نشأة وتطور المجالس التشريعية والنيابية في الأردن: (عهد المملكة) (9) المجلس النيابي الرابع: 20 تشرين الأول 1954 – 26 حزيران 1956
د. فيصل الغويين
جو 24 :
1
في 22 حزيران صدر مرسوم ملكي بحل مجلس النواب الثالث، وأعلنت حكومة أبو الهدى أنّ الانتخابات النيابية ستجري في 16 تشرين أول 1954، وأنّ هذه الانتخابات ستكون حرة، فأقبل المرشحون على خوض معركتها والشكوك تراود بعضهم في حقيقة تلك الحرية.
تشكلت في ألوية المملكة قوائم مؤيدة للحكومة وأخرى معارضة لها؛ ففي عمان تألفت قائمتان رئيسيتان الأولى من السياسيين المؤيدين للحكومة وعلى رأسهم الدكتور مصطفى خليفة، والثانية من معارضي الحكومة. وقد ضم هذا التحالف كلا من : سليمان النابلسي، وعاكف الفايز عن الحزب الوطني الاشتراكي، وسليمان الحديدي وإبراهيم العابد عن حزب البعث العربي، ونزار جردانة، وجورج حبش عن حركة القوميين العرب، وعبد الرحمن شقير عن الجبهة الوطنية. وسعيد المفتي مستقلا.
2
وحول نية حكومة أبو الهدى التدخل في الانتخابات أشار تقرير بعث به السفير البريطاني في عمان (ديوك) قبيل الانتخابات أنّ الحكومة "عقدت عزمها في وقت مبكر على عمل كل شيء ممكن لضمان فشل المرشحين الشيوعيين والبعثيين” ويضيف :” تبدو الحكومة واثقة من قدرتها على ضمان فشل خصومها الأكثر خطورة، ولا أرى سببا في أنّ غالبية مرشحيها سينجحون. وأنا أعتبر أنّ نتيجة كهذه ستكون بصورة عامة لمصلحتنا”.
وكانت حكومة أبو الهدى قد زودت مبكرا الحكام الإداريين بتعليمات تقضي بالعمل على الحيلولة دون نجاح مرشحي المعارضة. وفي صباح 16 تشرين الأول 1954 شعر عدد من المرشحين أمثال سعيد المفتي، وسليمان النابلسي زعيم الحزب الوطني الاشتراكي، بالتدخل الحكومي في الانتخابات، والايعاز إلى الجيش للتصويت لقوائم الحكومة، حيث كان قانون الانتخاب يسمح بتصويت أفراد الجيش، مما دفعهم إلى إعلان الانسحاب.
ومع أنّ هذا الانسحاب عزز من نجاح قائمة الحكومة إلا أنه كان له وقع سيئ بين الأوساط السياسية، حيث أثار التدخل الحكومي في الانتخابات احتجاجات واسعة، وأعمال عنف، واندلعت المظاهرات في عمان، وعدد من المدن الأخرى، فسارعت الحكومة إلى إعلان حالة الطوارئ، وزجت بالجيش لقمع المظاهرات، واعتقال المعارضين، واستمرت التظاهرات عدة ايام، مسفرة عن سقوط عشرات القتلى والجرحى. وجرى اعتقال سليمان النابلسي، ومنيف الرزاز، وعاكف الفايز وآخرين، ثم أطلق سراحهم بعد مدة.
3
ونتيجة لهذه الاجراءات فشل في الانتخابات عبد الحليم النمر، وصالح المعشر في السلط، وشفيق ارشيدات في اربد(عن الحزب الوطني الاشتراكي)، وعبد الله نعواس، وعبد الله الريماوي، وكمال ناصر(عن حزب البعث) في القدس ورام الله.
أسفرت الانتخابات عن فوز مرشحي الحكومة بأغلبية كبيرة، ومع ذلك تمكن عدد من مرشحي المعارضة من الفوز، فقد فاز مرشح للجبهة الوطنية، وآخر لحزب التحرير الاسلامي، واثنان من المؤيدين للحزب الوطني الاشتراكي في الضفة الغربية، وهزاع المجالي أحد قيادات الحزب حينذاك في الكرك.
عقد المجلس النيابي الرابع جلسته الأولى المشتركة مع مجلس الأعيان للاستماع إلى خطاب العرش الذي ألقاه ابو الهدى. وفي 1 تشرين الثاني افتتح المجلس الجلسة الأولى لمجلس الأمة، وألقى ابو الهدى الذي قد عاد تأليف حكومته خطاب العرش. وقد تزامن افتتاح المجلس مع إضراب واسع في عمان، احتجاجا على ما جرى من تزوير في الانتخابات.
