jo24_banner
jo24_banner

أبعد من مجرد حادثة لانقطاع التيار الكهربائي

د. عبدالحكيم الحسبان
جو 24 :
منذ سنين وانا اكتب عن ملف الطاقة في البلاد وعن الطلاسم التي يراد لها ان تحيط به كي يبقى ملفا عصيا على الفهم وبالتالي عصيا على الرقابة والادارة من قبل المجتمع والدولة ومؤسساتهما.

الانقطاع بالامس كان كارثيا، ويمكن لاي عقل بسيط ان يتخيل عشرات بل مئات الانواع من الاضرار التي اصابت الاقتصاد والحياة.

فوجىء الناس بالامس بالرواية الحكومية التي عزت سبب الانقطاع الى انقطاع في الخط الناقل المصري، وكانت مفاجاتنا بالسبب الذي ساقته الحكومة لتبرر الانقطاع اكثر من مفاجاتنا بانقطاع الكهرباء نفسه. فقد اكتشفنا بالامس ان مصر هي من ينتج الكهرباء لنا في حين ان الارقام التي تعلنها وزارة الطاقة تتحدث عن فائض في الانتاج المحلي من الكهرباء لدرجة ان الوزارة تمارس سياسات تحد بل

وتمنع التوسع في انتاج الطاقة النظيفة والمتجددة حرصا منها على ابقاء ملف الطاقة انتاجا وتوزيعا وتسعيرا واستطرادا اغتناءا بيد من هي بيده.
انقطاع الكهرباء بالامس ووفق المبرر الذي قدمته الحكومة يعني اننا امام حقيقة بل وخطيئة جديدة ترتكب باسم الطاقة، وهي شراء الكهرباء من مصر لان اسعاره يتم بتكلفة اقل من تكلفة انتاجه في الاردن وبيعه للمستهلك الاردني بالسعر الجنوني الذي تعرفونه ولطالما اكتوى الاردنيون بناره.
اجزم ان ملف الطاقة في البلاد هو ملف يمكنك ان تجد فيه اكثر من ٦٠ بالمئة من الشر والمرض والبؤس والفقر الذي يعاني منه الاردنيون. مع الانتباه لمعنى القول الماثور لعلي بن ابي طالب " ما اغتنى غني الا بفقر فقير"
اذا اردت ان تفهم الشر الذي لحق بالاردنيبن جراء فقرهم وافقارهم فابحث في ملف الطاقة.

واذا اردت ان تفهم الكيفية التي يتم بها سحب اكثر من خمسة مليارات من الدولارات التائهة مصيرا من جيوب الاردنيين فما عليك الا ان تبحث في ملف الطاقة وادارته.

واذا اردت ان تفهم لماذا يختنق الاردنيون قي سياراتهم التي باتت تقطع المسافة بين عمان واربد باكثر من

ساعتين، فعليك ان تبحث عن من كان قراره ان لا يكون هناك شبكة نقل عامه موثوقة تخفف من استهلاك الوقود من قبل الافراد وتغني الناس عن دفع معظم ميزانياتهم لبند المواصلات.
واذا اردت ان تفهم سبب الاربعة عشر تفجيرا التي استهدفت في سيناء خط الغاز العربي الناقل للغاز المصري الى الاردن ابان ما سمي زورا وبهتانا بالربيع العربي لتتوقف التفجيرات حال توقيع اتفاق الغاز الصهيوني، فما عليك الا ان تفكر في ملف الطاقة.

واذا اردت ان تفهم جانبا من الكيفية التي سيقت بها البلاد لترتهن للقرار الاسرائيلي وتوقع عقد الغاز الإسرائيلي المشؤوم مع توافر كل البدائل العربية الشقيقة ومع كل الشر الذي يصيب البلاد حاضرا ومستقبلا جراء الارتهان لكيان العدو، فما عليك الا ان تبحث في ملف الطاقة وفي ادارته.

ملف الطاقة في البلاد لم يعد مجرد ملف صغير بين مئات الملفات او مجرد تفصيل صغير وسط جبل من التفاصيل، بل صار هو الملف وهو كل التفاصيل التي يكمن وراءه الكثير من الالم والمعاناة والفقر على مستوى الوطن كله، كما صار الملف الذي يمكن من خلاله ان تتسلل ايادي العدو الطامع خارجيا لتلتحم مع ايدي بعض الداخل لتجعل من

الطاقة ورقة ضاغطة على البلاد وسيادتها ساعة يحين القرار.

اجزم ان الخطوة الأولى في الاصلاح التي ستريح الناس والاقتصاد والتي يجب ان تبادر اليها الدولة، وحتى قبل المباشرة في اصلاح قانون الانتخاب، وان يصر المجتمع عليها اولا، وان ينتزعها انتزاعا عند الضرورة، هي فك كل الطلاسم والاحجيات التي بني عليها معبد الطاقة في البلاد.
تابعو الأردن 24 على google news