حكومة 25 يناير وحكومة 30 يونيو!!
ياسر الزعاترة
جو 24 : للتذكير فقط، فقد بدأت عملية الشيطنة للرئيس محمد مرسي منذ اليوم الأول، وليس بعد فشله المزعوم في إدارة البلاد، ما يعني أن القضية ليست رمانة “بل قلوب ملآنة” كما يقول المثل الشعبي.
في سياق فضيحة مزاعم الفشل كسبب للانقلاب على مرسي، جاء تشكيل الحكومة الجديدة ليكشف حقيقة المؤامرة التي يماري في وجودها أدعياء الثورة واستكمال أهداف ثورة 25 يناير، الذين استبدلوا رئيسا منتخبا كان يدعوهم إلى صناديق الاقتراع الحرة، استبدلوه بوصاية العسكر.
تشكلت الحكومة الجديدة من سبعة وزراء من القوى المحسوبة على المعارضة، مع حشد من الرموز المحسوبين على النظام السابق، لكن اللافت في التشكيل هو بقاء سبعة من وزراء حكومة هشام قنديل في الحكومة الجديدة، وهم وزراء الدفاع والداخلية والسياحة والكهرباء والآثار والإنتاج الحربي والاتصالات.
بعد ساعة فقط من الإطاحة بالرئيس مرسي، حُلت أزمة الكهرباء والمحروقات في مصر، مع أن وزير الكهرباء قد بقي في مكانه، ومؤكد أن لا صلة لوزير النفط مثلا بأزمة المحروقات في البلاد، ولو صحّ ذلك، لاحتاج حل الأزمة إلى شهور، مع العلم أن الحل قد جاء بينما هو لم يغادر منصبه عمليا.
هل يمكن أن يكون ذلك محض مصادفة؟ كلا، إنه تأكيد على أن الدولة العميقة هي التي كانت تتحكم بمفاصل البلاد؟ وهي التي كانت تسعى بكل ما أوتيت من قوة لافشال الحكومة، وبعدها الرئيس، مع العلم أن وزير التموين الناجح جدا قد عُرضت عليه المشاركة في الحكومة الجديدة، لكنه رفض.
الوزراء الذين جاؤوا من الحكومة القديمة ليسوا هامشيين بحال، فمن بينهم وزير الدفاع الذي كان يوحي للرئيس بأنه يقف إلى جانبه، وأنه لا يهتم بالسياسة، بقدر اهتمامه بإعادة ترميم الجيش المصري الذي أنهكته حقبة مبارك في سياق من تمرير التوريث.
وزير الدفاع (مهندس الانقلاب) انتقل إلى الحكومة الجديدة, وكذلك حال وزير الداخلية الذي كان يُتهم بقمع المتظاهرين وعدم تغيير شيء في منظومة الأمن، وكذلك حال الوزراء الآخرين الذين لهم أهميتهم أيضا في منظومة الحكومة.
الحكومة إذن لم تكن فاشلة، بل كانت تخضع لعملية إفشال، ما يعني أن معزوفة تغييرها لم تكن سوى لعبة للمناكفة، وإذلال الرئيس، مع العلم أنه وافق في خطابه الأخير على تغييرها، كما وافق على تعديل الدستور وتغيير النائب العام، لكن ذلك لم يكن كافيا لأن رأسه هو الذي كان مطلوبا، وليس رئيس الحكومة الذي لم يعتقل ولم توجه له أية تهمة، مع أن كان صاحب سلطة تنفيذية، والأصل أن يحاسب على فساده إذا كان فاسدا، أو تقصيره إذا كان مقصرا.
واقع الحال هو أن مرسي ظل طوال عام كامل على هامش السلطة، ولم يأخذ منها سوى الشكل الخارجي، بينما بقيت منظومة الإعلام والجيش والأمن خارج سيطرته (وسوطها الأقوى؛ القضاء)، بل إنها كانت تعمل ضده من الناحية العملية، وما اضرابات الضباط عنا ببعيد (هل سيضربون من جديد؟!).
