المدارس الخاصة... مؤسسات وطنية
المحامي سالم عيسى نجمه
جو 24 :
باديء ذي بدء، تُرفع القبعات تقديرًا للجهود المتميزة التي بذلتها الحكومة ومؤسساتها وتبذلها للحفاظ على النظام الصحيّ في بلدنا الحبيب ويقف المرء تثمينًا للجهود المثمرة التي بذلتها وتبذلها المؤسسة العسكرية في ظلّ جائحة كورونا كوفيد-19، كلّ ذلك بتـوجيهـات وإرشــادات ســيد البــلاد وقائــدها الأعلى.
أما بعد،
كلنا على يقين أن تجربة كورونا من التحديات الكبيرة التي واجهها العالم بأسره ولا يزال، تحديات صحية وإقتصادية على وجه الخصوص وتحديات إجتماعية ونفسية وغيرها، والدول بأحجامها كبيرة وصغيرة صناعية ونامية، عانت وتعاني من تداعيات هذا الفيروس الخبيث ولا زالت، وأردننا الغالي كذلك الأمر.
تجربة جديدة، تحديات كبيرة، قرارات عديدة، نِتاجات كثيرة فيها خلافات في أوجه النظر، أيها الأفضل، أيها الأنجح، أي منها الأقدر على تجاوز هذه المحنة... كلها تصب في مصلحة الوطـن، وهذا هو الهدف الأسمى.
وفي هذا المقام... أخص في مقالي المتواضع هذا، موضوع يبلغ من الأهمية بمكان ليستحق بحثه مطولا ومن قبل المختصين والخبراء، ألا وهو موضوع المدارس الخاصة في ظـلّ جائحة كورونا، المدارس التي تحضن في صفوفها حوالي النصف مليون من أبنائنا الطلبة والالاف من أخواننا المعلمين والاداريين.
وجدير بالذكر، أن المدارس الخاصة تواجه أصواتًا من قبل أولياء الأمور سببها الرئيسي جائحة كورونا وما تبعها من تعليم عن بعد خلال الفصل الدراسي الثاني 2019/ 2020 وما يتبعه من ضبابية الحال أمام إستمرار التعليم عن بعد أو التعليم التقليدي بالحضور داخل الحرم المدرسي العام الدراسي 2020/ 2021، طبعا لأولياء الأمور الحق كلّ الحق في الاطلاع على تفاصيل المرحلة القادمة للاطمئنان على أكاديميات أبنائهم، إلا أنه وللأسف هناك تمنيات لبعض أولياء الأمور الحصول على خصم على الأقساط والرسوم المدرسية وكأن ذلك فرصة وقد لاحت ولا يمكن لهم هدرها أمام أقساط المدارس الخاصة المرتفعة بنظرهم نسبيا، علمًا أن وزارة التربية والتعليم وهي الجهة الرسميّة المعنية أعلنت صراحة عدم الموافقة للمدارس التي تقدمت، على زيادة الاقساط والرسوم المدرسية لهذا العام، وأن العديد من المدارس الخاصة لم تتقدم أصلا لزيادة الاقساط تماشيا مع الظروف الاستثنائية.
وحيث أن المدارس الخاصة في مملكتنا الحبيبة مؤسسات وطنية، فهي الجناح الداعم لمدارس الحكومة التابعة لوزارة التربية والتعليم ومدارس وكالة الغوث ومدارس الثقافة العسكرية، خرّجت وتُخرّج أجيالا وأجيال، خدموا ويخدمون بلدهم في شتى المراكز والمناصب والمؤسسات، هي التي تحمل الرسالة التربوية إلى جانب شقيقاتها لتؤديها ولتؤتي ثمارها.
وكي تستمر في دربها ويستمر عطاءها لا بدّ لها من الاهتمام بالجانب الماليّ، ومهما كان نوعها، تابعة لجمعيات خيرية غير ربحية أو مؤسسات إستثمارية ربحية، ذاك الجانب المالي الذي يتمثل في وارداتها من الاقساط والرسوم المدرسية ونفقاتها ومصاريفها. وفي هذا الاطار، لا يختلف إثنان على أن كلفة رواتب الهيئات التدريسية والادارية تُشكل النسبة الأكبر من الكلف التشغيلية، وقد تصل إلى 2/3 أو 3/4 من مجموعها، أضف إلى أن الكلف الرأسمالية الكبيرة التي تنفقها لمشاريعها الرأسمالية في سبيل التحديث والتطوير.
ولا خلاف في الرأي... أن المدارس الخاصة تتفاوت وتتباين في مستويات التعليم والتعلم، في نتائجها وفي برامجها، وفي بناياتها ومرافقها، وفي رواتب كوادرها وفي أقساط طلابها، لذلك فالخيار مفتوح أمام أولياء الأمور لاختيار المدرسة الأنسب لأبنائه من حيث المستوى التعليمي والاقسـاط المدرسـية والموقع الجغرافي.
