كوبونات النّواب واليدُ السّفلى
سالم الفلاحات
جو 24 :
كتب نائب أمين عام حزب الشراكة والانقاذ، سالم الفلاحات -
أعوذ بالله ان أحرم محتاجا أو أقطع لقمة عن فم جائع سيما مع تكاثرهم ومنهم الملحاح المتسول ومنهم المتعفف المتظاهر بالكفاية وهو أشد حاجة، لكن ما اعنيه وأعاني منه أعمق من ذلك وهو شيء آخر.
اليد السفلى أصبحت وسيلة معتمدة وهي الإفقار وليس الفقر، وغدت وصفةً ناجعةً لترسيخ العبودية واستمرارها، وسلخ شريحة كبيرة من المجتمع للانشغال بحاجاتها الأساسية، والابتعاد عن التفكير بالهم العام والقضايا الوطنية الكبرى, كما المح أبو حنيفة النعمان رحمه الله:ــ لو احتجتُ بصلةً ما حللْت مسألة.
اليد السفلى يراد لها ان تتكاثر لتصبح الأغلبية في المجتمعات ليكثر المتذللون للمعطي حتى لو كانوا أغنياء، والاذلاء بسبب الحاجة والطمع أحيانا ولو كنت مقعدا في اخر يوم من حياتي، لتصبح هذه عندهم غاية الغايات حتى يقول المسكين اللهم توفني شبعانا!
ويقول الجشع الباحث عما لا يستحق ماديا ومعنويا اللهم أمتني وزيرا او نائبا او موظفا كبيرا منتفخ الجيب، صهرا لأحد القوارين الأثرياء.
تربية المجتمع باليد السفلى يتمثل بتكاثر الجمعيات الخيرية كتكاثر الأميبا ,وبعضها استرزاقي بالحرام، ولا علاقة له بفعل الخير, انما هو استثمار خفي حتى لو نال بعض المحتاجين بعض الفتات، وهو تنفيع للبعض كخطوط الباصات قديما ورشوة من نوع متقدم.
اليد السفلى تربي رب العائلة ثم من يعول على التبعية والذل والتذلل للمعطي، وتسلبه ارادته في المستقبل بعد تدمير كرامته وانسانيته.
اليد السفلى والأكثر ( سُفولا) هي يد من يظهرون أمام الناس كبارا , يلبسون احسن الثياب ويركبون افخم السيارات , ويقدمون في المجالس والمحافل , وأصحاب أموال ومشاريع , وأصحاب السنة ذَربة تكاد تقول شعرا من بلاغتها , او هم قادةٌ أو بمرتبة القادة , لكنهم يستعْطُون ولكن ليس استعطاء المساكين، انما يمدون أيديهم بذلة اليد السفلى لنيل المناصب والمواقع المتقدمة التي هي مهوى الذباب وبعض التراب، ولا يمتلئ منها جوفُ هائمٍ بها ,ثَملٍ ببريقها ,وقد لا يدرك منها الاّ السّراب , فهي ليست النفس التي تردّها اللقمة واللقمتان.
استثارني في الموضوع مع ظن البعض انه هامشي ما اعطته الحكومة للنواب في شهر رمضان من كوبونات توزع بواسطتهم المعروفة للفقراء والمحتاجين او للمقربين والزبائن الدائمين، مع انها لا تسدّ حاجةَ فقير ولا تحلّ مشكلة مُعْسر، مع ان النواب لا يملكون كالجمعيات المتخصصة سجلات ودراسات ميدانية علمية للمحتاجين ويظهر انّ هذا غير مطلوب!
لماذا لا تجعل هذه الأموال للجهات المختصة في الحكومة والمؤسسات التي تراقبها الوزارة وتثق بها ,ويظهر انّ حالها أيضا كحال الإعفاءات الطبية التي لا تجعل لوزارة الصحة المختصة وهكذا في مجالات عديدة.