ألم يكن أولئك الضباط يحتجون على وزير الداخلية ويطالبون بإقالته، فلماذا لم يتم تغييره، على الأقل من أجل الإيحاء بالتغيير؟! ألا يعني أنه كان جزءا مهما من منظومة الإفشال، ومن ثم التآمر للإطاحة بالرئيس المنتخب.
ألا يشير ذلك إلى سخف حكاية “الأخونة” التي أوجعوا رؤوسنا بها، وإذا بها تنجلي عن لا شيء، إذ أن الدولة العميقة كانت على حالها، فيما كان الرئيس وحزبه على الهامش يحاولون التوغل فيها دون جدوى بسبب شراسة الهجمة وعمليات الشيطنة اليومية.
الدولة الحديثة عصية على الترويض، وقد احتاج أردوغان لعشر سنوات كي يتمكن من التأثير في مفاصلها، هو الذي فاز بنسبة أهلته لتشكيل الحكومة منفردا دون التحالف مع أي طرف آخر، وليس كحال الإخوان الذين لم يحصلوا على الأغلبية، وإن جاؤوا في المرتبة الأولى.
لقد قلنا عشرات المرات خلال عام مضى أن مرسي لا يملك سلطة، لا على الأمن ولا على الجيش ولا على الإعلام، بينما يعمل القضاء ضده بطريقة سافرة (كرأس حربة)، ولو ملك سلطة على المؤسسة الأمنية والعسكرية لخفت حدة الشيطنة التي كان يتعرض لها، ولتغير موقف القضاء، وحين كان بعض الإخوان يتحدثون عن ولاء الجيش للرئيس، أو حياده في أقل تقدير، كنا نشكك في ذلك، لكنهم نجحوا في بث هذا الوهم، وصدَّقه الرئيس مع الأسف، فكان ما كان.
لم نكن بحاجة إلى تشكيل الحكومة لكي نتأكد من حقيقة المؤامرة التي تعرض لها الرئيس وصولا إلى الانقلاب عليه، لكنهم أبوا إلا أن يمنحونا دليلا جديدا صارخا على ذلك، وها إن أحد الذين شرَّعوا الانقلاب (عبد المنعم أبو الفتوح) يقول بالفم الملآن إن: “ثورة يناير تتعرض لخطر شديد مما نراه الآن من الارتداد المريب إلى نظام مبارك دون مبارك نفسه”. صحِّ النوم.
(الدستور)
في سياق فضيحة مزاعم الفشل كسبب للانقلاب على مرسي، جاء تشكيل الحكومة الجديدة ليكشف حقيقة المؤامرة التي يماري في وجودها أدعياء الثورة واستكمال أهداف ثورة 25 يناير، الذين استبدلوا رئيسا منتخبا كان يدعوهم إلى صناديق الاقتراع الحرة، استبدلوه بوصاية العسكر.
تشكلت الحكومة الجديدة من سبعة وزراء من القوى المحسوبة على المعارضة، مع حشد من الرموز المحسوبين على النظام السابق، لكن اللافت في التشكيل هو بقاء سبعة من وزراء حكومة هشام قنديل في الحكومة الجديدة، وهم وزراء الدفاع والداخلية والسياحة والكهرباء والآثار والإنتاج الحربي والاتصالات.
بعد ساعة فقط من الإطاحة بالرئيس مرسي، حُلت أزمة الكهرباء والمحروقات في مصر، مع أن وزير الكهرباء قد بقي في مكانه، ومؤكد أن لا صلة لوزير النفط مثلا بأزمة المحروقات في البلاد، ولو صحّ ذلك، لاحتاج حل الأزمة إلى شهور، مع العلم أن الحل قد جاء بينما هو لم يغادر منصبه عمليا.
هل يمكن أن يكون ذلك محض مصادفة؟ كلا، إنه تأكيد على أن الدولة العميقة هي التي كانت تتحكم بمفاصل البلاد؟ وهي التي كانت تسعى بكل ما أوتيت من قوة لافشال الحكومة، وبعدها الرئيس، مع العلم أن وزير التموين الناجح جدا قد عُرضت عليه المشاركة في الحكومة الجديدة، لكنه رفض.