4
وفي عهد هذا المجلس جرت أحداث هامة؛ فقد عارض المجلس محاولة ضم الأردن لحلف بغداد عام 1955، بعد زيارة جلال بايار رئيس الجمهورية التركية إلى الأردن، ومباحثاته مع الحكومة حول رغبة تركيا في انضمام الأردن للميثاق التركي العراقي (حلف بغداد).
استمرت حكومة أبو الهدى الثانية عشرة في الحكم حتى أواخر ايار 1955، حيث كلف سعيد المفتي بتشكيل حكومة جديدة. وفي 24 آب 1955 ناقش المجلس البيان الوزاري للحكومة، وانتقد عدد من النواب الحكومة لاتخاذها موقفا غامضا من قضية الأحلاف الغربية المطروحة. وربط عدد من النواب ممنح الثقة بالحكومة التزامها بتحقيق عدد من المطالب، من أهما:
1-إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، والسماح للملاحقين في الخارج بالعودة.
2- تقديم مشاريغ معدلة لقوانين الانتخاب، والأحزاب، والمطبوعات، والعمل والعمال.
3- السعي لتعديل معاهدة 1948 بما يكفل للبلاد سيادتها واستقلالها الوطني.
5
في هذه الأثناء أرسلت بريطانيا الجنرال تمبلر رئيس أركان الجيوش البريطانية إلى عمان بهدف الضغط على الأردن للانضمام إلى حلف بغداد، مما أدى إلى انقسام مجلس الوزراء بين مؤيد للانضمام ومعارض له، الأمر الذي اضطر سعيد المفتي إلى تقديم استقالته، بعد استقالة أربعة من وزرائه.
كلف هزاع المجالي في 13 كانون الأول 1955 بتأليف الحكومة الجديدة، على أساس الالتزام بالانضمام إلى حلف بغداد، وبالرغم من رفض قرابة نصف المجلس النيابي التعاون معه، فقد شكل حكومة ضمت الوزراء المؤيدين للحلف في حكومة سعيد المفتي وبعض وجهاء الضفة الغربية.
قوبلت الحكومة الجديدة بمظاهرات واسعة في الضفتين احتجاجا على خطة الانضمام إلى حلف بغداد، ولتجنب الظهور بأنّ الحكومة استقالت بسبب المظاهرات، فقد أقنع المجالي الملك حسين بضرورة حل البرلمان، مما يعني تلقائيا استقالة مجلس الوزراء بمقتضى أحكام الدستور. وبالفعل أصدر الملك حسين إرادته بحل مجلس النواب في 18 كانون الأول 1955، وفي اليوم التالي قدم المجالي استقالة حكومته، وهي من أقصر الحكومات عمرا في تاريخ الأردن.
6
كلف ابراهيم هاشم بتشكيل حكومة انتقالية للإشراف على الانتخابات، وحدد يوم 15 نيسان 1956 لإجراء انتخابات نيابية جديدة. وعلى أثر ذلك تقدم عدد من أعضاء مجلس النواب الرابع باعتراض على دستورية قرار حل المجلس، إلى المجلس العالي لتفسير الدستور، والذي أفتى بأنّ قرار حل البرلمان لم يكن دستوريا، حيث لم يوقع وزير الداخلية إلى جانب رئيس الوزراء على قرار الحل، فاعتبر المجلس قائما. ولذلك قدمت حكومة إبراهيم هاشم استقالتها يوم 7 كانون الثاني 1956، وتم تكليف سمير الرفاعي بتشكيل حكومة جديدة.
وفي 1 آذار 1956 أصدر الملك حسين القرار التاريخي بتعريب قيادة الجيش العربي، بالتنسيق مع مجموعة الضباط الأحرار. كما أفرجت حكومة الرفاعي عن عدد كبير من المعتقلين السياسيين، وسمحت للملاحقين سياسيا الذين غادروا البلاد إلى سورية بالعودة، واستأنفت أحزاب المعارضة نشاطها علنا.
وفي 20 أيار 1956 قدم سمير الرفاعي استقالة حكومته، وكلف سعيد المفتي بتشكيل حكومة جديدة، تعهدت في بيانها الذي تقدت به إلى البرلمان باحترام حرية تأليف الأحزاب، وعزمها على التعاون مع الدول العربية عسكريا، وفي 26 حزيران 1956، وقبل جلسة مناقشة البيان الوزاري، طلب المفتي من الملك حسين حل البرلمان، لخشيته من حجب الثقة عن الحكومة، وترتب على ذلك أن استقالت حكومة المفتي مخلية الطريق أمام تشكيل حكومة انتقالية للإشراف على إجراء انتخابات جديدة في 21 تشرين الثاني 1956.... يتبع