jo24_banner
jo24_banner

مجلس نواب على أجهزة التنفس الاصطناعي!!

حاتم الأزرعي
جو 24 :
 وهكذا.. اغلقت صناديق الاقتراع لانتخابات مجلس النواب التاسع عشر بعد تمديد لساعتين، على نسبة اقتراع لم تصل( ٣٠) بالمئة، كما أعلنها رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات الدكتور خالد الكلالده، إذ بلغ عدد المصوتين (١٣٧٨٧١١) من أصل ( ٤٦٤٧٨٣٥) ممن يحق لهم التصويت.
وأعتقد أن هذه النسبة، هي الادنى، منذ عودة الحياة الديمقراطية، وإجراء انتخابات مجلس النواب الحادي عشر في عام ١٩٨٩، والتي شهدت اقبالا جماهيريا ومشاركة حزبية واسعة، أظهرت عطشا وتوقا لممارسة الحق الدستوري وفق نهج ديمقراطي وليد بعد انقطاع وغياب لسنوات سادتها "العرفية" في جميع مفاصل الدولة وتعمقت جذورها في البنية الاجتماعية.
وقد جرت الانتخابات للمجلس التاسع عشر، في ظل ظروف استثنائية على الصعد كافة، ولاسيما في ظل حالة الاحباط العامة من أداء المجالس النيابية المتاعقبة، وتحديدا الثامن عشر والفشل الذريع في التعبير عن آمال الناس وهمومهم وتطلعاتهم، الأمر الذي ولد ردة فعل جماهيرية غاضبة لا بل حاقدة، ويائسة من إمكانية وجود مجلس نيابي يقف معهم والى جانبهم في خندق المواجهة مع ثالوث الفقر والبطالة والمرض، والحرمان من أدنى حقوق العيش الحر الكريم.
وزاد الطين بلة، وعمق حالة اليأس والاحباط والإنكفاء على الذات، الأوضاع الصحية السائدة، المتمثلة بأنتشار وباء كوفيد ١٩ (كورونا) وتفشيه وارتفاع عدد الاصابات والوفيات الناجمة عنها، وعشية الانتخابات ومع فتح صناديق الاقتراع فتحت الناس عيونها على صناديق الموت تحتضن اكثر من تسعين متوفى بمرض كورونا.
آثار الرعب والخوف من الموت خنقا بفيروس لا يرحم، حفيظة الناس، فأغلقوا ابوابهم على الانتخابات، التي فتحت صناديقها عبثا بأنتظار من يملأها بالاصوات!!.
وللحقيقة، لم يكن ضعف الإقبال على صناديق الاقتراع مفاجئا، لكن غير المتوقع ان تسجل نسبة اقتراع هزيلة إلى هذا الحد المؤلم، فمن كان يستطيع أن يتخيل ان العاصمة عمان، وهي مركز الثقل السياسي والاقتصادي تسجل في أقوى دوائرها، دائرة "الحيتان "كما يطلق عليها، أدنى إقبال بين (٢٣) دائره انتخابية على مستوى المملكة، ولا تصل نسبة الاقتراع فيها( ١٢) بالمئة!!.
وفي ظل الأوضاع السائدة من الجوانب كافة، السياسية والاقتصادية والصحية والنفسية، التي كانت تشي بأقبال ضعيف على صناديق الانتخاب، تعالت الأصوات المطالبة بتأجيل موعد الانتخاب إلى حين استقرار الأوضاع الصحية وتجاوز الوباء، لا سيما ان ذلك متاح ومباح، ولجأت اليه حكومات عديدة.
ورغم الأصوات المطالبة بالتاجيل، أصرت الجهات المعنية على إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، وها نحن واياها نرى بأم أعيننا مستوى الاقبال الهزيل.
وتطرح نسبة التصويت الهزيلة، اسئلة محورية وجوهرية في المسألة الديمقراطية ، بعيدا عن محتوى ومضمون النتائج التي تمخضت عنها الانتخابات فلست هنا بصدد تحليلها، والسؤال الأهم، هل يمثل مجلس النواب التاسع عشر الشعب عندما يحجم الاغلبية (٧٠) بالمئة عن التصويت ؟؟، وبالتالي هل تكتسب القوانين الصادره عن المجلس شرعية سياسية على الاقل؟؟.
وإذ ابارك للفائزين في الانتخابات النيابية، ومنهم أقارب واصدقاء وأشخاص أكن لهم كل الاحترام، واقدر أقدامهم ومبادرتهم لخوض غمارها المضني في ظروف بالغة التعقيد، فأنني أتساءل كيف ستكون ثقتهم بأنفسهم تحت القبة وهم يمثلون اقل من (٣٠)بالمئة من أبناء الشعب؟!.
عبرت في مقالة سابقه، كما عبر الكثيرون، عن الخشية من إجراء الانتخابات في ظل الظروف السائدة، وطالبنا بتأجيلها إلى أن تنقشع الغمة وتزول أسبابها، إذ لا يليق بانتخابات ديمقراطية حرة نزيهة عادلة ان تلقى اقبالا هزيلا يفرغها من مضمونها وبريقها ويقلل من هيبتها، وينذر بعواقب وخيمة سنشهدها تحت القبة حين يلتئم المجلس الذي أجزم ان حاله سيشبه حال مرضى كورونا الرافدين على أسرة الشفاء على أجهزة التنفس الاصطناعي!! شافاهم الله وعافاهم.
تابعو الأردن 24 على google news