اتفاقية ( سيداو ) SEDAW - درس من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لعام 1989 وبروتوكول عام 2000-
المحامي زياد البشابشه
جو 24 :
تشرع معظم الدول الى الدخول في اتفاقيات ثنائية او اقليمية او دولية او بغرض ارساء قواعد عامة شاملة لحماية افرادها ومصالحها المتشعبة وفقا لهذا النظام العالمي الجديد بعد ان اصبح العالم قرية صغيرة في ظل تطور وسائل التقنية الحديثة والالكترونيات، واصبح من السهولة بمكان ان يحدث خلاف حول تصرف او حدث ما يكون احد اطرافه اجنبيا، مما يثير مسألة " تنازع القوانين". خاصة إذا كان التنازع بين القانون الداخلي للدولة وبين اتفاقية دولية تكون أولى بالتطبيق من القوانين الداخلية بعد استكمال مراحلها الدستورية.
لذلك لا ينبغي للدولة أن تسارع في الدخول في اتفاقيات تحوي افكارا لم تتطرق اليها قوانينها الداخلية ولم تشر اليها، او الدخول في اتفاقيات تعارض احكام قوانينها الداخلية وتجمد نصوصها في حال نشوء خلاف حولها، إذ ان في عدم مراعاة ذلك نشوء عوائق عدة تصطدم بها؛ منها اختلاف القيم والعادات من مجتمع إلى آخر، وتبعاً لذلك؛ اختلاف القانون من دولة إلى أخرى. فمثلاً؛ قد لا يكون نشر صورة لامرأة عارية أو نصف عارية في غلاف مجلة تصدر في دولة كالسويد مخالفاً لقوانينها الداخلية أو النظام العام والأخلاق المطبقة في تشريعاتها، بينما يُعدّ هذا النشر مخالفاً للقانون وللنظام العام والآداب العامة السائدة في الدول العربية والإسلامية.
وهنا نذكر بانه وبتاريخ 24/5/1991 صادق الاردن على (الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لعام 1989 والتي دخلت حيز التنفيذ في 2/9/1990 ) ويسجل لأردننا الحبيب تحفظه على بنود بعض المواد الخاصة بحرية اختيار الدين والتبني، لتعارضها مع أحكام الشريعة الإسلامية.
الا ان ذلك لا يكفي، لأن هذين الأمرين واضحين تماما من حيث (الحِل والحرمة) ولا ينبغي لأي دولة تدين بالدين الاسلامي ان تفوت فرصة الاعتراض عليهما ما دام انها تخالف احكام الشريعة الاسلامية وديننا الحنيف.
لكن ما قد تفوته هذه الدول ولا تعترض أو تتحفظ عليه هي تلك المسائل العملية التي لا تكون واضحة وتحوي مساسا بقيمنا وعاداتنا ونظامنا العام ومصدرها ديننا الحنيف ايضا.
ومثال ذلك ما نصت عليه المادة (2) من البروتوكول الاختياري للاتفاقية الدولية لحقوق الطفل المتعلقة باستغلال الأطفال في المواد الإباحية، إذ بيّنت المقصود بهذا الاستغلال بأنه:
" تصوير أي طفل، بأية وسيلة كانت، يمارس ممارسة حقيقية، أو بالمحاكاة أنشطة جنسية صريحة، أو أي تصوير للأعضاء الجنسية لإشباع الرغبة الجنسية".
وبذلك نجد ان اتفاقية حقوق الطفل قد قصرت او حددت المقصود بصورة الطفل الإباحية فقط " بالممارسة الفعلية أو أنشطة جنسية صريحة أو التصوير لإشباع رغبة جنسية" !!! كما ولم يحدد أيضا المقصود بهذه الرغبة ولدى مَنْ تعود ؟؟!، وما عدا ذلك يخرج عن نطاق الحظر ويكون مباحاً نشره. وهذا يعني أن أي نشر لصورة غير محتشمة لطفل لا تكون محظورة ما دام أنها لم تكن لإشباع رغبة جنسية!!!
لذلك، اذا كانت هذه الصورة المنشورة لطفل اردني ونشأ خلاف قانوني حول مشروعية هذا النشر وكانت الدولة التي تم النشر فيها أو دولة الشخص الذي قام بالنشر من الدول الموقعة على الاتفاقية، فان هذا النشر يعد مشروعا وفقا لها، حيث ان الاتفاقية اولى بالتطبيق من القانون ما دامت استكملت الاتفاقية مراحلها الدستورية.
بينما في حقيقة الأمر فأن الأعمال الإباحية التي يجب أن تستهدفها الحماية القانونية، والتي يمكن أن يؤدي إليها استخدام صورة الطفل من خلال الإنترنت، يجب أن لا تقتصر على الأعمال المتعلقة بسلامة جسم الطفل من الاعتداء والاستغلال الجنسي فقط، بل يجب أن تمتد لتشمل السلامة الجسمية للطفل ضد أي انتهاك يمسه من سوء معاملة، وإهمال واعتداء، كتعرضه للضرب والعنف والعقوبات والمعاملات القاسية والوحشية وتهريب الأطفال.
فالصور الإباحية يجب أن تشمل كل المواد التي تُجسَّد أو تصف، بطريقة ما من شأنها - في جميع الظروف- أن تسبب أذى للشخص العادي من الناس دون سن الخامس عشر من العمر أو يبدو عليه دونها؛ كالمشاركة في نشاط جنسي، أو في أي سياق يتعلق بالجنس، أو كضحية للتعذيب أو العنف أو الاعتداء الجسدي.
