الحلول الامنية اسرع اسباب هيجان الناس
علي السنيد نائب
جو 24 :
الحلول الامنية عند مواجهة الازمات السياسية هي اسرع اسباب هيجان الناس ، والركون اليها بقدر ما يؤشر الى فشل السياسيين في ادارة دفة الخلاف السياسي، فهو يفضي الى فقدان الدولة لسلامها وامنها الداخلي، وهو ينقل الصراع الى القاعدة الاجتماعية، ويؤسس لفتنة قد تأخذ مداها مع الزمن.
وقد اثبتت تجربة الدول الناهضة ان ارادة الشعوب وتحقيقها هي مطلب ومبتغى عملية الحكم الراشدة ، وان السياسي الاقدر على البقاء هو ذلك الذي يتجاوز صناعة الصراع مع الناس الى زيادة اعداد المؤيدين له وتقليص عدد الخصوم على خلفية السياسات المتبعة.
ولذلك يحاكي الحكم مقاصد الحكمة وتعتبر طبقة الحكم بيت الحكمة التي يتركز فيها العقل الجمعي للدولة. وتمثل تطورات الاجيال ومخزون التجربة السياسية.. والتي تتخذ القرارات السليمة لصالح الناس وتطلعاتهم الوطنية وتربط قراراتها بالرضى الشعبي وتحقيق الصالح العام والحفاظ على تحقيق ارادة الاغلبية.
وان فن ادارة الشعوب يحتاج الى برنامج توافقي يؤمن بقاء الاغلبية في صالح الحكومات التي تباشر عملية الحكم. وعندما تفقد هذه الاغلبية لا يمكن لها الاستمرار، واذا ركنت الحكومات الى الحل الامني في تسوية الخلافات مع الناس فهي اظهر مؤشرات تآكل هذه القاعدة، وبالتالي التناقص الحاد في الشرعية.
والحلول الامنية اثبتت فشلها الذريع في مجمل الاقليم العربي الذي انزاحت العديد من دوله نحو الفوضى في العقود الاخيرة. وما كانت قادرة على حسم الصراع بهذه الطريقة، وهي تجربة لا يمكن استحضارها .
والاولى في الاردن هو استعادة روح الحوار الوطني واجراء مراجعة شاملة للنهج المتبع والية تشكيل الحكومات المخالف لابسط معايير المصلحة العامة.
والخطوة الاولى تبدأ من استعادة ثقة الشعب بالعملية الانتخابية التي تسفر عن انتاج مؤسسات الحكم. وهذا يدعو الى ضرورة تحفيز القاعدة الشعبية التي عزفت عن التصويت في الانتخابات النيابية الاخيرة واحجمت عن ممارسة حقها الانتخابي كاحتجاج على جدوى المشاركة على ذات القانون الانتخابي مع استمرار التراجع في اداء مؤسسات الدولة ومخرجاتها من الحقوق والحريات العامة. وقد ادى الى خروج قوى المجتمع المدني تقريبا من معادلة الداخل السياسي الاردني لتهيمن بدورها الجهوية على مؤسسات الدولة مما عمق ازمة التنمية والمواطنة والعدالة الاجتماعية وسادت الواسطة والمحسوبية والفساد وتضررت صورة الدولة في عيون مواطنيها.
وقد تراجع الاداء العام للدولة وسادت اجواء التشكيك وتبادل الاتهامات. وانهارت المعنويات العامة لدى العامة. ولذلك لا بد من استعادة المبادرة في خرط الناس مجددا في عملية انتخابية مجدية على اساس قانون انتخابي جديد يحفز الاردنيين على المشاركة. ويمثل حقهم المشروع في عملية الحكم وبالتالي تحمل نتائجها.
وكي نتجنب انفلات الشارع غير المنظم فان المصلحة العامة تقتضي احياء الحياة الحزبية والنقابية واعطائها القدرة مجددا على تأطير الاردنيين وتمثيلهم والتعبير عن ارادتهم الوطنية وتأهيل اجيالهم في العمل السياسي ذلك ان الحياة الحزبية والنقابية هي مولدة للنخب التي تتقدم بها الى القواعد الشعبية والتي بدورها تقترع عليها لمثيلها في مجلس الامة وكي يمثل الاغلبية التي تتشكل من خلالها الحكومات وبذلك لا ينفصل الشعب عن حكوماته ولا تتحول الدولة الى حلبة صراع ويصل الحكم والشعب فيها الى طرفي نقيض.
وتصبح السياسيات المنبثقة عن الحكومات نابعة عن ارادة الشعب الحقيقية من خلال ممثليه ولا ينتصل عن المسؤولية المقترنة بالمحاسبة و المترتبة على ممارسة السلطة.
التوافق الوطني هو الخيار الاوحد للمستقبل الامن. وهو كلمة سواء حيث الاوطان لا تعيش حالة مكاسرة وهي لا تمثل اطرافا متناقضة يصفي بعضها البعض وانما تنهض وتتطور بوصول جميع الاطراف الى تسوية عادلة تضمن التوافق على الاولويات.
لا شك ان التهرب من استحقاقات الحالة الشعبية امر لا يمكن له ان يستمر طويلا، والسياسي الذي يرجح الخيار الامني يؤكد عدم قدرته على الحوار، وتهربه من حقوق الناس ومطالبهم العادلة، ويستعيد اساليب قديمة في الحكم تجاوزتها الانظمة الحديثة في تعاملاتها مع الشعوب التي باتت تحاسب حكوماتها على الرفاهية.