مفاوضات سـرية جديدة .. هل من مفاجآت؟!
ياسر الزعاترة
جو 24 : من الواضح أن جولة جون كيري السادسة إلى المنطقة لم تكن كسابقاتها، إذ انتهت عمليا بإعلان ضمني باستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وأقله تمهيد الطريق أمام إعلان استئنافها، ولو بطريقة ملتوية عبر عقدها في واشنطن، وغالبا بين تسيبي ليفني وصائب عريقات، كما ذهب كيري الذي اعتبر أن ذلك بمثابة استئناف للمفاوضات.
في عمان، خرج كيري قائلا “يسرني أن أعلن أننا توصلنا لاتفاق يضع أساسا لاستئناف المفاوضات المباشرة بشأن قضايا الوضع النهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين”، لكن الطرف الفلسطيني بدا خجولا في الإعلان، إذ رفض الحديث عن استئناف المفاوضات، لكنه مهّد للعودة من خلال سحب الشرط المتعلق بالإفراج عن أسرى ووقف الاستيطان، مع الاكتفاء بشرط أن يكون التفاوض على قاعدة الدولة في حدود 67. ولما كان الطرف الإسرائيلي سيرفض ذلك، وقد رفضه بالفعل؛ فسيجري الاستعاضة عنه غالبا بالإفراج عن عدد محدود من الأسرى ذوي الأحكام العالية (معتقلون منذ ما قبل أوسلو) كحافز للسلطة، كما أعلن وزير الاستخبارات الإسرائيلي.
هكذا يتلاشى الشرط الأهم الذي أوقف المفاوضات كل هذه السنوات، ممثلا في وقف الاستيطان، وينتصر نتنياهو، ليس على الفلسطينيين فحسب، بل على أوباما الذي دفع محمود عباس لتبني هذا الشرط الذي لم يكن يتبناه أصلا؛ هو الذي فاوض أولمرت ثلاث سنوات، بينما كانت حكومته تمارس الاستيطان بشكل محموم كما لم تفعل أية حكومة سابقة.
ما ينبغي أن يتذكره الجميع هو أن توقف المفاوضات لم يكن يعني الكثير، اللهم سوى مخاوف اندلاع انتفاضة جديدة في الضفة الغربية، أما من الناحية العملية فالمسار الذي يريده نتنياهو، ويدركه محمود عباس جيدا، ماضٍ دون توقف ممثلا في التنسيق الأمني، ونقل الصلاحيات في بعض المناطق ذات الكثافة السكانية إلى ولاية السلطة، مع بقاء حق الاحتلال في دخولها لاعتقال من يشاء في أي وقت يشاء، من دون أن تتوقف السلطة بدورها عن ملاحقة المؤمنين بخيار المقاومة.
إنه مسار الحل الانتقالي بعيد المدى، بحسب شارون، والدولة المؤقتة بحسب بيريز وآخرون، والسلام الاقتصادي بحسب نتنياهو، وهو الخيار الذي تجمع عليه الساحة الإسرائيلية، فيما أعلن كيري نفسه تبنيه في مؤتمر دافوس على شاطئ البحر الميت، حين أعلن عن خطة كلفتها 4 مليارات دولار لدعم السلام الاقتصادي.
اليوم، يريد كيري أن يستأنف المفاوضات، ليس لأنه يؤمن بحتمية توصلها إلى اتفاق نهائي، بل لأن ذلك يُعد ضرورة لإغلاق الباب أمام احتمال اندلاع انتفاضة جديدة في الضفة الغربية، من دون أن نستبعد تماما الحل النهائي في حال بلغت الوقاحة بقيادة السلطة حد القبول بالشروط الإسرائيلية، أو بلغت “الجرأة” بنتنياهو حد القبول بما سبق أن عرضه صائب عريقات وأحمد قريع (بمواقفة رئيسهما) على تسيبي ليفني، وكشفته وثائق التفاوض، وهو ما أبدى أولمرت ما يشبه الندم على عدم الموافقة عليه، لاسيما أنه كان مغريا إلى درجة رهيبة، ونتذكر مقولة عريقات لليفني “إنني أعرض عليك أكبر اورشليم في التاريخ اليهودي”، ونتذكر التنازل عن حق العودة.
