سيناريو الفوضى والانقلاب مفضوحا في مصر
ياسر الزعاترة
جو 24 : لم نعد في حاجة لانتظار يوم 30 يونيو لنتأكد مما قلناه مرارا وتكرارا ممثلا في أن السيناريو المعتمد من قبل قوى المعارضة في مصر هو تصعيد الفوضى والعنف من أجل دفع الجيش إلى الانقلاب على شرعية الشعب والصناديق، فما تابعناه يوم أول أمس الجمعة يؤكد ذلك على نحو لا يقبل الشك.
لقد رأينا المسدسات والبنادق والأسلحة البيضاء بين يدي أناس لم يختفوا خلف أقنعة سوداء على طريقة “البلاك بلوك”، بل كانوا يظهرون بوجوههم، مستندين إلى أن أحدا لن يتعرض لهم، ليس فقط لأن ذلك لم يحدث في السابق، وكانوا يخرجون بعد ساعات من اعتقالهم بأوامر أمنية، بل أيضا لأن النظام الذي يحاربونه سيسقط (برأيهم) بعد يوم أو يومين، ما سيجعلهم يصنفون في عداد الثوار، وليس الفلول كما هو حالهم الآن، فيما اختار أنصار الرئيس أن يكونوا المقتولين والمجروحين والمحروقة مقراتهم، وكانت تجمعاتهم غاية في الانضباط والهدوء.
منذ شهور ونحن نكتب عن هذا السيناريو الذي لم يغادر عقل رموز المعارضة، ممن يعرفون تماما طبيعة الأدوات التي ستستخدم في تنفيذ سيناريو الفوضى المؤدية إلى الانقلاب، ممثلة في بلطجية يستأجرهم فلول النظام السابق، ويتواطأ معهم الأمن ومباحث أمن الدولة والمخابرات، فيما تتولى دول عربية معروفة مهمة التمويل، بعد تمويلها قبل ذلك لحملة إعلامية شرسة شيطنت الرئيس والإخوان كما لو أنهم سرقوا البلاد وأذلوا العباد، فيما يعرف الجميع أن تلك الدول لا همَّ لها غير إفشال ربيع العرب في محطته المصرية كي تتوب الشعوب عن التفكير في الخروج إلى الشوارع والمطالبة بالتغيير والإصلاح، وهي قوى يشجعها الخارج الأجنبي الذي لا يريد لمصر أن تتماسك بصرف النظر عن أيديولوجيا حاكمها؛ هي التي استهدفت محمد علي باشا العلماني، وبعده عبد الناصر القومي، والآن محمد مرسي الإسلامي، حيث تدرك أن قوة وتماسك مصر هي العنوان الأكبر لنهوض العرب وقوتهم واستعادتهم لدورهم وحضورهم. ولا ننسى العبث الإيراني أيضا.
كان هذا السيناريو هو المعتمد منذ شهور، لكنه فشل بعد عجز قوى المعارضة عن توفير الغطاء “السلمي للانقلاب” إثر عجزها عن إخراج أكثر من 5 آلاف شخص إلى الميادين فيما كانت تسميه مليونيات، إلى أن جاءت فكرة “تمرد” البائسة، بتوقيع الناس على مطلب للإطاحة بمرسي، وعبر توقيعات لا يعرف أحد كيف جمعت (قال أحدهم؛ أحمد فؤاد نجم إنه وقع استمارة تمرد 16 مرة)!!
كانت الفكرة أن يجري ترتيب يوم (30 يونيو) يخرجون فيه على صعيد واحد؛ الفلول والمعارضون والمضللون، والأقباط الذين يجدونها فرصة للتخلص من نظام إسلامي يكرهونه لاعتبارات طائفية، وخلال ذلك اليوم يجري تجميع البلطجية بمقاولة واحد يمكن توفير الدعم لها من خلال مليارديرية مبارك، ومن خلال مال خليجي معروف، وذلك كي تصعَّد الفوضى إلى أقصى درجة ممكنة، وصولا إلى تدخل الجيش وإقصاء الرئيس.
لم يعد ثمة هدف آخر، فلا الانتخابات المبكرة، ولا أي تنازل آخر يمكن أن يؤدي إلى إسكات هؤلاء، فهم بدؤوا بالدستور، ومن ثم تغيير الحكومة والنائب العام، وصولا إلى إسقاط الرئيس، وهو الهدف الأول والأخير الذي لا محيد عنه بالنسبة إليهم، ولا قيمة هنا لأن يكون من بينهم أناس كانوا بين الثوار، أو حتى معارضون لم يكن بوسعهم ترتيب الأمر دون مساعدة فلول النظام السابق ودعم الخارج.