هل الحكومة لا تثق بأجهزتها ومؤسساتها ووزارتها المختصة بهذا الشأن؟
أم انّ هناك أسبابا أخرى لم تجعل الوزارة المعنية تعترض ,أو يُسمع لها صوت ٌبحدود علمنا ؟!.
كنت أتوقع أن يرفض النواب أو بعضُهم هذا العرض المشبوه بل ويعترضون على النهج نفسه ,انا لم أسمع انّ أحدا من النواب رفض وساءل الحكومة أم انه حكّموا المثل السائر ( بيت ابوك منهوب منهوب خذ لك منه عمود).
ظننت ان بعضهم على الأقل سيرفض كما رفض نواب آخرون في أوقات الخير السابقة سيارة بلا جمرك للنائب، أو امتيازات خاصة.
رحم الله الأيامَ الخوالي، والرجال الغَوالي.
أتذكّر. ..... وهذه ضريبة طول العمر وحضور الذاكرة التي يغزوها النسيان أحيانا.
- أتذكر انّه سبق لحكومة أن وزعت شيكات على النواب ليوزعوها على المحتاجين من معارفهم وربما للطلاب الجامعيين الدارسين!! انظروا كيف تتسافـل الايدي (ليست شتيمة انما اقصد سفلى تحت سفلى وسامح الله العربية حَمّالة أوجه).
- وأتذكر حكومة او حكومات خصصت لكل نائب عددا من الوظائف يُنعم بها النائب على من شاء من محاسبيه !!
- وأتذكر انّ حكومات خصصت لكل نائب عددا من تأشيرات الحج (نعم الحج لبيت الله الحرام) لتوّزع على الأصدقاء الراغبين بالحج ,او السياحة الدينية! وكان النواب المسيحيون مشكورين يوزعونها على مسلمين حسب أسس يضعونها، ربما من أجل تقوية اللحمة الوطنية!!
- وأتذكر انّ نوّابا يحظون بالسّفرات الخارجية طبعا (قبل كورونا!!) والمياومات ويُحرم آخرون، والجميع يخضع لميزان عدالة حساس وشفاف وهو مدى الموافقة والتصويت المرغوب.
- وأتذكر انّ حكومات كانت توصي وزاراتها بتسهيل مهمة بعض النواب وإنجاز معاملاتهم، بينما عليها وجوبا وتحت طائلة المسؤولية انْ تضيّق على آخرين ,ولا تنفذ لهم طلبا من أجل قادمات الأيام وخدمة للمصلحة الوطنية فقط.
وهذا كله الذي تراه فوق الطاولة، وهو معلنٌ ويتفاخر به، وكما يقول بقية العرب: (لا حَيا منْها ولا من رجالها).
امّا ما تحت الطاولة /من صدقة السر الخفية/!! فانا لست خبيرا به كثيرا، ربما بسبب محدودية ونوعية معارفي، لكنّه الأوسع انتشار ا والأكثر تأثيرا وإن كنت أعرف بعضه الذي يصرح به أهله دون مواربةٍ وهم ما عنيتهم باليد السفلى الأقذر والأخطر، كلّ هذا ونحن في عصر الشفافية ودولة القانون والمؤسسات،وهيئة النّزاهة ومحاربة الفساد.
عذرا يا سادة إنّها قضية هامشيّة لا يثيرها إلّا الّذين لا يرون الاّ الجزء الفارغ من الكأس الوطني، ومن العبث ان نتحدث عنها لأنها كلها لا تساوي شيئا، بل وتغرق لقلتها في بحر الإنجازات العظمى والفضائل الكبرى التي لا تراها عيونكم أيها الجاحدون!!
وهل سيخلو مجتمع حتى في المدينة الفاضلة من بعض الخلل؟ أتريدوننا ملائكة؟ ولا زلتم تتحدثون عن تغيير النهج والاصلاح.
انظروا إلى منْ حَولكم
ما لكم كيف تحكمـــــــــون؟