السيسي وجنون السلطة
ياسر ابو هلاله
جو 24 : عبرت الصحافة العالمية، بعد مجازر "النهضة" و"رابعة العدوية"، عن صدمة في عناوينها وافتتاحياتها؛ فما حدث فاق أكثر التوقعات سوداوية وتشاؤما. ولعل صحيفة "الإندبندنت" البريطانية لخصت المشهد بعنوانها الرئيس "العار". في المقابل، كان البرنامج الصباحي في التلفزيون المصري يدعو إلى سحب قلادة النيل من محمد البرادعي، لأنه استقال احتجاجا على المجزرة.
يخضع الإعلام المصري، الرسمي منه والخاص، لسلطة الدولة العميقة. وهو في هجومه على البرادعي يدافع عن الحاكم المطلق عبدالفتاح السيسي، والذي أثبت من أيامه الأولى دموية ووحشية لم يعهدها أعتى الطغاة في مصر. واستقالة البرادعي شكلت ضربة قوية لطموحات السيسي، وتركته مكشوفا أمام الرأي العام الدولي والمحلي، باعتباره اختار العنف سبيلا على الرغم من وجود فرص لحل سياسي.
أكثر من ذلك، فإن مبرر انقلاب السيسي هو "ثورة 30 يونيو" التي اختارت البرادعي ممثلا لها يوم الانقلاب. واليوم، فإن العسكر يحتكرون السلطة بلا تمثيل ديكوري للثورة المفتعلة أو الحقيقية. يبدو المشهد عاريا تماما بلا البرادعي الذي شكل ورقة التوت للعسكر أو المحلل للانقلاب. الحكومة يقودها عسكريون وضباط أمن دولة؛ أمين عام مجلس الوزراء لواء عسكري، وكذلك أمين عام رئاسة الجمهورية، ومحافظون. عسكرة بالمعنى الحرفي، وكأن البلاد تحت احتلال.
بعد كل هذه العسكرة، وتعطيل الدستور من قبل، وكل هذه المجازر، تعلن بشكل عبثي حالة الطوارئ، وكأن من أحرق الجثث ومسجد رابعة العدوية أمام الكاميرات، وأطلق الرصاص الحي، يحتاج إلى قانون طوارئ. لكنه جنون السلطة الذي لا يعرف حدودا. وفي النهاية، يكرر السيسي نموذج بشار الأسد إلى النهاية.
قام السيسي بانقلابه من أجل حقن دماء المصريين، مع أن مرسي لم يرق قطرة دم، وظل إلى آخر يوم قبل الانقلاب مدافعا عن حق مخالفيه بالاعتصام والتظاهر، مع أنهم كانوا يلقون القنابل الحارقة على قصر الاتحادية. في أقل من شهرين، قُتل زهاء ثلاثة آلاف مدني أعزل، ما يثبت عمليا أن الهدف الحقيقي لم يكن حقن الدماء التي لم تسل أصلا.
باختصار، جنون السلطة دفع السيسي للانقلاب. وهو اليوم مستمتع بإدارة البلاد من خلال مجلس حرب من المحافظين العسكريين. ودور الواجهات المدنية في السلطة لا يتعدى التحضير، وتهيئة الأجواء لمجازره، ومن ثمّ تبريرها وإعطاؤها غطاء سياسيا. لا توجد جهة تحاسب السيسي، ولا يوجد ما يثبت أنه من يصدر الأوامر بالقتل؛ في الواجهة حكومة ووزير داخلية لا يتورع عن تكرار أن شرطته لم يسبق لها أن أطلقت الرصاص على المصريين، ومعه حق، لأن المحاكم برأت كل قتلة الثوار في كانون الثاني (يناير) 2011، وهي مقدما تبرئهم من قتل المزيد.
لقد اكتوت البشرية بنار مجانين السلطة، وكان يُعتقد أن العالم العربي تخلص منهم في الربيع العربي. لكن السيسي يثبت أن هذا الجنون يحتاج وقتا أطول للتخلص منه. وهذا الجنون لا يتلخص في جنرال فاشل، بل في تيار سلطوي عريض، يرفض أي شكل من أشكال تداول السلطة أو الشراكة فيها.
