jo24_banner
jo24_banner

قدسية جامعاتنا وعبث الإدارات: الى متى؟

د. زيد الدباس
جو 24 :

للجامعة، أي جامعة، قدسية، تتجلى هذه القدسية من خلال الحفاظ على هيبتها بالابتعاد عن كل ما هو مسيء من لفظ أو سلوك أو قرار. اما رئيس الجامعة فهو المسؤول عن هيبة الجامعة، ووزير التعليم العالي مسؤول عن هيبة الجامعات باكملها. بيد اننا كيف سنحافظ على هيبة الجامعة اذا كان نفس رئيسها من تجرأ على هيبتها من خلال الاساءة بالالفاظ البذيئة والتحريض على المدرسين جهاراً نهاراً. ولم يجرؤ ذلك الرئيس على نفي ما نسب اليه من اساءات ولم تقم أي جهة رسمية اخرى بنفي ما صدر عنه. ويحاول الاختباء خلف تصريح شكلي صدر باسم جهة رقابيىة ولم تقم هذه الجهة الرقابية بنفي ما صدر عنه من الفاظاً نابية (ويمكن الرجوع الى هذه التصريحات الصادرة وقراءتها).
أما العبث فيبدأ من خلال تأليف حلقات المسلسل الشهير "الانجازات الوهمية" لتكون الحلقة الاولى عن الانجاز المالي حيث يعلن البعض بانهم أستطاعوا تحقيق وفراً مالياً يقدر بالملاييين في جامعاتهم، ويزيدوا على ذلك بانهم سددوا الملايين من الديون التي تخنق جامعاتهم. وأسأل، كيف يكون ذلك وهي حتى الآن لا يوجد فيها مطعم للطلبة أو مبنى للأنشطة الطلابية أو صالة رياضية تليق بالطلبة أو ملعب مجهز (على الاقل أخضر)، ونجد في الكثير من كلياتها ان كل أربعة او خمسة أساتذة قد خصص لهم مكتباً واحداً، بل حتى الحواسيب لم توفر لهم. وكل هذا بسبب تردي الاوضاع المالية واستمرارية العجز التراكمي. فالوفر المالي والعجزالخدمي الاساسي لا يمكن ان يجتمعان مع بعضهما البعض الا في صناعة الوهم. ومثل تلك التصريحات التي تجافي المنطق السليم تبعث الخوف في النفس على مستقبل جامعاتنا المالي.  
ومن روائع هذا المسلسل أن يبرع احدهم في هندسة الموازنات التي يتم من خلالها حذف العجز التقديري الذي كان مثبتاً في الموازنات السابقة لتجعل منه بطولة للرئيس وعلى أنه دين حقيقي قام بتسديده. ومن المعلوم ان أصل العجوزات التقديرية هي ديون وهمية، ولو كان سداد الديون حقيقياً لما بقي العجز التراكمي الحقيقي يراوح مكانه منذ عدة سنوات لبعض الجامعات وبقيت بدون خدمات أساسية. فالزعم بسداد ديون وهمية فيه مخاطره واضرار شديد بالمؤسسة لانه يضلل المسافة بين التقديرات المالية للدولة وموازانات تلك الجامعات، ويربك سلم الاولويات والاحتياجات.  
ثم بعد ذلك يكبر مسلسل الانجازات الوهمية ليمتاز هذه المرة بطابع سينمائي هوليودي ليشمل التعليم التقني. فمن المدهش أن يتحدث أحدهم عن انجازات في التعليم التقني والاعلان عن جلب تجارب عالمية والغاء او تجميد الكثير من التخصصات الانسانية واستحداث تخصصات جديدة. لنجد في تلك الجامعة بكل أسف ان عدد الطلبة الملتحقين في برامج الدبلوم الانسانية يزيد عن 17 الف طالباً، في حين يبلغ عدد الطلبة الملتحقين بالدبلوم التقني حوالي 4 الآف طالباً. فكيف نصدق رواية الانجاز والارقام على أرض الواقع تخالف الرواية، وفي ذلك اشارة الى خلل كبير وعجز واضح في نقل أهداف استراتيجية تنمية الموارد البشرية الى واقع التنفيذ الحقيقي للاعوام الخمسة الماضية.    
ثم تشتد الحمى ويتعاظم مسلسل الانجازات الوهمية ليمتاز هذه المرة بعمة عظيمة على الرأس (كمسلسل خيبر) من خلال اللهث وراء التصنيفات التجارية كالتايمز مثلاً الذي بأحسن احواله تقدم له في عام 2020 نحو 1400 جامعة من مختلف انحاء العالم معظمها من افريقيا وآسيا (يمكن التأكد من ذلك على موقع التايمز نفسه). ويقوم التايمز بوضع أفضل 200 جامعة في العالم على موقعه التصنيفي بشكل سنوي ثابت لغايات التسويق والتنافس مع التصنيفات التجارية الأخرى وجني الاموال من الجامعات المتقدمة للتصنيف. هذا وتتنافس الجامعات المتقدمة لهذا التصنيف مع بعضها البعض وليس مع جميع جامعات العالم على المراتب المختلفة سنداً للبيانات التي تقوم بتزويدها الى اداراة التايمز. وإذا قسمنا البسط (المرتبة التي تحصل عليها أي جامعة) على المقام (عدد الجامعات المتقدمة) فسنخرج بنتائج تستدعي التفكير الجاد. فمثلاً، حينما تحصل جامعة على ترتيب فئته من 401-600 فان هذه الفئة بالاصل هي من 1400 جامعة وليس على مستوى جامعات العالم. واذا علمنا ان عدد جامعات العالم لعام 2020 قد بلغ 30586 جامعة (Countries arranged by Number of Universities in Top Ranks | Ranking Web of Universities: Webometrics ranks 30000 institutions) ، فأي عالمية وصلنا اليها؟ وأي جامعات تنافسنا واياها؟ وهذا يفسر سبب استثناؤنا من تصنيف شنغهاي الذي لا يشترى ولا يباع.
وحتى لوغيرنا اسلوب المقارنة من العالمي الى المحلي فسنصل الى نفس النتائج، ليبقى السؤال، هل جامعاتنا الآن أفضل حالاً مما كانت عليه في الماضي؟ اترك الاجابة لكم. 
نقطة البداية للتحول الايجابي في سياسات التعليم العالي تكمن في مدى موضوعية مجلس التعليم العالي في رؤية الحقائق كما هي، حيث نجحت بعض الادارات الجامعية في تصدير مشاكلها الى مجلس التعليم العالي، وهذا بدوره أعاد الجامعات الى الوراء وافقدها قدسيتها وهيبتها.
# الوطن – يستحق – الافضل #
 
 
تابعو الأردن 24 على google news