محاولة لفهم ما يجري في مصر
رغم كرهي للاطالة فيما يكتب على الفيس بوك لعلمي بطبائع اغلب رواده ولكنني مضطر و للضرورة احكام:
خلال الاسبوع الماضي كتبت على صفحتي الشخصية اكثر من بوست مختصر يتعلق بالاحداث الجارية في مصر ولكنني لاحظت ان ما كتبته لم يوصل الفكرة أو اسيء فهمه في كثير من الأحيان ...والسبب في ذلك ان العقلية العربية تريد منك موقفا في خانة ال "مع "او خانة ال"ضد"وهما خانتان لم أجد نفسي فيهما ككثيرين مثلي .
نتذكر جميعا ان الرئيس المصري صوت لصالحه ما يقارب 25% من اصوات المصريين في الجولة الاولى من انتخابات الرئاسة وهذا برايي حجم الاخوان المسلمين كحزب في اي دولة يتواجدون فيها .وفي الجولة الثانية حصل على ما يقارب 52%، ولا أخفي أنني وقتها فرحت مثل غيري من المتحمسين لربيع العرب بذلك الفوز، لان عودة نظام مبارك عبر شفيق كانت ستشكل صدمة وخيبة أمل لنا جميعا ،لكنني بنفس الوقت ادركت خطورة نتائج ذلك الفوز لانها تعبر عن حالة انقسام نصفي للمجتمع المصري .هذا مع انني كنت اتمنى على الإخوة الإخوان المسلمين ألا يدخلوا السباق الرئاسي منذ البداية نظرا لأن المرحلة كانت في غاية الخطورة والحرج .
إن ماحدث خلال عام من حكم الرئيس المنتخب ان القوى السياسية التي نافسته رفضت تماما التعاون معه ومشاركته الحكم وتحمل مسؤولياتها ودفع الحقد بعضها احيانا للتعاون مع مخلفات نظام مبارك الفاسد لإفشال الرئيس.
الرئيس مرسي وحزبه عملوا جاهدين لكي يقدموا شيئا للمواطن المصري ، ولكن تحديات الواقع المصري والدولي معقدة جدا وتحتاج إلى معجزات لتذليلها .الرئيس لم يحاول ان ينقلب تماما على علاقات ومحددات نظام مبارك طمعا في رضى الغرب عنه وخوفا من ان يفلت الواقع المحلي من بين يديه وعملا بالمنهج الاخواني الذي يتبنى التدرج في كل الاعمال مما اثار حفيظة الصادقين المتحمسين من الثوار على سياسته .
اما تحليلي المتواضع لما حدث خلال الاسبوع الماضي فهو ان القوى التي تنافس الاخوان تعاونت مع مخلفات مبارك الفاسدة وألبت جزءًا كبيرًا من الشارع المصري ضده وضد سياساته ، مما أدى الى انقلاب مزاج العامة الذي يمكن التحكم به بمنتهى السهولة ، وهذا الانقلاب في مزاج العامة هو امر في غاية الخطورة على كل حاكم محنك ان يتخوف منه ويحسب له حسابا خاصة في ظل دول لم تعتد ان تحترم نتائج صناديق الاقتراع وامام واقع معيشي لم يتغير عليه شيء بل وازداد سوءًا احيانا . واظن ان جدلية المركز والاطراف دخلت في الحسابات خاصة ان الرئيس المنتخب لم يكن الاول في نتائج الانتخابات في القاهرة والاسكندرية .قيادات الجيش اظهرت انحيازا واضحا لصالح القوى التي ضاقت ذرعا بالرئيس مرسي وكلنا يذكر المروحيات التي حومت في سماء ميدان التحرير ملقية الاعلام عليهم وهذه في حد ذاتها لفتة تعبر عن مباركة واضحة من الجيش لاحتجاجات تلك القوى مما شجع الكثيرين للنزول والاحتجاج و عجل في اتخاذ قرار العزل .ما غاب عن بال تلك القوى ان ما قاموا به واعتبروه نجاحا باهرا طاروا به فرحا قد يفتح أبواب نيران جهنم التي يصعب على كل حكماء الارض ان يطفئوها . تخيلوا ان شغفهم بالسلطة وحقدهم على الإخوان غيب عن اذهانهم ما يمكن ان تكون عليه ردة فعل مؤيدي الرئيس . لقد ضحوا بالسلم الاجتماعي والمستقبل السياسي لمصر في المدى المنظور و هذا ما يثير غرور الكثير من العروش المستقرة في الخليج الذين سقطت ورقة التوت عن الكثيرين منهم وهم يتحدثون عن الديمقراطية والحرية والانتخابات .
العبد الفقير لله دائما ما يردد مع الكثيرين ان ازمتنا الحقيقية كامنة في انخفاض الوعي لدى الجماهير لذا يسهل على الاعداء الخارجيين اللعب بها وبارادتها ويسهل على الانتهازيين من السياسيين على اختلاف مشاربهم ان يلعبوا بها ايضا ولا طريق للخروج من النفق سوى برفع درجة الوعي العام لدى الامة .