سجن المحتسب ..فضيحة مجانية !
مضي أكثر من 20 يوماً على توقيف الزميل الإعلامي جمال المحتسب ناشر موقع جراسا نيوز في سجن البلقاء بعد أن وجهت له محكمة أمن الدولة تهمة " الحض ضد نظام الحكم " ، ومنذ ذلك اليوم ونحن نحاول بالطرق القانونية وبالتواصل مع صانعي القرار الإفراج عنه ولكن جهودنا باءت حتى الآن بالفشل .
حقيقة كلما اجتمعت مع الزميلات والزملاء الصحفيين لمتابعة التطورات في قضية المحتسب توقفنا لنتساءل بحيرة وقلق ،ماذا فعل المحتسب حتى يظل حبيساً خلف القضبان كل هذه الأيام ،ما هي الجريمة التي أرتكبها ليعاقب بكل هذه القسوة ،ولماذا لم يحل مدعى عام محكمة امن الدولة طلب إخلاء سبيله والذي تقدمت به وحدة المساعدة القانونية للإعلاميين ميلاد التابعة لمركز حماية وحرية الصحفيين منذ 24/4/2012 حتى الآن لإتخاذ القرار ؟.
الخبر الذي أشيع أن جراسا نيوز نشرته ويتحدث عن اتهامات الفساد في ملف سكن كريم لا يستدعي كل هذا الغضب بالإصرار على إبقاء المحتسب في السجن دون الإلتفات لكل الضغوط والواسطات ،وهو ما يرسخ القناعة عند الإعلاميين أن الأمر يتعدى المحتسب، وأنها رسالة لكل الصحفيين بضرورة العودة للمربع الأول،وأن كسر التابوهات والخطوط الحمراء لم يعد مسموحاً به بعد اليوم ،وأن من يتجرأ على فعل ذلك سيكون مصيره مصير المحتسب .
ومهما كانت الجهة التي تريد " تأديب " الصحفيين الآن،فإن الرسالة التي بعثتها أدركها الصحفيون ،ولكنهم رفضوها ولن ينصاعوا لها ،وهذا التعنت في قضية المحتسب لن يمرره الإعلاميون ولن يسكتوا عنه،وسيرتد سلباً على الحكومة وعلى مسيرة الإصلاح التي يراد لها أن تمضي في الأشهر المقبلة .
ما حدث في توقيف الزميل جمال المحتسب يتجاوز الإعتداء على حرية الإعلام ،فهو إعتداء أولاً على الدستور الذي نص في مادته 101/2 المعدلة بأنه لايجوز إحالة المدنيين لمحكمة أمن الدولة إلا في جرائم محددة ليس من بينها طبعاً قضايا الإعلام والنشر ،وهذا الإجراء يضرب صدقية مسيرة الإصلاح ،فالدستور الذي نتغنى بتعديلاته لا يتم احترامه ويجري خرقه في وضح النهار .
وما حدث مع المحتسب فيه تجاوز على قانون المطبوعات والنشر والذي ينص في مادته الـ 42 على أن محكمة بداية عمان هي المختصة في نظر قضايا المطبوعات والنشر حصراً ،وفوق ذلك كله فية عدم إلتزام بتوجيهات جلالة الملك الذي أكد مراراً " أن توقيف الصحفيين خط أحمر يجب أن لا يتكرر " .
قصة توقيف المحتسب منذ 20 يوماً تترك غصه بالقلب ،فهم غير مهتمون بحالته الصحية ،ولا بإبنته الصغيرة التي تسأل يومياً عن والدها الذي خرج من منزله ولم يعد ،ولا بموقف الصحفيين الغاضب ،ولا حتى بإحترام القانون وانفاذه .
وعدا عن الجانب الإنساني والقانوني في القصة،فهم لا يكترثون أيضاً بصورة الأردن دولياً فهذه القضية تسيئ لصورة الأردن ،وتزيد من تراجعه في المؤشرات الدولية لحرية التعبير والإعلام ،وقد كنت مشاركاً في مؤتمر اليونسكو في اليوم العالمي لحرية الصحافة في تونس قبل أسبوع ،وسمعت ورأيت كيف أصبحت قصة توقيف المحتسب على لسان المدافعين عن الحريات والمنظمات الدولية .
توقيف وسجن المحتسب ومحاكمته فضيحة أردنية مجانية بإمتياز ،كنا وما زلنا في غنى عنها ونحن نتعثر في مسيرة الإصلاح !