الكوادر الصحيّة.. مشاريع شهداء في عين الجائحة
جو 24 :
تزايد أعداد الإصابات بفيروس كورونا بين الكوادر الطبيّة يكشف خللا بنيويّا لا بدّ من تجاوزه قبل انهيار خطّ الدفاع الأول عن الأمن الصحّي لسائر البلاد.. عدم توفير كافّة وسائل الوقاية والسلامة العامّة للأطبّاء والمممرّضين، والتراخي في تحسين ظروف العمل، والإرهاق الذي تتعرّض له الكوادر الصحيّة، كلّها معطيات تنذر بما لا تحمد عقباه.
ماذا يعني أن يتصدّى الطبيب أو الممرّض مكشوف الصدر في مواجهة الجائحة، ومخاطر الإصابة بالعدوى، مضحيا بنفسه دون تلقّي أعلى درجات الإهتمام التي يستحقّها؟ وكيف يمكن أن تتصرّف وزارة الصحّة في حال تفشّي العدوى بين كوادرها إلى درجة تصعب السيطرة عليها لا قدّر الله؟!
كما أن الإحباط الذي تعانيه الكوادر الصحيّة نتيجة هذا الوضع قد يدفع البعض إلى عدم القيام بواجبه على أكمل وجه، وكثيرة هي الشكاوى التي وردت بهذا الصدد، والأمر بصراحة لم يكن مستبعدا في ظلّ الإرهاق الشديد الذي تتعرّض له هذه الكوادر.
أضف إلى ذلك أن عمل الطبيب أو الممرّض لمدّة 14 يوما بشكل متواصل، يجعله أكثر عرضة للإصابة، وبالتالي يزداد احتمال نقله للعدوى إلى أسرته أو المنطقة التي يقطن بها.. ناهيك بالإرهاق الكبير الذي سينعكس حتما على أدائه.
إرهاق الكوادر الصحيّة في بيئة عمل لا تتوفّر فيها أعلى معايير الوقاية والسلامة العامّة لا يمكن تفسيره إلاّ بالانتحار.. فماذا سيتبقّى لنا في مواجهة الجائحة في حال الفشل في تحصين خطّ الدفاع الأوّل وحماية جيشنا الأبيض؟!
إهمال الكوادر الصحيّة، وتركها تضحي دونما مقابل يليق بهذه التضحية، مسألة لا يمكن القبول بها على الإطلاق.. على وزارة الصحّة والحكومة تقديم ضمانات لحماية هذه الكوادر من جهة، وتأمينها بامتيازات ومكتسبات ترتقي إلى ما تقوم به في سبيل حماية المجتمع بأسره، من جهة أخرى.
ما نحتاجه حقّا هو وجود منظومة عمل متكاملة، تتمّ فيها مراكمة الخبرات، لوضع دليل إرشادي يمكّن من التعامل مع أيّة مستجدّات، والبناء على كلّ ما تراكم من خبرات بهدف التطوير والتحديث المستمرّ.
أمّا الارتجال فلا يمكن وصفه سوى باللعنة القاتلة، فكيف سيكون الوضع في حال ارتفاع أعداد الإصابات والوفيّات بين الأطباء والممرّضين، لا سمح الله؟!
ليس من المعقول في حال فقد الوطن شهيدا من كوادرنا الصحيّة أن يكتفي أحد المسؤولين بنعيه على شاشات الإعلام، فللشهيد حقّ لا يجوز التفريط به بأي حال من الأحوال، ولا بدّ أن تتلقّى أسرته وأبناءه الرعاية الامتيازات التي تليق بأبناء الشهداء.
التراخي في بناء منظومة متكاملة تضمن حماية الكوادر الصحيّة، وتأمين مستقبل عائلاتهم، مسألة في غاية الخطورة.. وعلى الجهات المعنيّة تدارك هذا الخلل الكارثي دون أيّ تلكؤ أو تأجيل!