إسلاميون يطلبون الديمقراطية وعلمانيون يرفضونها!!
ياسر الزعاترة
جو 24 : من المفارقات المهمة في مشهد الربيع العربي هو ذلك الإصرار من قبل القوى الإسلامية على القبول بالصناديق كحكم في العملية السياسية، مقابل رفضها من قبل قوىً أخرى، بعضها يدعي العلمانية والليبرالية، وبعضها الآخر يتبنى النهج اليساري، وثالث يتبنى النهج القومي.
خمس جولات انتخابية خاضتها القوى السياسية في مصر بعد الثورة، لم يتردد الإسلاميون خلالها في قبول نتائج الاقتراع والخضوع لمتطلباته، وكذلك الحال في تونس وليبيا، بينما تصدت لها قوىً محسوبة على التيارات الأخرى بدعاوى هشّة لا يقبلها المنطق.
وفي حين اتهم الإخوان في مصر بالإقصاء والاستحواذ مع أنهم لم يأخذوا من السلطة سوى شكلها الخارجي، بينما ظلت الدولة العميقة تمسك بمفاصلها الرئيسة، فقد مارست حركة النهضة في تونس أقصى درجات الانفتاح على القوى الأخرى، لكن ذلك لم يكن كافيا أبدا للجم نوايا عدد من القوى الأخرى الانقلاب على العملية الديمقراطية.
نعلم أن الإخوان في مصر لم يحسنوا إدارة المرحلة الانتقالية، وظلوا طوال الوقت يسترضون مؤسسة الجيش والأمن بدل أن يتحالفوا مع سائر القوى من أجل لجمها ووضعها في مكانها الطبيعي كخادمة للدولة المدنية التعددية (حاولوا بالطبع، وإن لم يصروا بالقدر الكافي)، لكن ذلك لم يكن يأتي في سياق الاستحواذ، بل في سياق من تمرير المرحلة الثورية نحو المرحلة الدستورية، بل إن سياستهم كانت تؤدي إلى خسائر شعبية، ومع ذلك قبلوا بها من أجل الوصول إلى الهدف المنشود للثورة.
بعد الانقلاب رأينا الردة في أبشع تجلياتها لدى القطاع الأعرض من الليبراليين واليساريين والقوميين، ممن فضلوا حكم العسكر على حكم الصناديق، وما جرى خلال الأسابيع الماضية فضح اللعبة التي كانت تعد بعناية، والتي كانت تتوسل المبررات فقط لا غير.
وها إننا نسمع يوميا صرخات العدوان على الإسلاميين والإسلام السياسي برمته تنطلق من حناجر ليبرالية ويسارية وقومية بلا توقف. تفعل ذلك وهي تدرك أنها تنحاز لانقلاب لا يمكن أن يؤسس لتعددية حقيقية، بل يؤسس لاستعادة نظام مبارك، بدليل السيرة المعروفة لرموزه وداعميه من الداخل والخارج.
هكذا يعود هؤلاء إلى المربع القديم الذي كانوا عليه قبل ربيع العرب ممثلا في الانحياز للأنظمة القائمة بكل تفاصيلها، فقد كانت تلك القوى ونخبها هي خير معين للأنظمة على لجم الشعوب، وكان بعضها جزءا لا يتجزأ من لعبة الديمقراطية الديكورية القائمة، بل إن بعضها (في الخليج على سبيل المثال) لا يجد حرجا في ترديد خطاب ولاة الأمر والانحياز إليهم، لمجرد أنهم يعلمون أن أي احتكام للصناديق لن يؤدي إلا لفوز الإسلاميين، أقله بغالبية الأصوات.
كل ذلك يؤكد أن حضور بعض تلك القوى والرموز في ميادين الثورات لم يكن من الناحية العملية سوى ركوب للموجة، وهي التهمة التي كان يلصقونها بالإسلاميين الذين دفعوا الأثمان الباهظة خلال العقود الأخيرة في مواجهة الدولة العربية الحديثة؛ العلمانية النهج، الشمولية السياسة، مع تبعية للغرب أكثر من خيارات الشعوب والأمة.
إنها فضيحة من العيار الثقيل تتجلى على رؤوس الأشهاد، لا تخفيها أبدا المبررات الكثيرة التي يجري تأليفها على شاكلة عنف الإسلاميين وإقصائهم للآخرين، بينما يصرخ الإسلاميون بأنهم يقبلون بحكم الصناديق مهما كانت نتيجتهم فيها كما فعلوا في ليبيا (الإخوان)، إذْ فضلوا الانسحاب من أجل أن تمر المرحلة الانتقالية، وحتى لا يجري التحريض عليها كما حصل في مصر.