خرج الرئيس مخاطبا المصريين، فوضعهم في صورة شفافة للوضع الذي وجد عليه الدولة حين استلمها، وكيف تصرف بعد ذلك، وقدم تنازلا يتعلق بإعادة النظر في المواد المختلف عليها في الدستور، مع لجنة للمصالحة الوطنية، وصولا إلى انتخابات لمجلس شعب تشكل الأغلبية بعدها الحكومة، وهو المسار الطبيعي للوضع بعد الثورة، أية ثورة، إذ أن الشرعية الثورية لا يمكن أن تستمر طويلا، ولا بد بعدها من شرعية دستورية، وهو يمضي في هذا الاتجاه حتى لو خسر هو وحزبه الانتخابات.
أليس هذا مسار الحريصين على الثورة؟ إنه كذلك، وحكاية سرقتها رخيصة وبائسة، لأن ما يدعوهم إليه الرئيس هو جوهر الثورة، وهي إعادة الحكم للشعب والصناديق، لكنهم قوم يريدون أن يأخذوا بالعنف والفوضى ما عجزوا ويعجزون عن أخذه بالصناديق والاختيار الحر للناس، بل حتى بالحشود الشعبية التي كانت للمؤيدين أكبر بكثير منها للمعارضين كما تأكد خلال الجمعتين الماضيتين وسواهما. ووصل الحال ببعض الثوريين أن يكون شعارهم “مبارك ولا الإخوان”، وبالتالي فالقضية لا علاقة لها بالإدارة الفاشلة، ولا بأي شيء آخر، بقدر علاقتها بحسابات حزبية وأيديولوجية وطائفية، مع صلة بعضها بحسابات أخرى أكثر بؤسا تتعلق بالنظام السابق وجهات خارجية.
اليوم سينجلي المشهد، وربما احتاج الأمر إلى أيام أخرى، فإما أن ينجح الرئيس في تكريس مسار الشرعية الدستورية، وإما انقلاب عسكري تتلوه عملية سياسية مبرمجة بعد بث الإحباط في صفوف الناس وقبولهم بأي شيء عماده الاستقرار، ولو تمثل في عودة النظام السابق بعناصره الأمنية والسياسية، وحتى الاقتصادية الفاسدة.
إذا نجح السيناريو الثاني، ونسأل الله ألا ينجح، فالمجرم هو من رفض المسار الطبيعي بعد الثورة، وليس الإخوان مهما كانت أخطاؤهم ما داموا يبحثون عن شرعية دستورية تعبر عن الناس، وتحيل مصر إلى دولة مدنية حرة يختار فيها الشعب من يحكمه ويمثله، وكانت معهم (أي الإخوان) أغلبية الجماهير التي لا تمت بصلة؛ لا إلى البطجية والفلول، ولا إلى رموز المعارضة الباحثين عن دور، ولو على جثة البلد.
(الدستور)
لقد رأينا المسدسات والبنادق والأسلحة البيضاء بين يدي أناس لم يختفوا خلف أقنعة سوداء على طريقة “البلاك بلوك”، بل كانوا يظهرون بوجوههم، مستندين إلى أن أحدا لن يتعرض لهم، ليس فقط لأن ذلك لم يحدث في السابق، وكانوا يخرجون بعد ساعات من اعتقالهم بأوامر أمنية، بل أيضا لأن النظام الذي يحاربونه سيسقط (برأيهم) بعد يوم أو يومين، ما سيجعلهم يصنفون في عداد الثوار، وليس الفلول كما هو حالهم الآن، فيما اختار أنصار الرئيس أن يكونوا المقتولين والمجروحين والمحروقة مقراتهم، وكانت تجمعاتهم غاية في الانضباط والهدوء.
منذ شهور ونحن نكتب عن هذا السيناريو الذي لم يغادر عقل رموز المعارضة، ممن يعرفون تماما طبيعة الأدوات التي ستستخدم في تنفيذ سيناريو الفوضى المؤدية إلى الانقلاب، ممثلة في بلطجية يستأجرهم فلول النظام السابق، ويتواطأ معهم الأمن ومباحث أمن الدولة والمخابرات، فيما تتولى دول عربية معروفة مهمة التمويل، بعد تمويلها قبل ذلك لحملة إعلامية شرسة شيطنت الرئيس والإخوان كما لو أنهم سرقوا البلاد وأذلوا العباد، فيما يعرف الجميع أن تلك الدول لا همَّ لها غير إفشال ربيع العرب في محطته المصرية كي تتوب الشعوب عن التفكير في الخروج إلى الشوارع والمطالبة بالتغيير والإصلاح، وهي قوى يشجعها الخارج الأجنبي الذي لا يريد لمصر أن تتماسك بصرف النظر عن أيديولوجيا حاكمها؛ هي التي استهدفت محمد علي باشا العلماني، وبعده عبد الناصر القومي، والآن محمد مرسي الإسلامي، حيث تدرك أن قوة وتماسك مصر هي العنوان الأكبر لنهوض العرب وقوتهم واستعادتهم لدورهم وحضورهم. ولا ننسى العبث الإيراني أيضا.
