المسلمون ومشقة الصيام في دول لا ينتظم ليلها ولا نهارها
من المسلمين مَن يتمسك بفريضة الصوم ولو كان في دول يطول نهارها أكثر من عشرين ساعة، لكنه يقع تحت عبء كبير، ما أحدث جدالًا بين المرجعيات الإسلامية حول ما يجوز للصائم في هذه البلاد من إفطار أو تقدير.
كما في كل عام، ومع ابتداء شهر رمضان المبارك، يعاني المسلمون في بعض المدن الأوروبية والإسكندينافية الأمرين، إذ يطول صيامهم أكثر من 18 إلى 20 ساعة، كمدينتي استوكهولم وكوبنهاغن وغيرهما. ومن البلاد المأهولة بمسلمين ما لا يغيب عنها الشمس صيفًا في أيام وليالٍ بيضاء، ما يشكل عبئًا كبيرًا على كاهل الصائمين.
وفي ظاهرة لافتة يقلّ وجودها في معظم بلدان العالم، التي يتواجد فيها المسلمون، يضطر الصائمون، الذين يعيشون في شمال الدول الإسكندنافية، إلى الصيام أكثر من 21 ساعة في اليوم، بسبب طول ساعات النهار في الصيف.
إن شقّ الصوم
بالرغم من أن تحديد ساعات الصيام في هذه المناطق يبقى موضع جدال بين المراجع الشرعية الإسلامية، إلا أن الشيخ السعودي عبدالمحسن العبيكان خفف من وطأة هذا الأمر في حديث سابق تناول فيه الموضوع، إذ ذكر الصائمين في تصريح صحافي بأن الإسلام دين يسر لا عسر، "فيجوز للمسلمين في تلك البلدان أن يفطروا الأيام التي تشق عليهم، على أن يقضوها في الفترات التي يقصر فيها النهار"، لافتًا إلى أن العلماء المسلمين أكدوا على أن من شق عليه الصوم، سواء لطول مدة اليوم أو لشدة الحر، يجوز له أن يفطر، ثم يقضي مكان تلك الأيام حين يكون النهار أقصر نسبيًا، مشددًا على شرط ذلك بالقول تكرارًا "أن يشق عليهم الصوم مشقة شديدة".
أضاف: "دين الإسلام دين السماحة واليسر، والنبي عليه الصلاة والسلام قال يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا"، ومن كان له ليل ونهار، فالواجب أن يصوم مهما طال النهار ومهما قصر الليل، والقضاء لا يجب عليه في المكان نفسه الذي أفطر فيه، بل يمكنه القضاء في أي مكان في العالم".
قضاء في أيام أخرى
ومثله قال الشيخ شلطان بن عبدالله العمري في موقع ديننا الالكتروني ما نصه: شريعة الإسلام كاملة وشاملة، وقد خاطب الله المؤمنين بفرض الصيام فقال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" [البقرة:21] وبيّن ابتداء الصيام وانتهائه فقال تعالى: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلى اللَّيْلِ" [البقرة:187].
ولم يخصص هذا الحكم ببلد ولا بنوع من الناس، بل شرعه شرعًا عامًا، وهؤلاء المسؤول عنهم داخلون في هذا العموم، والله جل وعلا لطيف بعباده شرع لهم من طرق اليسر والسهولة ما يساعدهم على فعل ما وجب عليهم، فشرع للمسافر والمريض مثلًا الفطر في رمضان لدفع المشقة عنهما.
وقال تعالى: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" [البقرة:185]. فمن شهد رمضان من المكلّفين وجب عليه أن يصوم، سواء طال النهار أو قصر، فإن عجز عن إتمام صيام يوم وخاف على نفسه الموت أو المرض جاز له أن يفطر بما يسدّ رمقه ويدفع عنه الضرر، ثم يمسك بقية يومه، وعليه قضاء ما أفطره في أيام أخرى يتمكن فيها من الصيام.
تقديرًا...
وفي كلام مأثور عن العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، أشار إلى أن الإشكال في هذه البلاد ليس خاصًا بالصوم، بل يشمل الصلاة أيضًا، "لكن إذا كانت الدولة لها نهار وليل، فإنه يجب العمل بمقتضى ذلك، سواء طال النهار أو قصر. أما إذا كان ليس فيها ليل ولا نهار كالدوائر القطبية التي يكون فيها النهار ستة أشهر، أو الليل ستة أشهر، فهؤلاء يقدرون وقت صيامهم ووقت صلاتهم".
وأفتى أهل العلم أن يكون التقدير على أوقات مكة المكرمة، لأنها أم القرى، تؤول إليها القرى جميعًا وتقتدى بها كالإمام، ورأى آخرون أن يقدر المسلمون في تلك البلاد الليل باثنتي عشرة ساعة، والنهار باثنتي عشرة ساعة، لأنه الزمن المعتدل في الليل والنهار.
وقال بعض ثالث إن يكون التقدير وفق أقرب بلاد إلى هؤلاء الصائمين، لها ليل ونهار منتظمان، لأن أقرب البلاد إليهم هي أحق ما يتبعون، إذ تكون أقرب إلى مناخهم من الناحية الجغرافية والمناخية، فيتقيدون بتوقيتها في الصيام أو في الصلاة.
(ايلاف)