لن تكف تلك النخب عن ترديد خطابها البائس، لكن الحقيقة باتت واضحة أمام الجميع، ولن يخفيها سيل التدليس الذي تمارسه وسائل إعلام موجهة تعمل بالريموت كونترول، وتتولى اكبرها أنظمة كارهة للثورات ولربيع العرب ولكل ما يمت إلى الديمقراطية بصلة.
الدستور
خمس جولات انتخابية خاضتها القوى السياسية في مصر بعد الثورة، لم يتردد الإسلاميون خلالها في قبول نتائج الاقتراع والخضوع لمتطلباته، وكذلك الحال في تونس وليبيا، بينما تصدت لها قوىً محسوبة على التيارات الأخرى بدعاوى هشّة لا يقبلها المنطق.
وفي حين اتهم الإخوان في مصر بالإقصاء والاستحواذ مع أنهم لم يأخذوا من السلطة سوى شكلها الخارجي، بينما ظلت الدولة العميقة تمسك بمفاصلها الرئيسة، فقد مارست حركة النهضة في تونس أقصى درجات الانفتاح على القوى الأخرى، لكن ذلك لم يكن كافيا أبدا للجم نوايا عدد من القوى الأخرى الانقلاب على العملية الديمقراطية.
نعلم أن الإخوان في مصر لم يحسنوا إدارة المرحلة الانتقالية، وظلوا طوال الوقت يسترضون مؤسسة الجيش والأمن بدل أن يتحالفوا مع سائر القوى من أجل لجمها ووضعها في مكانها الطبيعي كخادمة للدولة المدنية التعددية (حاولوا بالطبع، وإن لم يصروا بالقدر الكافي)، لكن ذلك لم يكن يأتي في سياق الاستحواذ، بل في سياق من تمرير المرحلة الثورية نحو المرحلة الدستورية، بل إن سياستهم كانت تؤدي إلى خسائر شعبية، ومع ذلك قبلوا بها من أجل الوصول إلى الهدف المنشود للثورة.
بعد الانقلاب رأينا الردة في أبشع تجلياتها لدى القطاع الأعرض من الليبراليين واليساريين والقوميين، ممن فضلوا حكم العسكر على حكم الصناديق، وما جرى خلال الأسابيع الماضية فضح اللعبة التي كانت تعد بعناية، والتي كانت تتوسل المبررات فقط لا غير.
وها إننا نسمع يوميا صرخات العدوان على الإسلاميين والإسلام السياسي برمته تنطلق من حناجر ليبرالية ويسارية وقومية بلا توقف. تفعل ذلك وهي تدرك أنها تنحاز لانقلاب لا يمكن أن يؤسس لتعددية حقيقية، بل يؤسس لاستعادة نظام مبارك، بدليل السيرة المعروفة لرموزه وداعميه من الداخل والخارج.
هكذا يعود هؤلاء إلى المربع القديم الذي كانوا عليه قبل ربيع العرب ممثلا في الانحياز للأنظمة القائمة بكل تفاصيلها، فقد كانت تلك القوى ونخبها هي خير معين للأنظمة على لجم الشعوب، وكان بعضها جزءا لا يتجزأ من لعبة الديمقراطية الديكورية القائمة، بل إن بعضها (في الخليج على سبيل المثال) لا يجد حرجا في ترديد خطاب ولاة الأمر والانحياز إليهم، لمجرد أنهم يعلمون أن أي احتكام للصناديق لن يؤدي إلا لفوز الإسلاميين، أقله بغالبية الأصوات.
كل ذلك يؤكد أن حضور بعض تلك القوى والرموز في ميادين الثورات لم يكن من الناحية العملية سوى ركوب للموجة، وهي التهمة التي كان يلصقونها بالإسلاميين الذين دفعوا الأثمان الباهظة خلال العقود الأخيرة في مواجهة الدولة العربية الحديثة؛ العلمانية النهج، الشمولية السياسة، مع تبعية للغرب أكثر من خيارات الشعوب والأمة.
إنها فضيحة من العيار الثقيل تتجلى على رؤوس الأشهاد، لا تخفيها أبدا المبررات الكثيرة التي يجري تأليفها على شاكلة عنف الإسلاميين وإقصائهم للآخرين، بينما يصرخ الإسلاميون بأنهم يقبلون بحكم الصناديق مهما كانت نتيجتهم فيها كما فعلوا في ليبيا (الإخوان)، إذْ فضلوا الانسحاب من أجل أن تمر المرحلة الانتقالية، وحتى لا يجري التحريض عليها كما حصل في مصر.
لن تكف تلك النخب عن ترديد خطابها البائس، لكن الحقيقة باتت واضحة أمام الجميع، ولن يخفيها سيل التدليس الذي تمارسه وسائل إعلام موجهة تعمل بالريموت كونترول، وتتولى اكبرها أنظمة كارهة للثورات ولربيع العرب ولكل ما يمت إلى الديمقراطية بصلة.
الدستور