jo24_banner
jo24_banner

مرضنا هوان إداراتنا..

د. ماجد الخواجا
جو 24 :
تشهد الحالة العامة للدولة وهنا مزمنا في مفاصل العمل العام نتيجة التحولات في مفهوم الإدارة.. لقد ضعفت الإدارة العامة وأعني مختلف المستويات الوظيفية ابتداء من الوزير وانتهاء بموظف المعين حديثا.

لقد استنزفت الإدارة العامة خلال مدة لا تتجاوز العقدين، مع أن التنظير الإداري تطور وقدم حلولا كثيرة وواعدة ، ودخلت التكنولوجيا بقوة إلى صلب العمل الإداري، وأصبحت كثيرا من المفاهيم الإدارية متقادمة وغير صالحة للعمل، وأصبح من السهولة بمكان وضع معايير محددة للأداء والإنجاز وبالتالي سهولة التقييم وموضوعيته، كما أن التطور الإداري عمل على تحييد العامل الذاتي في إدارة الموارد والأفراد.

منذ أن أصبحت الوظيفة غاية ، وصرنا نفصل الوظيفة للموظف ، وازدادت العبودية للكراسي ، ومع زيادة المعروض وندرة المطلوب ، فقد شهدت المواقع الإدارية العامة تهافتاً مخيفاً للاستحواذ على المنصب أوالموقع الوظيفي، وساعد في ذلك الواسطة والمحسوبية والجهوية الواضحة في معظم التعيينات ، حيث تسود ثقافات فرعية وولاءات فرعية داخل المنظومة الإدارية العامة أصبحت مرضا مزمنا لا شفاء منه بالطرق المتعارف عليها إلا في ثورة إدارية حقيقية تعلي من الجدارة والكفاءة والتنافس الفعلي وبناءالقدرات بالتساوي ، بحيث يعود لمفهوم الخبرة وسنوات الخدمة قيمتها كمؤشر في الترقية الوظيفية.

لقد شبعنا ارتجالات ومبادرات وخلوات تتناول ما يدعى بالإصلاح الإداري، حيث أتخمت الملفات بنظريات واستراتيجيات كان مصيرها الحفظ في أدراج النسيان، لأنه وببساطة شديدة ما زلنا ندار بنظرية One Man Show ، فما أن يجيء وزير حتى تختفي كل النظريات والممارسات والمبادرات، لتبدأ عملية الغربلة والفلترة حسب وجهة نظر الوزير الشخصية، والكارثة أن غالبية الوزراء ليسوا فنيين في مجالات وزاراتهم، بل تعتمد التحولات على مجرد الآراء الشخصية للوزير.

لقد وصلنا إلى مراحل غاية في الضحالة الإدارية وربما أكثر من ذلك بأننا في مراحل السفه الإداري، كيف يتماختيار الوزير أو المدير العام لموقع يفترض فيه أن يكون الفني والإداري الأول ، إلا أن طبيعة سمات وصفات الشخص المسؤول والتييشوبها الضعف وعدم التمكن من تفاصيل العمل العام ، فإنه يغرق في تفاصيل وشؤون وظيفية كثيرة تجعل منه وزيرا وأمينا عاما ومدير مديريات ورئيس أقسام ورئيس ديوان وجابي ومراقب دوام، فيتدخل في كل شاردة وواردة بشكل سفيه ، ثمة وزير حمل نفسه عديد من الملفات الوطنية بشكل شخصي، حيث كاد أن يغرق البلد في اجتهادات وفزعات ادارية كارثية، ولولا لطف الله لأودى بنا إلى مهاوي التهلكة نتيجة اعتقاده الشخصي أنه القادر على إدارة دفة الأزمات في الدولة، ناهيك عن تدخله الشخصي المقيت والمعيب في تعيينات وتنقلات وعقوبات ومكافآت وتفاصيل وظيفية صغيرة لا تستدعي أبداً مباشرته لها.

هل أحدثكم عن مدير عام يراقب ويتلصص على الهواتف الأرضية في المؤسسة التي هو مديرها بالغفلة وذات ترضية له بدلاً من التقاعد، هذا المدير يراقب ما يرد من بريد الكتروني لكل الموظفين ويراقب حركاتهم بين المكاتب ويراقب الهواتف الأرضية ، عدا عن ممارسات يندى لها جبين العمل العام، عندما يجعل من الموظفين مخبرين عن بعضهم، وعندما يستمتع في النميمة والغيبة أمام المدراء عن أحد الموظفين، وما عليهم إلا أن يطأطأوا رؤوسهم تأييدا لا بديل له، وإلا فإن من يرفض أو يمتنع مصيره يصير على كف عفريت.

هذان النمطان من المسؤولين تكتظ بهم الإدارة العامة، التي انحدرت للحضيض بهمة أمثالهما.

وزير وصل العتي به إلى أن يتصور أنه الآمر الناهي في مختلف مفاصل الدولة، وقام بتسفيه كافة المناصب والمواقع الإدارية في الوزارة كما هو الحال مع المدير العام ، فلم يعد لأي منصب قيمة بعد أن سرت الواسطة والجهوية الواضحة في مختلف المناقلات والتعيينات.

إن الفساد الإداري هو أس الفساد العام وهو أخطر أنواع الفساد لأنه الباب الواسع لولوج تلك الأنواع إلى أوردة المجتمع، فعندما يكون المسؤول ضعيفا وقابلا للفساد ، فهذا هو الباب للفساد المالي والسياسي والإعلامي وحتى السياحي.

نحن أضعنا الإدارة العامة عندما كان للموقع قيمة وهيبة ووقار وظيفي، فأصبح مجرد منصب لمكسب ووجاهة، وأصبح توزيع المواقع يستند لمعايير لا علاقة لها بمعايير الكفاءة والجدارة.

كنت ذات مرة قبل سنوات قد كتبت مقالة بعنوان " الغباء الإداري " ويبدو أنها ما زالت صالحة وبقوة في هذه المرحلة اللزجة من العمل العام.

نحن الآن نمر في أردأ حالاتنا من الإدارة العامة.

والحديث ذو شجون .. الحديث يطول.
 
تابعو الأردن 24 على google news