على هامش تصريحات نائب نقيب المعلمين ووزير الداخلية
د. محمد تركي بني سلامة
جو 24 :
" لو أرتدت علينا الكرة الأرضية وليس الحكومة وحدها ودوائرها، فإنه لن نتراجع عن فلس وأحد من علاوة المعلمين"
نائب نقيب المعلمين ناصر النواصرة.
" تصريحات نائب نقيب المعلمين غير مقبولة ومرفوضة وتجاوز لكل القوانين، وفي حال تكررت سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية"
وزير الداخلية سلامة حماد.
الفجوة الكبيرة، والمسافة الشاسعة بين تصريحات نائب نقيب المعلمين ووزير الداخلية تعكس الفجوة الواسعة التي تفصل بين الحكومة والنقابة وفئات عديدة في المجتمع الأردني هذه الأيام. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق من هو صاحب الرأي الصواب؟ هذا السؤال تردد بكثرة في الأيام الماضية بين ابناء المجتمع الاردني على وسائل التواصل الاجتماعي، واضطرب في نفوسهم، يدورون به ، ويدور بهم في حلقات مفرغه لا حدود لها ولا نهايه، ولا تؤدي الى ما ينفع العقل او ما يبعث عن رضى النفس.
حبذا لو كان التسائل ما النوع الذي يدفع الى تحسين الاحوال التي نشكو منها ، او الى تغذية بذور الحوار المنتج والتسامح المنشود ، مثل ما العمل ؟ من ينظر جليا في احداث المنطقة والتحديات الجسيمة التي ترتسم في الافاق ، يدرك تماما ان كل من نائب النقيب والوزير جانبهما الصواب في تصريحاتهم الاخيرة.
لم يكن وزير الداخلية موفق في الرد على تصريحات نائب نقيب المعلمين ، وكان ينبغي ان يكون الرد من قبل وزير التربية والتعليم ، فنائب نقيب المعلمين هو موظف تابع لوزارته ، وموضوع علاوة المعلمين يندرج تحت ولايته ، كما كان بالإمكان ان يرد وزير العدل فنحن نعيش في دولة العدل والقانون والمؤسسات.
لغة الاستقواء على الدولة غير مقبولة، كما أن لغة التهديد والوعيد غير مبررة، وهي من مخلفات الماضي البعيد التي عفى عليها الزمن، ونحن في القرن الحادي والعشرين ، في عصر حقوق الانسان والحريات العامة ، كما اننا بالأردن في دولة القانون والمواطنة والتعددية ، لسنا مصر عبدالناصر وصلاح نصر ، ولسنا مصر حسني مبارك ولا مكان لحبيب العادلي بيننا ، كما ان الحكومة وجدت لخدمة الشعب وخيره ، ومن اجل سعادته ومستقبل اجياله ، والشعب الذي يعيش نهاره في قلق واحباط وتشاءم ، ويمضي ليله في خوف ورعب ، لا يمكن ان يسير خطوة واحده في طريق التقدم والتنمية او يشعر بالأمن والاستقرار .
جميعنا ندرك الظروف الصعبة التي تمّر بها البلاد والمنطقة والعالم أجمع، وندرك كذلك التضحيات التي بذلها المعلمين من أجل تأسيس النقابة أو الحصول على العلاوة، وإذا كان مجلس النقابة قد أخطأ بخصوص التبرع لصندوق همة وطن، وتجاوز صلاحياته بالتبرع دون العودة للهيئة العامة، فالموضوع الآن أصبح في عهدة القضاء، وهو محط ثقة وإعتزاز وفخر الأردنيين، فهو القلعة الحصينة التي تحمي الحقوق، وتصون الحريات وترسخ قيم العدالة والنزاهة، و سيادة حكم القانون.
التعاطف الشعبي مع المعلم والنقابة، يعود لعدم قناعة الرأي العام بمقولة أن النقابة تجاوزت دورها المستقل كنقابة مهنية معنية بحماية حقوق أصحاب المهنة، وأنها غيرت أجندتها المهنية إلى سياسية وحزبية.
على الحكومة أن تقرأ المشهد بشكل جيد، وعليها أن تفكر الف مرة قبل الإقدام على قرار حل النقابة أو المجلس، فالمجتمع الحديث هو مجتمع مؤسسات المجتمع المدني من نقابات وأحزاب سياسية وغيرها، ولا يمكن أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء، وعلى الحكومة أن تتجاوز حالة الإنكار التي تعيشها، وأن تبحث عن نهج جديد في مواجهة الأزمات، بعيداً عن أساليب الوعيد والتهديد والمراهنة على الانقسامات. وعلى النقابة أن تدرك أن أعظم عمل يمكن أن تقدمه للوطن في هذه الظروف هي وحدة الصف، والإبتعاد عن اية سلوكيات تزيد حالة التوتر والاستقطابوالانقسام والتفكك المجتمعيالذي نعيشه بصورة واضحة فاضحة هذه الأيام.فالأساس في مواجهة الازمات ، هو القوة والتماسك والترابط، ووحدة الصف وثبات الموقف ، ووضوح الرؤية ونبل الغاية ، وهنيئا لكل شعب صفوفه متماسكة لا تتزعزع ، ووحدته راسخة لا تنفصم ، واخوة أبنائه لا تضعف او تهون
أخيراً، لا مجال للاختلاف في الرأي أو الاجتهاد حول الثوابت الوطنية، والمصالح العليا للبلاد والعباد ، ولا نريد أن نقع فريسة الفشل والإحباط والقلق والتشاؤم، وعلى الجميع أن يرتقي إلى مستوى تحديات المرحلة، ويتحمل مسؤولياته، من أجل الخروج من الأزمة، والعمل على تعزيز الثقة بكافة مؤسسات الدولة، وبث الأمل والرجاء الذي يقوينا ويدفعنا قدماً نحو تحقيق آمالنا وتطلعاتنا في التنمية والتقدم والأمن والاستقرار، والنهضة المنشودة، فالوطن للجميع والجميع للوطن.
حفظ الله الاردن ومكنه ان يبقى في الطليعة دائما ، في اداء واجبه على اكمل وجه، مهما كانت الصعوبات ، ومهما كانت التحديات، والله الموفق ، وهو نعم المولى ونعم النصير
.