لماذا لا تقفز مليارات الخليج عن عمّان ؟!
كتب تامر خرمه
عندما تجنّد السلطة أقلامها لاقتراف ذات الجرائم التي تحاصر أحلام وطموحات الأردنيّين، يكون رحيل هذه السلطة هو الحدّ الأدنى المطلوب لحماية الوطن من مغامرات العابثين بحاضره ومستقبله.
خطيئة اليوم اقترفها كتبة الوحي الذين استغلّوا منابر الإعلام الرسمي للدعوة بشكل صريح ومباشر لإعادة ترتيب المشهد السياسي الأردني على إيقاع المال السياسي الخارجي، وفرض الأجندة الخليجيّة على واقع الأردن بكلّ ما يمتلكه البترو-دولار من قدرة على تدمير الدول، حيث وصل الأمر ببعض الأقلام إلى المطالبة باستنساخ تجربة العبث النفطي في مصر هنا في الأردن، متناسين معاناة المصريّين من عبث الأجندة الخليجيّة، ومتناسين أيضاً الحرائق التي تكتوي بها سورية بسبب هذه الأجندة التى لا تقلّ في فداحتها عن جرائم الأسد.
يعترض بعض هؤلاء الكتبة على ما وصفوه بـ "قفز" المال الخليجي عن الأردن، في الوقت الذي دعمت فيه قطر الرئيس المصري السابق محمد مرسي، وفي الوقت الذي تدفّق فيه الدعم إلى ورثته من السعودية والكويت والإمارات، متسائلين عن أسباب "ترك" الأردن تحت "وطأة نفوذ الاسلاميّين"، رغم أنه "الأخطر سياسيا وجغرافيا على أمن الخليج".
لماذا لا تقفز المليارات عن عمّان، هو السؤال الذي ينبغي على الكتبة طرحه عندما يتعلّق الأمر بالمساعدات الخارجيّة التي لا تُمنح إلاّ لتحقيق مصلحة الجهة المانحة.
الأردن الرسمي استنفد كلّ أوراقه في ارتهانه للاملاءات الخارجيّة، وحقّق كلّ ما هو مطلوب منه، بل فقد دوره تماما نتيجة سياسته الخارجيّة التابعة والمستندة إلى فهم خاطئ لمعنى ودور الدولة.
كلّ ما وصلنا من املاءات نفّذه الرسميّون على أحسن وجه يحقّق المصالح الخارجيّة، دون أخذ المصلحة الوطنيّة بعين الاعتبار، بل ذهب الأردن الرسمي إلى أبعد من ذلك ليتخلّى عن أيّ دور إيجابيّ تجاه القضيّة الفلسطينيّة ويكتفي بانتظار التوجيهات الخارجيّة المرتبطة بالمصالح والمشاريع "الاسرائيلية" فقط، ناهيك عن الانصياع تماما للاملاءات المتعلّقة بالازمة السوريّة والتخلّي الرسمي عن دور الأردن الحيادي تجاه هذه الأزمة.
باختصار، لقد حقّقت للخليج وواشنطن ولكافّة الجهات المانحة كلّ ما ما يمكن أن يطلبوه مقابل المساعدات الماليّة، فما الذي يغريهم بتقديم المزيد من المساعدات ؟! إلاّ إذا كنت تريد الذهاب إلى أقصى درجات التطرّف والتضحية حتّى بوجود الأردن كدولة مقابل حفنة دولارات !!
وبما أنّ البعض يتجاهل الحلول الممكنة لحلّ الأزمة الاقتصادية في حال توفرت الإرادة السياسيّة لذلك، قد يكون من المفيد تذكيرهم بالمزيد من الأسباب التي قادت إلى تقلّص الدعم الخليجي الذي كان يتدفّق إلى الأردن نتيجة لاستيعاب الاجئين السوريين بشكل خاصّ، حيث حال استشراء الفساد في كافّة مفاصل الدولة دون وصول الأموال إلى مستحقّيها، ما انعكس سلبا على المساعدات الخليجيّة للأردن -بشكل عام- ودفع دول الخليج الى اشتراط إدارتها المباشرة لما تقيمه من مشاريع على الأراضي الأردنيّة.