كان هذا السيناريو هو المعتمد منذ شهور، لكنه فشل بعد عجز قوى المعارضة عن توفير الغطاء “السلمي للانقلاب” إثر عجزها عن إخراج أكثر من 5 آلاف شخص إلى الميادين فيما كانت تسميه مليونيات، إلى أن جاءت فكرة “تمرد” البائسة، بتوقيع الناس على مطلب للإطاحة بمرسي، وعبر توقيعات لا يعرف أحد كيف جمعت (قال أحدهم؛ أحمد فؤاد نجم إنه وقع استمارة تمرد 16 مرة)!!
كانت الفكرة أن يجري ترتيب يوم (30 يونيو) يخرجون فيه على صعيد واحد؛ الفلول والمعارضون والمضللون، والأقباط الذين يجدونها فرصة للتخلص من نظام إسلامي يكرهونه لاعتبارات طائفية، وخلال ذلك اليوم يجري تجميع البلطجية بمقاولة واحد يمكن توفير الدعم لها من خلال مليارديرية مبارك، ومن خلال مال خليجي معروف، وذلك كي تصعَّد الفوضى إلى أقصى درجة ممكنة، وصولا إلى تدخل الجيش وإقصاء الرئيس.
لم يعد ثمة هدف آخر، فلا الانتخابات المبكرة، ولا أي تنازل آخر يمكن أن يؤدي إلى إسكات هؤلاء، فهم بدؤوا بالدستور، ومن ثم تغيير الحكومة والنائب العام، وصولا إلى إسقاط الرئيس، وهو الهدف الأول والأخير الذي لا محيد عنه بالنسبة إليهم، ولا قيمة هنا لأن يكون من بينهم أناس كانوا بين الثوار، أو حتى معارضون لم يكن بوسعهم ترتيب الأمر دون مساعدة فلول النظام السابق ودعم الخارج.
خرج الرئيس مخاطبا المصريين، فوضعهم في صورة شفافة للوضع الذي وجد عليه الدولة حين استلمها، وكيف تصرف بعد ذلك، وقدم تنازلا يتعلق بإعادة النظر في المواد المختلف عليها في الدستور، مع لجنة للمصالحة الوطنية، وصولا إلى انتخابات لمجلس شعب تشكل الأغلبية بعدها الحكومة، وهو المسار الطبيعي للوضع بعد الثورة، أية ثورة، إذ أن الشرعية الثورية لا يمكن أن تستمر طويلا، ولا بد بعدها من شرعية دستورية، وهو يمضي في هذا الاتجاه حتى لو خسر هو وحزبه الانتخابات.
أليس هذا مسار الحريصين على الثورة؟ إنه كذلك، وحكاية سرقتها رخيصة وبائسة، لأن ما يدعوهم إليه الرئيس هو جوهر الثورة، وهي إعادة الحكم للشعب والصناديق، لكنهم قوم يريدون أن يأخذوا بالعنف والفوضى ما عجزوا ويعجزون عن أخذه بالصناديق والاختيار الحر للناس، بل حتى بالحشود الشعبية التي كانت للمؤيدين أكبر بكثير منها للمعارضين كما تأكد خلال الجمعتين الماضيتين وسواهما. ووصل الحال ببعض الثوريين أن يكون شعارهم “مبارك ولا الإخوان”، وبالتالي فالقضية لا علاقة لها بالإدارة الفاشلة، ولا بأي شيء آخر، بقدر علاقتها بحسابات حزبية وأيديولوجية وطائفية، مع صلة بعضها بحسابات أخرى أكثر بؤسا تتعلق بالنظام السابق وجهات خارجية.
اليوم سينجلي المشهد، وربما احتاج الأمر إلى أيام أخرى، فإما أن ينجح الرئيس في تكريس مسار الشرعية الدستورية، وإما انقلاب عسكري تتلوه عملية سياسية مبرمجة بعد بث الإحباط في صفوف الناس وقبولهم بأي شيء عماده الاستقرار، ولو تمثل في عودة النظام السابق بعناصره الأمنية والسياسية، وحتى الاقتصادية الفاسدة.
إذا نجح السيناريو الثاني، ونسأل الله ألا ينجح، فالمجرم هو من رفض المسار الطبيعي بعد الثورة، وليس الإخوان مهما كانت أخطاؤهم ما داموا يبحثون عن شرعية دستورية تعبر عن الناس، وتحيل مصر إلى دولة مدنية حرة يختار فيها الشعب من يحكمه ويمثله، وكانت معهم (أي الإخوان) أغلبية الجماهير التي لا تمت بصلة؛ لا إلى البطجية والفلول، ولا إلى رموز المعارضة الباحثين عن دور، ولو على جثة البلد.
(الدستور)