الوزراء الذين جاؤوا من الحكومة القديمة ليسوا هامشيين بحال، فمن بينهم وزير الدفاع الذي كان يوحي للرئيس بأنه يقف إلى جانبه، وأنه لا يهتم بالسياسة، بقدر اهتمامه بإعادة ترميم الجيش المصري الذي أنهكته حقبة مبارك في سياق من تمرير التوريث.
وزير الدفاع (مهندس الانقلاب) انتقل إلى الحكومة الجديدة, وكذلك حال وزير الداخلية الذي كان يُتهم بقمع المتظاهرين وعدم تغيير شيء في منظومة الأمن، وكذلك حال الوزراء الآخرين الذين لهم أهميتهم أيضا في منظومة الحكومة.
الحكومة إذن لم تكن فاشلة، بل كانت تخضع لعملية إفشال، ما يعني أن معزوفة تغييرها لم تكن سوى لعبة للمناكفة، وإذلال الرئيس، مع العلم أنه وافق في خطابه الأخير على تغييرها، كما وافق على تعديل الدستور وتغيير النائب العام، لكن ذلك لم يكن كافيا لأن رأسه هو الذي كان مطلوبا، وليس رئيس الحكومة الذي لم يعتقل ولم توجه له أية تهمة، مع أن كان صاحب سلطة تنفيذية، والأصل أن يحاسب على فساده إذا كان فاسدا، أو تقصيره إذا كان مقصرا.
واقع الحال هو أن مرسي ظل طوال عام كامل على هامش السلطة، ولم يأخذ منها سوى الشكل الخارجي، بينما بقيت منظومة الإعلام والجيش والأمن خارج سيطرته (وسوطها الأقوى؛ القضاء)، بل إنها كانت تعمل ضده من الناحية العملية، وما اضرابات الضباط عنا ببعيد (هل سيضربون من جديد؟!).
ألم يكن أولئك الضباط يحتجون على وزير الداخلية ويطالبون بإقالته، فلماذا لم يتم تغييره، على الأقل من أجل الإيحاء بالتغيير؟! ألا يعني أنه كان جزءا مهما من منظومة الإفشال، ومن ثم التآمر للإطاحة بالرئيس المنتخب.
ألا يشير ذلك إلى سخف حكاية “الأخونة” التي أوجعوا رؤوسنا بها، وإذا بها تنجلي عن لا شيء، إذ أن الدولة العميقة كانت على حالها، فيما كان الرئيس وحزبه على الهامش يحاولون التوغل فيها دون جدوى بسبب شراسة الهجمة وعمليات الشيطنة اليومية.
الدولة الحديثة عصية على الترويض، وقد احتاج أردوغان لعشر سنوات كي يتمكن من التأثير في مفاصلها، هو الذي فاز بنسبة أهلته لتشكيل الحكومة منفردا دون التحالف مع أي طرف آخر، وليس كحال الإخوان الذين لم يحصلوا على الأغلبية، وإن جاؤوا في المرتبة الأولى.
لقد قلنا عشرات المرات خلال عام مضى أن مرسي لا يملك سلطة، لا على الأمن ولا على الجيش ولا على الإعلام، بينما يعمل القضاء ضده بطريقة سافرة (كرأس حربة)، ولو ملك سلطة على المؤسسة الأمنية والعسكرية لخفت حدة الشيطنة التي كان يتعرض لها، ولتغير موقف القضاء، وحين كان بعض الإخوان يتحدثون عن ولاء الجيش للرئيس، أو حياده في أقل تقدير، كنا نشكك في ذلك، لكنهم نجحوا في بث هذا الوهم، وصدَّقه الرئيس مع الأسف، فكان ما كان.
لم نكن بحاجة إلى تشكيل الحكومة لكي نتأكد من حقيقة المؤامرة التي تعرض لها الرئيس وصولا إلى الانقلاب عليه، لكنهم أبوا إلا أن يمنحونا دليلا جديدا صارخا على ذلك، وها إن أحد الذين شرَّعوا الانقلاب (عبد المنعم أبو الفتوح) يقول بالفم الملآن إن: “ثورة يناير تتعرض لخطر شديد مما نراه الآن من الارتداد المريب إلى نظام مبارك دون مبارك نفسه”. صحِّ النوم.
(الدستور)