ما يمكن قوله في ضوء ذلك هو أن الهدف الأهم من كل هذه التحركات السياسية هو كما قلنا من قبل؛ إبقاء الأمل مفتوحا بتحقيق تقدم ما، وذلك خشية انفجار الشارع الفلسطيني في انتفاضة جديدة تصعب السيطرة عليها، وهي انتفاضة لا تستبعدها دوائر إسرائيلية كثيرة، وتبذل تبعا لذلك كل جهد ممكن من أجل منعها، فيما تتفق معها دون تردد قيادة السلطة الفلسطينية التي ترى فيها خطرا وجوديا يتهدد إنجازاتها ممثلة في (السلطة/ الدولة) في الضفة الغربية. وفي هذا السياق يتواصل التنسيق الأمني، والاعتقالات اليومية من السلطة والاحتلال في آن، وكذلك إعادة تشكيل الوعي في الضفة الغربية عبر الاستثمار والمال والأعمال، مع السيطرة على كل المنافذ التي يمكن أن يتسلسل منها فكر المقاومة.
ما لا يقل أهمية هو تهيئة الأجواء لاستكمال مشروع الدولة المؤقتة في حدود الجدار، والتي ستغدو في حالة نزاع حدودي مع جارتها، من دون أن يضطر قادتها إلى القول إنهم تنازلوا عن ثوابتهم، وسيكون من الجيد الاحتفال لاحقا بتطوير وضع تلك الدولة من عضو مراقب في الأمم المتحدة إلى عضو دائم في احتفالية مهيبة!! أما إذا أقرت تلك الدولة مع تفصيلات أخرى باتفاق عملي، فستكون ذلك هو الإعلان الضمني بتصفية القضية، لأن المؤقت لن يلبث أن يصبح دائما بمرور الوقت.
من المهم الإشارة هنا إلى أن نتنياهو يريد المفاوضات سرية، وهذا ما يفضله محمود عباس، وهنا تحديدا تكمن الخطورة، فالأخير الذي فاجأ العالم العربي والشعب الفلسطيني باتفاق أوسلو يمكن أن يفاجئ الجميع باتفاق بائس جديد، ثم يعرضه على استفتاء في الضفة الغربية دون القطاع والشتات، ثم يقول: هذه هي إرادة الشعب.
من المؤكد أن ما جرى في مصر قد ساهم في الدفع نحو هذا المسار، لكن أي تطور في المشهد العربي لن يحول دون انقلاب الفلسطينيين على هذه اللعبة برمتها، إن عاجلا أم آجلا، هم الذين لن يقبلوا باستمرار الاستيطان والتهويد، في ذات الوقت الذي لن يقبلوا دفن قضيتهم بدولة مؤقتة في حدود الجدار الأمني (أكثر بقليل من 10 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية) بلا سيادة، فضلا عن حل دائم بزيادة في بعض التفاصيل لا تغير في حقيقة كونه بائسا ومشوّها، ولو كان فقط بالتفاصيل التي كشفتها وثائق التفاوض.
(الدستور)
في عمان، خرج كيري قائلا “يسرني أن أعلن أننا توصلنا لاتفاق يضع أساسا لاستئناف المفاوضات المباشرة بشأن قضايا الوضع النهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين”، لكن الطرف الفلسطيني بدا خجولا في الإعلان، إذ رفض الحديث عن استئناف المفاوضات، لكنه مهّد للعودة من خلال سحب الشرط المتعلق بالإفراج عن أسرى ووقف الاستيطان، مع الاكتفاء بشرط أن يكون التفاوض على قاعدة الدولة في حدود 67. ولما كان الطرف الإسرائيلي سيرفض ذلك، وقد رفضه بالفعل؛ فسيجري الاستعاضة عنه غالبا بالإفراج عن عدد محدود من الأسرى ذوي الأحكام العالية (معتقلون منذ ما قبل أوسلو) كحافز للسلطة، كما أعلن وزير الاستخبارات الإسرائيلي.
هكذا يتلاشى الشرط الأهم الذي أوقف المفاوضات كل هذه السنوات، ممثلا في وقف الاستيطان، وينتصر نتنياهو، ليس على الفلسطينيين فحسب، بل على أوباما الذي دفع محمود عباس لتبني هذا الشرط الذي لم يكن يتبناه أصلا؛ هو الذي فاوض أولمرت ثلاث سنوات، بينما كانت حكومته تمارس الاستيطان بشكل محموم كما لم تفعل أية حكومة سابقة.
ما ينبغي أن يتذكره الجميع هو أن توقف المفاوضات لم يكن يعني الكثير، اللهم سوى مخاوف اندلاع انتفاضة جديدة في الضفة الغربية، أما من الناحية العملية فالمسار الذي يريده نتنياهو، ويدركه محمود عباس جيدا، ماضٍ دون توقف ممثلا في التنسيق الأمني، ونقل الصلاحيات في بعض المناطق ذات الكثافة السكانية إلى ولاية السلطة، مع بقاء حق الاحتلال في دخولها لاعتقال من يشاء في أي وقت يشاء، من دون أن تتوقف السلطة بدورها عن ملاحقة المؤمنين بخيار المقاومة.