لا تدقق في شيطنة محمد مرسي والإخوان والتعذيب والأسلحة النووية في "رابعة العدوية"؛ دقق في شيطنة البرادعي في الإعلام المصري. لو كان من يعتصم في رابعة شيوعيين أو ليبراليين، فسيلقون المصير ذاته، لأنهم هددوا سلطة الجنرال. اليوم يدفع الإسلاميون الكلفة التاريخية للتخلص من نظام عسكري يحكم مصر منذ أكثر من ستين عاما.
الغد
يخضع الإعلام المصري، الرسمي منه والخاص، لسلطة الدولة العميقة. وهو في هجومه على البرادعي يدافع عن الحاكم المطلق عبدالفتاح السيسي، والذي أثبت من أيامه الأولى دموية ووحشية لم يعهدها أعتى الطغاة في مصر. واستقالة البرادعي شكلت ضربة قوية لطموحات السيسي، وتركته مكشوفا أمام الرأي العام الدولي والمحلي، باعتباره اختار العنف سبيلا على الرغم من وجود فرص لحل سياسي.
أكثر من ذلك، فإن مبرر انقلاب السيسي هو "ثورة 30 يونيو" التي اختارت البرادعي ممثلا لها يوم الانقلاب. واليوم، فإن العسكر يحتكرون السلطة بلا تمثيل ديكوري للثورة المفتعلة أو الحقيقية. يبدو المشهد عاريا تماما بلا البرادعي الذي شكل ورقة التوت للعسكر أو المحلل للانقلاب. الحكومة يقودها عسكريون وضباط أمن دولة؛ أمين عام مجلس الوزراء لواء عسكري، وكذلك أمين عام رئاسة الجمهورية، ومحافظون. عسكرة بالمعنى الحرفي، وكأن البلاد تحت احتلال.
بعد كل هذه العسكرة، وتعطيل الدستور من قبل، وكل هذه المجازر، تعلن بشكل عبثي حالة الطوارئ، وكأن من أحرق الجثث ومسجد رابعة العدوية أمام الكاميرات، وأطلق الرصاص الحي، يحتاج إلى قانون طوارئ. لكنه جنون السلطة الذي لا يعرف حدودا. وفي النهاية، يكرر السيسي نموذج بشار الأسد إلى النهاية.
قام السيسي بانقلابه من أجل حقن دماء المصريين، مع أن مرسي لم يرق قطرة دم، وظل إلى آخر يوم قبل الانقلاب مدافعا عن حق مخالفيه بالاعتصام والتظاهر، مع أنهم كانوا يلقون القنابل الحارقة على قصر الاتحادية. في أقل من شهرين، قُتل زهاء ثلاثة آلاف مدني أعزل، ما يثبت عمليا أن الهدف الحقيقي لم يكن حقن الدماء التي لم تسل أصلا.
باختصار، جنون السلطة دفع السيسي للانقلاب. وهو اليوم مستمتع بإدارة البلاد من خلال مجلس حرب من المحافظين العسكريين. ودور الواجهات المدنية في السلطة لا يتعدى التحضير، وتهيئة الأجواء لمجازره، ومن ثمّ تبريرها وإعطاؤها غطاء سياسيا. لا توجد جهة تحاسب السيسي، ولا يوجد ما يثبت أنه من يصدر الأوامر بالقتل؛ في الواجهة حكومة ووزير داخلية لا يتورع عن تكرار أن شرطته لم يسبق لها أن أطلقت الرصاص على المصريين، ومعه حق، لأن المحاكم برأت كل قتلة الثوار في كانون الثاني (يناير) 2011، وهي مقدما تبرئهم من قتل المزيد.
لقد اكتوت البشرية بنار مجانين السلطة، وكان يُعتقد أن العالم العربي تخلص منهم في الربيع العربي. لكن السيسي يثبت أن هذا الجنون يحتاج وقتا أطول للتخلص منه. وهذا الجنون لا يتلخص في جنرال فاشل، بل في تيار سلطوي عريض، يرفض أي شكل من أشكال تداول السلطة أو الشراكة فيها.
لا تدقق في شيطنة محمد مرسي والإخوان والتعذيب والأسلحة النووية في "رابعة العدوية"؛ دقق في شيطنة البرادعي في الإعلام المصري. لو كان من يعتصم في رابعة شيوعيين أو ليبراليين، فسيلقون المصير ذاته، لأنهم هددوا سلطة الجنرال. اليوم يدفع الإسلاميون الكلفة التاريخية للتخلص من نظام عسكري يحكم مصر منذ أكثر من ستين عاما.
الغد