ولا خلاف في الرأي أيضًا أن التعليم المكاني (وجه لوجه) داخل الحرم المدرسي وداخل الغرف الصفية هو الأفضل وهو الأنجح، إلا أن الواقع يفرض نفسه، في الظروف الإستثنائية، فيكون التعليم عن بُعد هو الحل وهو الخيار... والواقع الرقمي يفرض ذاته كذلك الأمر وفي الظروف العادية، ولنعترف أن الـ Online أصبح أمرًا واقعًا في حياتنا اليومية ولا غنى لنا عنه، فلنتقبله ولنتعامل معه، وقد نصل يومًا إلى أن التعليم عن بُعد أو التعليم Online أحد الخيارات الأساسية للطالب إلى جانب التعليم المكاني. ونتفق في سياق الكلام، أن التعليم عن بُعد أو التعليم Online له كلفته وله جهده وأعباؤه ويحتاج إلى دعم لوجستي مُعتبر، وهو مشروع مستقبليّ وأكبر من تجربة عابرة في ظرف ما.
وعودة إلى الموضوع الذي يشغل بال العديد، الموضوع المتجدد، ألا وهو المدارس الخاصة في ظلّ الجائحة... ولا أودّ في هذا السياق مناقشة تجربة التعليم عن بُعد التي مررنا بها خلال الفصل الدراسي الثاني 2019/2020 لأن أقلامًا عديدة سبقتني وتناولت هذه التجربة، وإختلفت الأراء بين مع نجاحها أو ضعفها إستنادًا إلى معايير التقييم لكلّ فريق، وأتمنى أن يكون الجميع قد تعلم من التجربة وأصبح إستعداده أفضل إذا ما إضطررنا إلى هذا النوع من التعليم مرةً أخرى لا قدر المولى، ولا أودّ هنا مناقشة فيما إذا إستحقت هذه المدارس الاقساط والرسوم كاملها أو جزء منها لأن هناك من سبقني أيضًا وإختلفت الأراء أيضًا وكان الخلاف أكبر، وكلّ خبّاز يجرّ النار لقرصه. لكن أودّ مناقشة ما نتمناه على الجهات الرسمية المعنية بالعلم والتربية لخوض غمار الواقع الصعب الذي لحق بأطراف العملية وهم أولا القائمين على المدارس وأصحابها وثانيا العاملين بها وثالثها أولياء الأمور، الواقع الصعب المعقد لأن لكل منهم مسـائله وأولوياته، فكيف نصل إلى رضاء الجميع وإكتفائهم.
فلما لا تقوم وزارة التربية والتعليم وهي الجهة الأولى لذلك، لما لا تقوم بوضع شروط وأحكام التعليم عن بُعد من حيث نوع النظام الالكتروني الرقمي تبعًا للفئة العمرية، لما لا تقوم وهي الجهة الأقدر بوضع التعليمات والآليات الواضحة لذلك على سبيل المثال عدد الحصص اليومية والاسبوعية ومددها وأسماء المواد الواجب عرضها مباشرة والتي يكتفى بتقديمها مسجلة، ولما لا تقوم بوضع معايير تقييم هذا النوع من التعليم.
ونعلم أنه من الصعب بمكان أن تتدخل الجهات الرسمية في الأمور المالية للمدارس الخاصة، والمقصود هنا الاقساط والرسوم المدرسية بعينها وفي ظلّ الجائحة بالذات، لأسباب عدة أهمها التباين والتفاوت في نوعية الخدمات التي تقدمها هذه المؤسسات التربوية، وقد جرت المحاولات في الماضي القريب لتصنيف المدارس الخاصة ونأمل أن يتم ذلك، علمًا أنها ومن خلال أوامر الدفاع ولفترة ما، أعطت الخيار للمدارس التي تتقدم للقرض الميسر الفوائد لسداد الرواتب شرط أن تُعيد لأولياء أمورها قسط شهر من القسط المدرسيّ للعام 2019/2020 أيّ 1/12 ما يقارب الـ 8% من مجمل القسط. ونعلم أيضًا أنه إذا فرضت الجهات الرسمية ردّ أو إعادة نسبة معينة من الاقساط والرسوم السنوية في حال اللجوء إلى التعلم عن بُعد، هذا يعني وبلا شك قيام هذه المدارس بخصم ما يعادل هذه النسب من رواتب كوادرها، وهذه حقيقة لا مفرّ منها.
وأخيرًا وليس أخرًا، فالحديث يطول، والموضوع يستحق بحثه من قبل خبراء ومختصين لأهميته، نتفق أننا جميعًا نتطلع إلى نجاح مدارسنا في رسالتها السامية لأن نجاحها يعني نجاح أبنائنا ونجاح معلمينا، وندعو العلي القدير أن تمرّ هذه الظروف الاستثنائية على وطننا العزيز بخير وأن نخرج منها أقوى.