إنه مسار الحل الانتقالي بعيد المدى، بحسب شارون، والدولة المؤقتة بحسب بيريز وآخرون، والسلام الاقتصادي بحسب نتنياهو، وهو الخيار الذي تجمع عليه الساحة الإسرائيلية، فيما أعلن كيري نفسه تبنيه في مؤتمر دافوس على شاطئ البحر الميت، حين أعلن عن خطة كلفتها 4 مليارات دولار لدعم السلام الاقتصادي.
اليوم، يريد كيري أن يستأنف المفاوضات، ليس لأنه يؤمن بحتمية توصلها إلى اتفاق نهائي، بل لأن ذلك يُعد ضرورة لإغلاق الباب أمام احتمال اندلاع انتفاضة جديدة في الضفة الغربية، من دون أن نستبعد تماما الحل النهائي في حال بلغت الوقاحة بقيادة السلطة حد القبول بالشروط الإسرائيلية، أو بلغت “الجرأة” بنتنياهو حد القبول بما سبق أن عرضه صائب عريقات وأحمد قريع (بمواقفة رئيسهما) على تسيبي ليفني، وكشفته وثائق التفاوض، وهو ما أبدى أولمرت ما يشبه الندم على عدم الموافقة عليه، لاسيما أنه كان مغريا إلى درجة رهيبة، ونتذكر مقولة عريقات لليفني “إنني أعرض عليك أكبر اورشليم في التاريخ اليهودي”، ونتذكر التنازل عن حق العودة.
ما يمكن قوله في ضوء ذلك هو أن الهدف الأهم من كل هذه التحركات السياسية هو كما قلنا من قبل؛ إبقاء الأمل مفتوحا بتحقيق تقدم ما، وذلك خشية انفجار الشارع الفلسطيني في انتفاضة جديدة تصعب السيطرة عليها، وهي انتفاضة لا تستبعدها دوائر إسرائيلية كثيرة، وتبذل تبعا لذلك كل جهد ممكن من أجل منعها، فيما تتفق معها دون تردد قيادة السلطة الفلسطينية التي ترى فيها خطرا وجوديا يتهدد إنجازاتها ممثلة في (السلطة/ الدولة) في الضفة الغربية. وفي هذا السياق يتواصل التنسيق الأمني، والاعتقالات اليومية من السلطة والاحتلال في آن، وكذلك إعادة تشكيل الوعي في الضفة الغربية عبر الاستثمار والمال والأعمال، مع السيطرة على كل المنافذ التي يمكن أن يتسلسل منها فكر المقاومة.
ما لا يقل أهمية هو تهيئة الأجواء لاستكمال مشروع الدولة المؤقتة في حدود الجدار، والتي ستغدو في حالة نزاع حدودي مع جارتها، من دون أن يضطر قادتها إلى القول إنهم تنازلوا عن ثوابتهم، وسيكون من الجيد الاحتفال لاحقا بتطوير وضع تلك الدولة من عضو مراقب في الأمم المتحدة إلى عضو دائم في احتفالية مهيبة!! أما إذا أقرت تلك الدولة مع تفصيلات أخرى باتفاق عملي، فستكون ذلك هو الإعلان الضمني بتصفية القضية، لأن المؤقت لن يلبث أن يصبح دائما بمرور الوقت.
من المهم الإشارة هنا إلى أن نتنياهو يريد المفاوضات سرية، وهذا ما يفضله محمود عباس، وهنا تحديدا تكمن الخطورة، فالأخير الذي فاجأ العالم العربي والشعب الفلسطيني باتفاق أوسلو يمكن أن يفاجئ الجميع باتفاق بائس جديد، ثم يعرضه على استفتاء في الضفة الغربية دون القطاع والشتات، ثم يقول: هذه هي إرادة الشعب.
من المؤكد أن ما جرى في مصر قد ساهم في الدفع نحو هذا المسار، لكن أي تطور في المشهد العربي لن يحول دون انقلاب الفلسطينيين على هذه اللعبة برمتها، إن عاجلا أم آجلا، هم الذين لن يقبلوا باستمرار الاستيطان والتهويد، في ذات الوقت الذي لن يقبلوا دفن قضيتهم بدولة مؤقتة في حدود الجدار الأمني (أكثر بقليل من 10 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية) بلا سيادة، فضلا عن حل دائم بزيادة في بعض التفاصيل لا تغير في حقيقة كونه بائسا ومشوّها، ولو كان فقط بالتفاصيل التي كشفتها وثائق التفاوض.
(الدستور)