يوفقنا ، لخير هذا الوطن ونفع هذه الامة، ويثبت قلوبنا على الايمان ويهدينا سواء السبيل ، انه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.