هذا فضلا عن أن ما نصت عليه المادة (9) من قانون جرائم أنظمة المعلومات الأردني أصلا تحوي حماية خجولة لهذا الحق فتضمنت التجريم لكل استخدام متعمد، لشبكة المعلومات أو نظم المعلومات، يتضمن الترويج للدعارة، وحيث تم تخصيص المادة (8 من هذا القانون) لبيان ماهية الاستخدامات المتعمدة؛ ومنها إذا كانت تتضمن "أعمالاً إباحية يشارك فيها أو تتعلق بالاستغلال الجنسي لمن لم يكمل الثامنة عشرة من العمر، أو لمن هو معوق نفسياً أو عقلياً".
ولم يضع المشرع الأردني معياراً معيناً يمكن الاستناد إليه لتحديد متى يُعدُّ نشر الصورة يؤدي إلى أعمال إباحية أو إلى الاستغلال الجنسي للأطفال، ولكن يبدو ان المشرع الأردني قد قصد بعبارة "أعمال إباحية يُشارك فيها" أن ينصرف معناها إلى الإباحة الجنسية، فهي بذلك - بالإضافة إلى كونها عبارة مرادفة لِعبارة "الاستغلال الجنسي"- يقتصر معناها على الأعمال المتعلقة بالجنس فقط، وهو المعنى المنصوص عليه في المادة (2) من البروتوكول الاختياري للاتفاقية الدولية لحقوق الطفل المتعلقة باستغلال الأطفال في المواد الإباحية، السالف الذكر.
ناهيك عن أن الحماية التي توفرها النصوص الواردة في قانون جرائم أنظمة المعلومات الأردني تشترط وجود سوء نية لدى المعتدي، والذي يصعب إثباته، خاصة أن ذلك يتطلب في بعض الحالات، إثبات أن نشر الصورة يؤدي إلى التأثير على الطفل أو توجيهه أو تحريضه على ارتكاب جريمة، أو استغلاله جنسياً، أو التأثير عليه لاستغلاله في أعمال إباحية. في مقابل ذلك؛ فإن الاعتداء على حق الطفل في صورته كحق من الحقوق اللصيقة بشخصيته يتحقق بمجرد نشر الصورة أو التقاطها أو عرضها دون موافقة من تمثله هذه الصورة او موافقة وليه، فالخطأ يتمثل في واقعة التعدي على حق الشخص على صورته دون حاجة إلى إثبات سوء نية مَنْ قام بالتصوير أو النشر، وذلك تطبيقا للنصوص العربية المتعلقة بحماية الحقوق اللصيقة بالشخصية.
وبهذه النتيجة تكون الجرائم الواردة في المادة (9) من قانون جرائم أنظمة المعلومات الأردني، وكذلك المادة (2) من بروتوكول اتفاقية حقوق الطفل لعام 2000 المتعلقة باستغلال الأطفال في المواد الإباحية، أقرب ما تكون إلى جرائم الذم والقدح (التشهير) التي تتطلب توافر عناصر العلم والإرادة والنتيجة الجرمية؛ التي تتمثل في المساس بسمعة المعتدى عليه في جرائم التشهير. وربما تتميز جرائم التشهير الواردة في هذه النصوص بأنها افترضت توفر عنصر العلانية لمجرد نشر الصور من خلال الإنترنت، وحتى لو تم النشر من خلال البريد الالكتروني (e-mail) ، على أساس أن مجرد إدخال الصورة وأي بيانات مرتبطة بها، إلى شبكة الإنترنت وإيداعها داخل البريد الالكتروني، لا يمنع تمكّن البعض من الوصول إليها.
خلاصة القول، أن تفعيل حماية حق الطفل كما هو الحال بالنسبة لحق المرأة من خلال نصوص القانون المدني المتعلقة بالحقوق اللصيقة بالشخصية؛ أولى بالاهتمام من الدخول في اتفاقيات دولية تُخالف، أو لا تُراعي، النظام العام والآداب المطبقة محلياً، وخاصة أن الجميع يُدرك أن كل ما يتعلق بخصوصية الإنسان (المرأة او الطفل) وحقوقه هو نسبي يختلف مفهومه ودلالاته من دولة إلى أخرى ومن زمن إلى آخر. زد على ذلك أن معظم هذه الاتفاقيات هي نتاج المجتمع الغربي، الذي تمثِّل حقوق الطفل وحقوق المرأة فيه النضال ضد تدهور العائلة، وضد المشرِّع الذي فرض هذا التدهور، في حين أن مركز الطفل ومركز المرأة في مجتمعنا العربي مركز قوي، ويمثل أقوى حلقة في العائلة العربية.
لذلك، إذا كان لا بُد من الدخول في اتفاقيات دولية تعنى بوضع نظام وضوابط قانونية بقصد التوفيق بين حقوق المرأة وحمايتها، فإن ذلك لا يكتمل إلا من خلال اتفاقية إقليمية عربية تصنع نظاماً عربياً تلتزم به الدول العربية في هذا المجال، وتُلزِم غيرها باحترام خصوصية الإنسان العربي وحقوقه. وفي الوقت ذاته، كنت أتمنى على الجهة المسؤولة - في حكومة المملكة الأردنية الهاشمية- عن توقيع اتفاقية حقوق الطفل ضرورة إعادة النظر فيها، والتحفظ على تعريف الإباحية الوارد في المادة (2) منها، لعدم ملاءمته للعادات والتقاليد والنظام القانوني المطبق في مجتمعنا الأردني.