شَهادة حقّ... في ذكرى تأسيس جامعة الشرق الأوسط
جو 24 :
بقلم: دة. جمانة مفيد السّالم/ رئيسة قسم الجودة
طالما تغنّيتُ في مقالاتي، وخطاباتي، وكلماتي منذ سنوات بإنجازات جامعة الشرق الأوسط، على الرغم من كونها وقتئذ جامعة فتيّة، وما كنتُ أدرك حينها أنّني سأظلّ أصفها بالفتيّة رغم مرور خمس عشرة سنة على وجودها، وتعاظُم منجزاتها.
في هذه الأيام أعيش مع زملائي منتسبي جامعة الشرق الأوسط وأبنائنا من طلبتها الذكرى الخامسة عشرة لتأسيسها، وقد كانت في سني حياتها الأولى جامعة للدراسات العليا في تخصّصات عديدة ومتنوعة ضمن برنامج الماجستير، ثم فتحت أبوابها في العام الجامعيّ ٢٠٠٨- ٢٠٠٩ لبرنامج البكالوريوس في تخصّصات حديثة تواكب العصر، وتنسجم مع متطلبات سوق العمل، وتخضع لمراجعات مستمرة وتطوير دؤوب.
حمل وصف جامعة الشرق الأوسط في سني حياتها الأولى بأنها (الفتيّة) - من وجهة نظري- ما يدلّ على كونها حينئذ في طور نشأتها، وقد تناغم ذلك مع المعنى المحمول في جذر الكلمة (فتى)، والفتى هو الشابّ أوّل شبابه، في حين لم يكن ذلك عائقًا أمامها - بفضل الله ثمّ بجهود جنودها المخلصين- من أنْ تضع لها آنذاك بصمة واضحة ومهمّة بين جامعات الأردنّ والإقليم الذي تحمل اسمه. أمّا استمرار وصفي لها بـ (الفتيّة)، فلعلّه مرتبط بالمعاني الإيجابيّة العديدة التي ألفيتُها مخبوءة وراء تلك اللفظة، ولصيقة بجامعة الشرق الأوسط رغم مرور سنين عديدة على نشأتها؛ ومن ذلك ما أورده الشعراء الأوائل في أشعارهم؛ فهذا زهير بن أبي سلمى يربط اللفظة بفصاحة اللسان وبحكمة العقل، فيقول: لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم يبقَ إلا صورة اللحم والدم، وذاك طرفة بن العبد يربطها بالشجاعة، والإقدام، والكرم، وقضاء حاجات الآخرين، فيقول فخرًا: إذا القوم قالوا من فتى عُنيتُ فلم أكسل ولم أتبلّد ...، ويمتدّ الزمان فيجيء الإسلام، ويحمل القرآن الكريم لنا قصة الفتى إبراهيم عليه السلام الذي انتفض بقوّة ساعيًا للتغيير نحو الأفضل، وقصة فتية الكهف الذين طلبوا من ربّهم تهيئة الرَّشَد لهم قوة في طريق الحق، أما فتى موسى عليه السلام فقد رافقه في رحلة طلبه معرفة الحق، ثم خلَفَه في نشره بحسب الروايات. ومن ثمّ تردّدت اللفظة واشتقاقاتها كثيرًا في شعر المتنبي مالئ الدنيا وشاغل الناس، حاملة معاني القوّة، والفتوّة الإيجابيّة، والعنفوان، والنجدة، والسخاء والعطاء، وتولّد الفكر ذاته تجاه هذه اللفظة في نفوس المتصوّفة، فاستمعنا إلى الشاعر محيي الدين بن عربي يقول: إن الفتوّة ما ينفكّ صاحبها مقدَّمًا عند ربّ النّاس والنّاس// إنّ الفتى من له الإيثار تحلية فحيث كان فمحمول على الراس.
