2024-09-02 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

كلهم شهداء "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"!

باسم سكجها
جو 24 : يتوحّد ميدانا "التحرير" و"رابعة العدوية" القاهريان المتقاتلان على شعار واحد: هو "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، ولكنّ الدماء سالت في كل الشوارع المؤدية إليهما، في معارك أهلية طاحنة، ولعلّ كل الذين قتلوا كانوا يحملون الاعلام المصرية، وكلّهم بالطبع تحتسبهم الشعارات "شهداء" من أجل الحرية...
ولأنّنا أمّة لسان وشفاهة، وشعر يمتلئ بالمدح والقدح ، كان القول فينا يمتدّ ويمتدّ ليطغى على الفعل ، وكثيراً ما كان ذلك القول الشعار يظهر لمجرّد الظهور ، أو لأسباب في نفس يعقوب ، وقد شاهدنا الديكتاتورية تسيطر تحت شعار الديمقراطية ، والاحتلال يأتي تحت شعار التحرير ، وكان الذين يخوضون المفاوضات السريّة مع اسرائيل يعلنون أنّ "من النهر إلى البحر" هو شعارهم ، وفي عام النكبة وبعد مجزرة دير ياسين ظهر شعار "الارض ولا العرض" فهرب أهل الساحل حفاظاً على الشرف ، أمّا "من المحيط الى الخليج" ، الشعار الذي كان يرمز الى وحدة الدول العربية فقد صار يعني التجزئة والفرقة ، ومن سبع دول عند التأسيس صارت إحدى وعشرين ، وتحت ستار الدخان الكثيف لشعار "مصر العرب" كان السادات يهيئ للتوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد ، وكان شعار "وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة" يطبّق على المواطنين العرب، لا على أعدائهم ، وكان الواقع يشي بقمع الداخل أكثر من الدفاع عنه.
ولست أعرف ثقافة أخرى تحبّ الشعار وتترنّم من ترديده، مثل ثقافتنا العربية، فمن مقولة "اليوم خمرّ وغداً أمرُ" لامرئ القيس في الجاهلية ، إلى "وا معتصماه" الاسلامية، إلى "لا غالب إلاّ الله" التي تملأ جدران الحمراء في الأندلس، إلى "لا صوت يعلو على صوت المعركة" و"ثورة حتّى النصر" و"وحدة. حرية. اشتراكية" و"حرية. اشتراكية. وحدة" إلى وإلى وإلى ، كان الشعار ينطلق إثر الشعار، في رحلة أبدية ترتاح لها الأنفس وتطمئن، دون أن تعكس نفسها على الواقع إلاّ قليل القليل.
وغير هذا كثير فقصّتنا مع الشعار طويلة ، طويلة ، لا تعرف بداية ولا تبدو تحمل نهاية أيضاً ، ولكنّها بالضرورة لم تعد تقنع أحداً حتّى أصحابها ، ولا نظنّ الداخل الى الجامعة العربية يملك أدنى مشاعر من "بلاد العرب أوطاني" ، ويعرف المواطنون العرب أنّ شعار "محاربة الفساد" يكون كثيراً للتغطية على قضايا فساد كبيرة ، فقد أُفقد الشعار من مضموناته الحقيقية ، وبات فارغاً يتردّد في الأغاني التي لا يسمعها أحد، وفي المقالات التي لا تجد من يقرأها ، وعلى شاشات كبيرة تضيع في الزحام.
تابعو الأردن 24 على google news