jo24_banner
jo24_banner

كارثة اسمها "التوجيهي" في الأردن

نضال منصور
جو 24 : عاش الأردن ليلة الخميس وبعد إفطار رمضان حفلاً في كافة مناطقه بعد إعلان نتائج التوجيهي، ورغم كل التحذيرات من وزارة الداخلية بضرورة تجنب استخدام الأسلحة للتعبير عن الفرح، فإن صوت الرصاص والألعاب النارية طغى على كل شيء، والمحصلة حسب أرقام الأمن العام 12 مصاباً بأعيرة نارية، وما يقارب 1450 مخالفة للسيارات التي تغلق الطرق أو يخرج الطلبة والطالبات أجسادهم منها.

طقوس التوجيهي في الأردن لا تتغير، رغم تغير الزمن، فالعائلات تعيش حالة رعب قبل وخلال الامتحانات، والجدل حول الامتحانات ومستواها مستمر، والجديد في السنوات الماضية تطور وسائل الغش، اعتماداً على تطور وسائل الاتصالات، حتى أن وزارة التربية لم تخجل من الطلب من شركات الاتصالات تعطيل خدمات "الواتس أب"، و"الفايبر" خلال الامتحانات.

المفاجأة كانت هذا العام تزايد الإشاعات عن تسريب أسئلة التوجيهي، واضطرت وزارة التربية بعد الإنكار إلى الاعتراف بحدوث تسريب بعض المباحث وتحويل المتهمين للادعاء العام.

هذا التطور السيئ في امتحان التوجيهي يبدو أنه كان غائباً عن وزير التربية عند إعلانه النتائج، فقد ركز على مصداقية وعدالة امتحان التوجيهي، وينتابني سؤال: أين المصداقية والعدالة بعد اقتحام مدارس، وتهديد معلمين، والغش العلني، وتسريب الأسئلة؟!.

هل يمكن لطالب أو طالبة حصد معدل 85 % بتعبه وجده أن يرتاح، وهو يعلم أن طلاباً آخرين حصلوا على معدلات فوق 90 % وأكثر، بالغش، وباطلاعهم على الأسئلة قبل الامتحان، وهو ربما لن يحصل على مقعد في الجامعة على أسس التنافسية، والآخر سيدخل بالتنافس معززاً مكرماً!.

آن الأوان لنتخلص من "ماركة" امتحان التوجيهي، ونعيد القول بأن امتحانات الثانوية العامة أصبحت من مخلفات الماضي، وهي تعيد إنتاج منظومة التعليم التي لا تشجع على تنمية العقل والإبداع والبحث العلمي، بل التلقين والحفظ، والأهم أنها لا تكشف عن مهارات الطلبة وميولهم ورغباتهم، والكارثة الأكبر أن معدلاتهم هي الأساس لدراستهم الجامعية، فقد يحصل طالب على معدل 80 % ولكنه مبدع بالرسم المعماري، وربما يتفوق ألف مرة على طالب حصل على 97 % ويسمح له بدراسة العمارة حتى لو كان لا يملك المهارات المطلوبة، وهذا ينطبق على كل التخصصات والمهن، وحتى التدريس الذي نعطيه أقل المعدلات للقبول، هو مهارة قد لا يجيدها أكثرية المعلمين الذين أصبحوا معلمين لأن معدلاتهم في التوجيهي سمحت لهم بذلك فقط!.

ما لم يتغير نظامنا التعليمي، فإن مخرجات التعليم لسوق العمل ستظل كارثية ومقلقة، فغالبية الخريجين من الجامعات يحملون شهادات أو ما يطلقون عليها "الكرتونة"، غير أنهم لا يتقنون ما تعلموه، ولم تضف لهم الجامعات ما يدخلهم لعبة التنافس لسوق العمل، وحتى لا أبتعد، فإني أسأل كم عدد خريجي الصحافة والإعلام منذ عام 1980 حتى الآن من كل الجامعات، وكم فعلياً عدد الإعلاميين المحترفين الذين يشار لهم بالبنان؟!.

الأزمة تزداد يوماً بعد يوم، فعدد طلاب التوجيهي بحدود 100 ألف، ومقاعد الجامعات أقل بكثير، وحاجة سوق العمل تكاد لا تذكر، خاصة أن الأغلبية تذهب لتخصصات متخمة، والأدهى الآن وجود أكثر من 13 ألفا حصلوا على معدل أكثر من 90 %، وحوالى 4 آلاف معدلاتهم فوق 95 %، وهذا يعني أن من سيقبل بالطب يجب أن يكون معدله 99 %، والهندسة فوق 97 %، ولا بواكي لأهالي الطلبة الذي سيضطرون لتسجيل أبنائهم على نظام التعليم الموازي وبأقساط مالية أعلى حتى يضمنوا مقاعد لهم.

أعجبتني حلقة خواطر عن المهن في بريطانيا، فـ"السمكري" أو مصلّح الأدوات الصحية يعتبر مهندساً ودخله يزيد على دخل الطبيب والمهندس، وسائق التاكسي يخضع لدراسة تزيد على أربع سنوات، وهو مصدر فخر لعائلته لأنه يقود التاكسي الأسود، بما يحمل من دلالات على ثقافته وسعة اطلاعه.

وخلاصة القول؛ ما لم نتحرك الآن لتعديل كل منظومة التعليم، فنحن ندمر مستقبل بلدنا وأجيالنا القادمة!.


(الغد)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير