jo24_banner
jo24_banner

على سبيل ما يجري في مجلس النواب

د. ماجد الخواجا
جو 24 :


ما زالت الذاكرة والفيديوهات ووسائل الإعلام والأدبيات النيابية تحمل كثيرا مما يمكن تسميته بالأدب النيابي الساخر.. لم تخل ساحة وقاعة مجلس الأمة في كل دوراته من مشاحنات ومشادات ومشاجرات وصل الحال إلى أن دخل القاعة نائب وهو متأبطا الكلاشينكوف، فيما نائب آخر يتحسس مسدسه ، ونائب ثالث يخرج سلاحه أثناء لقاء تلفزيوني، ونائب ما كان لجلسة خاصة التي تكون تحت البث التلفزيوني إلا ويبدع في الهجوم العشوائي الممتلئ بالصراخ والشتائم.. ونائب يقوم بالاعتداء البدني على زميله تحت سمع وبصر كل المشاهدين. ونائب يتحدث تحت وقع كؤوس الخمر .. وصولا إلى تلك المقولة التي أخذت شكل التريندات : مش شغلك يا مواطن..

في جميع تلك الممارسات التي تدخل تحت طائلة قانون العقوبات وتستحق في نسبة منها درجة ومستوى التجريم والإحالة للقضاء، في كلها كان الأمر ينتهي كالعادة الأردنية وهي مستحبة لأنها تزيل الضغينة والبغضاء بأقل الخسائر، وأعني بها ما يعرف شعبيا ( راحت بفنجان قهوة أو بوس اللحى) ..

أن يصل الحال بأن يقضم نائب أذن زميل له، وأن يتم الاعتداء البدني على بعضهم وأن يتم سحب السلاح تحت القبة بل وإطلاق الرصاص.. كل هذا شاهده الشعب الأردني وهو مستهجن كل ما يحدث باعتباره يشكل خدشا فاضحا لكل العمل النيابي.

لقد كشفت تلك الحوادث عن غياب القواعد القانونية والقيم الأخلاقية التي تضبط سلوك وتصرفات البرلمانيين الأردنيين، أثناء ممارستهم لمهماتهم الرسمية أو في علاقاتهم في المجتمع. فيظهر البرلمان عاجزا عن التصرف، ويأخذ دور الحياد، وكأن الأمر لا يعنيه.

ما زالت الذاكرة تعج بالمواقف النيابية الغريبة ، هل أذكركم بالعقال الطائر.. معركة عبوات المياه المتطايرة.. حتى وصل الأمر للتندر الشعبي بأن أصبحت أحد الشروط في النائب إجادة الفنون القتالية والحصول على الحزام الأسود .. وتندر المواطنون في التعليقات بعد كل حادثة حتى طالب البعض بأن تصبح قاعة المجلس مثل مهاجع مراكز الإصلاح بحيث يمنع دخول أية مواد متحركة قابلة للتطاير أو الخلع وأن يتم تثبيت كل المقاعد والميكروفونات وعبوات المياه وتفتيش كامل للنائب قبل الدخول لقاعة المجلس.

هل تذكرون واقعة ( الله ينتقم من اللي جاب الكوتا على المجلس ) وتريند ( اقعدي يا هند ) .. عندما كان حوار الطرشان هو السائد بين النواب .. فلا هند قعدت ، ولا النائب أوصل فكرته .. تذكرون حين أطلق رئيس المجلس على أحد النواب بأنه ( مندس وأنه يفترض أن لا يكون نائب أردني ومدسوس) ..

هذه الحوادث وغيرها عملت على شيوع ثقافة نيابية امتدت لدورات عديدة تتمثل بأن من يمتلك القوة البدنية والعشائرية والجهوية وبعض الجهات الخفية، فهو يمتلك حق الاستحواذ على المايك والحديث وأن يغرب ويشرق بما يطيب له، ويمتلك حق الصراخ والسطوة ومنع زملائه من إبداء آرائهم أو نقدهم..

فجاء هذا المجلس الأخير محاولا تثبيت قواعد اللعبة النيابية عبر تفعيل ما تدعى باللوائح والنظام الداخلي ومدونة قواعد السلوك النيابي .. لكن هذا الأمر لا يمكن له أن ينجح إلا في ظل ممارسات نيابية حقيقية وحرفية عالية المستوى.. وأن يكون سقف حرية الرأي والتعبير داخل قبة المجلس عاليا للدرجة التي تتيح للنائب الحديث والنقد لأي شأن من شؤون الوطن، دون الخشية على مكاسب شخصية ومنافع لحظية أو الخشية من عواقب وحرمان كما درجت عليه العادة ..

إن مجلس أل 29% جاء في ظل عزوف شعبي واضح نتيجة فقدان الأمل بمجلس نيابي قوي من حيث التشريع والرقابة.. وسيبقى الحال كذلك ما دام قانون الانتخاب المشوه ينتج لنا مجلسا ضعيفا يتسم بالفردية وقوة الحضور الشخصي.. فلن يكون إلا ساحة للاستقواء وللغوغاء أو أن يصير على هيئة غرفة صفية لتلاميذ في الصف التمهيدي الذين يتم ضبط كل حركة أو سلوك أو لفظ لهم .. وما بين هذين المشهدين للمجلس، تتلاشى صورة الديمقراطية الحقيقية القائمة على أن يمثل مجلس النواب الرافعة الأولى والداعم الأول للمسيرة الديمقراطية التي لن تقوم إلا بحياة حزبية حقيقية وقوية ومتنوعة ومستقلة وذات تأثير شعبي واضح ومباشر..

ما دامت الحالة تلك ، فإن ما قام به النائب أسامة لا يعد غريبا أو مستهجنا .. بل إنه عزف على الوتر الشعبي المحتقن .. وهو يريد أن يكمل مسيرة من سبقوه في المجالس السابقة بأنه لكي تحصل على شيء..

فلا بد من أن تعلي الصوت وتحشد قدر ما تستطيع .. وإلا يكون مصيرك التدجين وانتظار التصفيق ..

لست مع أسامة، لكنني لست مع أي مجلس نيابي ينتج عن قانون انتخابي مشوه لا يتيح التمثيل الفعلي لكل مكونات الوطن ..

تابعو الأردن 24 على google news