الأردنيون الكفرة
منذ أن حدثت في مصر الأحداث الأخيرة بعزل الرئيس السابق محمد مرسي، وحديث الأردنيين وغير الأردنيين في كل جلساتهم، أنت مع من؟ ومن تؤيد؟
وسواء كانت حواراتنا شخصية أو من خلال الفيسبوك وهي الأكثر حرارة وجرأة، فإن الأحكام جاهزة والتصنيفات معدّة سلفا، فإن كنت مؤيدا لعودة الرئيس مرسي فأنت مع الشرعية، وأنت أيضا مسلم صالح، وإن كنت من مؤيدي الثورة وعزل الرئيس محمد مرسي فأنت أولا كافر وملحد وفي أخف الأحوال أنت علماني، وثانيا أنت صهيوني وجاسوس، وثالثا أنت من المخابرات! ورابعا أنت إنسان حاقد، وقلبك مليء بالسواد على هذه الجماعة وهذا الحزب، والصفحات على الفيسبوك تشهد بذلك.
ما لا يمكن تفسيره هو كيف يمكن للفئة الأكبر من الأردنيين أن تتماهى مع هذا التصنيف حتى من داخل أفراد عائلة الفرد الواحد، لا يمكن تفسير كيف تستطيع هذه الماكنة الإعلامية السيطرة على عقول كل هؤلاء وتشويه أفكارهم وقراراتهم ورأيهم حتى في أقرب الناس إليهم.
نفهم أن تسيطر الجماعة على عقول أعضائها، ونتفهّم استلاب أفكار جماعتها بالإشاعات والكذب تارة، وبالأمر والترهيب تارة أخرى. أمّا أن يصل حد التسميم الفكري لفئة كبيرة من غير أعضاءها فيحتاج لأكثر من دراسة وتحليل.
هل لدين الإسلام حزب؟ وإن كان له حزب فهل هو حزب واحد؟ ألا يمكن أن يوجد أكثر من حزب إسلامي وتختلف الأحزاب فيما بينها؟ هل يحق لجماعة محددة أن تحتكر الإسلام وحدها؟ هل يحق لإتجاه ديني محدد أن يصنّف كل الإتجاهات الأخرى بأنها معتدلة أو متطرفة أو كافرة أو صهيونية أو عملاء ومخابراتيين؟
وفي تحديد الكلام في الشأن المصري، فمن له الحق في ادعاء الشرعية ووصف الآخرين بأنهم إنقلابيين وغير شرعيين؟ هل من أيّد توريث الحكم إلى جمال مبارك ابن الرئيس المصري محمد حسني مبارك هم الفلول أم من رفض ذلك وقاومه؟ هل الخونة والصهاينة هم من كتبوا لرئيس الوزراء الإسرائيلي أجمل عبارات الغزل والحب أم من نذر حياته لمقاومة اسرائيل؟ هل بيع سيناء بثمانية مليارات دولار إلى جماعة حماس لإقامة الدولة الفلسطينية المزعومة عليها هو عمل وطني؟ هل قتل الجنود والمواطنين وتفجير الطرق ووسائل النقل هو عمل وطني؟ هل إدّعاء السلمية قول ومهاجمة المقرات الأمنية بالسلاح فعلا عمل وطني؟ هل إستعمال صور من أحداث عالمية سابقة ليس لها علاقة بالأحداث الحالية واستخدام صور من قتلوا في مناطق أخرى من العالم عمل شرعي وأخلاقي؟ هل الغاية تبرر الوسيلة؟ هل التقية عمل شرعي؟
في كل تصريحات ولقاءات قيادات الإخوان يؤكدون على عدم شرعية مجالس النواب الأردنية السابقة بسبب التزوير الذي شاب عمليات الإنتخاب، أفلا تتساوى عملية التزوير هذه وتزوير انتخاب محمد مرسي نفسه؟ ألا تتشابه عمليات التزوير التي لم ينكرها أحد حتى من الجماعة نفسها بطباعة قسائم الإنتخابات ودسّها في الصناديق، وشراء الذمم بالزيت والسكر والمواد التموينية وحتى بالأموال النقدية؟
هل يحق للرئيس المنتخب وعلى فرض أنه انتخب بلا تزوير أن يحدد خريطة الإنتخابات اللاحقة مستقبلا على شاكلة ما أحدثه النظام الإيراني؟ لا أحد يختلف على أن نظام الخوميني الإيراني جاء أول مرّة بإنتخابات شرعية وديموقراطية، إلا أن التغيير الذي أحدثه هذا النظام في التشكيلة الإنتخابية أصبح يحدد ليس الفائزين مستقبلا في أية انتخابات بل وحتى المرشحين، فلم يعد بإمكان أحد أن يقف في وجه هذه الماكنة من المسؤولين في كل مستويات الدولة من ذات النظام. فهل كان يجب الإنتظار حتى يحدث هذا الحزب كل التغييرات اللازمة لإستحالة وصول أحد من غيرهم للحكم؟ هل كان يجب الإنتظار لتغيير كافة الحكّام الإداريين وموظفي الحكومة والجيش والأمن والمبتعثين والمناهج التعليمية لتصبح جميعها جزءا منهم وأداة من أدواتهم؟
أما في إتهام الجيش بالقيام بإنقلاب عسكري، فهل هذا هو شكل الإنقلابات العسكرية؟ هل تسلّم الجيش أية سلطة؟ هل فرض أي حظر تجول؟ ألا يعتصم من - انقلب الجيش عليهم - بالميادين والساحات العامة بمايكروفوناتهم ومطبوعاتهم، فهل هذه صفة العمل الإنقلابي؟
وفي الختام، وعودا على بدء، إن إدعاء الإسلام ليس من حق فئة ولا حزب واحد مهما كانت منطلقاته وأسسه. إن الخلاف مع جماعة الإخوان المسلمين سواء كانوا حزبا سياسيا أو جماعة دينية لا يعطي الحق لأي كان بإتهام الآخرين أو الحكم عليهم أو حتى تصنيفهم بمتدينين أو غير متدينين. إن عدد أعضاء حزب جماعة الاخوان المسلمين لا يعدو أن يكون بضعة آلاف، وهم لا يمثلون الإسلام وإن كانوا يمثلون وجها منه فالآخرون أيضا مسلمون. في الأردن أكثر من ستة ملايين ونصف غالبيتهم من المسلمين، ومنهم من هم أكثر تدينا وإيمانا من غالبية أعضاء حزب الجماعة.
إن الإختلاف مع حزب جماعة الإخوان المسلمين، وكلمة حزب تعني أنهم حزب سياسي له أيديولوجيته الخاصة، لا يعني الخروج على الدين الإسلامي ولا يعطي أي من جماعتهم أو مؤيديهم أو مؤازريهم الحق بأن يطلقوا الإتهامات والإشاعات على من يخالفهم الرأي، كما لا يعطيهم الحق بتصنيف الآخرين بأنهم وطنيون أو غير وطنيين وصهاينة ومخابراتيين.