ومن بعدُ، فإنّ الفتيان والفتيات والشبّان والشابات هم عماد الأمم وأساس نهضتها، أمّا جامعة الشرق الأوسط الفتيّة فقد كان لها وسيظلّ لها بإذن الله تعالى من صفتها هذه أكبر الحظ والنصيب، وذلك في ضوء المعاني والدّلالات الغنيّة المرتبطة بتلك الصفة؛ إذ إنها بحسب سياستها العامّة المشهودة فكرًا وأداء جامعة عصريّة ديناميّة في توجّهاتها، تهتمّ بالنوعية، وتؤمن بإنتاج المعرفة، وبأنها نور الحياة. رؤيتها: جامعة جادّة وملتزمة وساعية للتعلّم، ورسالتها: إعداد القادة من خلال تهيئة بيئة تعليميّة وبحثيّة إبداعية رائدة، تحفز على التعلُّم والبحث العلمي وخدمة المجتمع؛ وتجسّد حالة جميلة متناغمة من التنوّع الفكريّ والثقافيّ لدى منتسبي الجامعة وطلبتها.
تحرص جامعة الشرق الأوسط على تطوير برامجها وخططها الدراسيّة لتتلاءم مع التوجّهات الوطنيّة والعالميّة ومتطلبات سوق العمل، وقد أدّت السمعة العالميّة التي تحظى بها إلى تكوينها شراكات وتفاهمات أكاديميّة مع جامعات دوليّة مرموقة، كجامعة بيدفوردشير البريطانيّة التي تستضيف منها برامج معتمدة لمنح الدرجات العلميّة المختلفة في تخصصات عديدة تدرّس في رحابها، وجامعة ستراثكلايد البريطانيّة التي أطلقت معها الجامعة برنامجًا مشتركًا في تخصّص الصّيدلة، والجهود في هذا الإطار مستمرة لتحقيق المزيد، في دلالة واضحة وأكيدة على رفعة سمعتها الأكاديميّة عالميًّا كما هو الأمر محليًّا وإقليميًّا، وقد تأكد ذلك بتكرار حصول الجامعة على شهادات تميّز محلّيّة وعالمية، وعلى تصنيفات واعتمادات وطنية ودوليّة.
ولم يحُل عنفوان الجامعة دون وصفها بأنها جامعة خالية من العنف؛ بل إنها جامعة قويّة منيعة، تنعَم بنظام أمن وحماية عالي الكفاءة. وتتوفر فيها من ناحية أخرى شبكة خدماتيّة بتقنيات حديثة على مستوى المرافق الجامعيّة، والوسائل التكنولوجية المتقدمة، ومرافقها كافّة مؤهّلة لذوي الاحتياجات الخاصة.
أما إيمان الجامعة بمسؤوليّتها المجتمعيّة فهو يجسّد بحق وصفها بأنها (فتيّة)؛ لأنها حريصة كلّ الحرص على المشاركة بطرق عديدة ومختلفة في جميع المحافل والمناسبات الوطنيّة والدينيّة والاجتماعيّة وغيرها، في تمثيل حيّ لصفات (الفتى) المتجذّرة في نفوس قيادتها الفاعلة، ومنتسبيها المخلصين، وطلبتها المتميّزين، جهدًا وعملًا وعطاء، متّخذين جميعًا من الحوكمة الرشيدة منهجًا قويمًا، وأداة حكم ناجح، ووسيلة عمل مُثلى، وقد ارتضاها لنا وللجامعة مؤسّسُها الكريم سعادة الدكتور يعقوب ناصر الدين حفظه الله، الذي بثّ أركانها - وهي: المشاركة، والشفافيّة، والمساءلة - في أنحائها كافة، وزرعَها في نفوسنا وجوارحنا؛ فكان النجاح حليفه وحليفها وحليفنا، كيف لا؟! وقد اختار الاستثمار في الإنسان، أغلى ما يملك الأردنّ الغالي.
جامعَتنا العزيزة، كنتِ بفضل الله طوال خمس عشرة سنة مضت (الفتيّة): قوّة، وشبابًا، وحكمة، وعطاء، وعنفوانًا، وستبقينَ بإذنه تعالى (الفتيّة) القوية المعطاءة، ملاذ العلم، وموطن العلماء، مصنع القادة، ومبعث الفخر... كلّ عام وأنت بألف خير.