المصيبة أن أقلام حكومة الظلّ تعتبر أيضاً أن الدولة الأردنيّة كادت أن تنهار بسبب "نفوذ" الاسلاميّين في الأردن، محمّلة الخليج مسؤوليّة ما ستؤول إليه الأوضاع في حال "انهيار" الدولة التي تحمي أمن الخليج واستقراره، على حدّ وصفهم.
أوّلا إن الإصرار على بقاء الأردن ضمن نطاق دور وظيفيّ لا يخدم سوى مصلحة "اسرائيل" غربا والخليج شرقا دون الأخذ بعين الاعتبار للمصلحة الوطنيّة، يعكس خطورة هذه السلطة على الدولة الأردنيّة. أضف إلى ذلك أن "الانهيار" الذي يتحدّث عنه كتبة الوحي لن يكون سوى نتيجة المغامرات التي يقترفها صنّاع القرار في هذا البلد، وإصرارهم على تجاهل كافّة المطالب الشعبيّة، والتنكّر لاستحقاقات الإصلاح الشامل، وإمعانهم في حماية مؤسّسة الفساد والاستبداد على حساب المصلحة الوطنيّة العليا.
سياسة "الجباية والاستجداء"، والبحث الدائم عن "الكاش" من جيوب الفقراء أو في الأجندة الخليجيّة، دون امتلاك الجرأة على تغيير السياسات الاقتصاديّة، أو تشجيع المشاريع الإنتاجيّة الوطنيّة، أوالاستناد إلى مبدأ الضريبة التصاعديّة على الأقلّ، لا يمكن له أن يقود إلى حلّ الأزمة الاقتصاديّة التي يعانيها الأردن، فبيع مقدّرات الدولة لم يسهم -بالطبع- في حلّ الأزمة رغم "الكاش" الذي تدفّق إلى جيوب البعض، بل إن هذا هو ما فاقم من الأزمة التي لم ينتجها سوى الإصرار على تحنيط السياسات الاقتصاديّة ضمن إطار "الجباية والاستجداء".
كما أنّ مشكلة الأردنيّين لا تكمن في "أن قصّة مرسي ارتدّت لصالح شعبيّته هنا"، ولا في "أن القصّة باتت خياراً بين الإسلام واللا إسلام"، كما يحلوا لبعض الكتبة تصوير المشهد لاستجداء المساعدات الخليجيّة باعتبارها قادرة على إخراج الأردن من أزمته الاقتصاديّة- السياسيّة الخانقة !! بل تكمن المشكلة في استئثار الجاثمين على صدور الأردنيّين بالسلطة والثروة، وإصرار مؤسّسة الفساد والاستبداد على التنكّر للمطالب الشعبيّة بالخبز والحريّة والعدالة الاجتماعيّة، متجاهلة أنّ التنكّر لهذه المطالب هو ما أشعل الثورات في كافّة بلدان الربيع العربي.
أمّا أن يحاول كتبة الوحي استجداء المال الخليجي عبر إغواء البترو-دولار بالترحيب بالمزيد من الاملاءات، فهي مسألة تسلّط الضوء تماما على التهديد الحقيقي الذي ينبغي على الأردنيين مواجهته، والذي اصطلح على تسميته بـ "حكومة الظلّ".
تشوّهات المشهد الإقليمي هي نتيجة طبيعية للمال السياسي الخارجي، الذي مازال يدفع بكثير من دول المنطقة العربيّة إلى شفا الحرب الأهليّة، تحقيقا لأجندة خارجيّة غير وطنيّة يدفع الشعب ثمنها، فهل هذا ما يريده البعض للأردن والأردنيّين ؟! وهل وصل الأمر بشراهة السلطة إلى المطالبة عبر كتبتها بترجمة المزيد من الأجندة الخليجيّة في الأردن، بعد أن استهلكت الأموال العائدة من توريط قوّات الدرك الأردني في مواجهة الثورات والاحتجاجات الشعبيّة التي شهدتها دول الخليج ؟!!
الكارثة الحقيقيّة هي أن السلطة في الأردن مستعدّة لعمل أيّ شيء، من رفع الأسعار إلى تجويع الناس إلى استجداء ما أمكن من مساعدات، بصرف النظر عن الثمن الذي قد يدفعه الأردن كمقابل، كلّ هذا لإدارة الأزمة الاقتصاديّة بعيداً عن مجرّد التفكير أو الاقتراب من أموال الطبقة الحاكمة ومصالحها وأوجه فسادها !!