الانقسامات.. والتوافق
محمود سلطان
جو 24 :
العنوان الأكبر والأبرز ـ هذه الأيام ـ هو تنامى ظاهرة الانقسامات، داخل الجماعات السياسية الكبيرة: الإخوان، السلفيون ، الليبراليون، اليساريون، ائتلافات الثورة, والفلول أيضًا.
الظاهرة ليست مقلقة؛ فهى ثمرة طبيعية للزلزال السياسى الكبير الذى تشهده مصر منذ 25 يناير 2011.. وما خلّفه من منظومة قيم جديدة، خففت القيود عن طاقات التمرد التى ظلت مقموعة على مدى ستة عقود مضت.
رفع الوصاية الأمينة عن المجتمع السياسى المصرى، ساعد على "تحرر" الرغبات المكبوتة داخل الأطر التنظيمية فى التخلى عن "التنظيم" والتحول إلى أشكال أكثر رحابة وحداثة وتقدمًا والتى تجلت فى "الهجرات" المدهشة داخل التيار الإسلامى "المنظم" والتحول من ثقافة "الجماعات" إلى الانخراط فى "الأحزاب".. والمشاركة فى الحياة العامة ودخول البرلمانات والتنافس على المقعد الرئاسى.
زلزال الثورة.. شطر الحركات السياسية على اتساعها وتنوّعها.. كما أن رحاب الدولة "الأوسع" من "ضيق" التنظيم.. أفرز حالات جدل عنيفة تطورت إلى نزعات "تمرد" على ثقافة "السمع والطاعة" وأحدثت انقلابًا كبيرًا، فيما استقر من ثوابت بشأن مبدأ "الولاء" وجدل العلاقة بين "الدولة" و"التنظيم"، ولأيهما يكون الولاء مقدمًا على الآخر.. وهى الظاهرة التى اُختصر أهم تجلياتها فى انقسام الرأى العام الإخوانى والسلفى حول مرشحى الرئاسة.
البعض يعتبر هذا الانقسام "عيب" و"عورة" أو "فضيحة" يجب سترها .. أو إنكار وجودها، وهو اعتقاد موروث من تقاليد تنظيمية وقمعية قديمة تعود إلى ما قبل ثورة الاتصالات والسموات المفتوحة، ترفض الخلاف والتنوع وتتعاطى مع "الجماعة" أو "التنظيم" أو "الحزب" وكأنه فريق كرة قدم يرتدى "تى شيرت" بلون واحد.
الانقسام الحالى ظاهرة طبيعية، والمشكلة لا تتعلق بها، وإنما بطريقة إدارة "الانقسام" وإبداع حلول تحيله من "أزمة" إلى "رحمة".. ولما كانت الظاهرة تشمل غالبية مكونات المجتمع السياسى المصرى، فإن فكرة "التوافق" لم تعد حصرًا على "الرئيس" القادم.. وإنما صيغة لتسوية الانقسامات بالتوافق على رؤى تحفظ للجماعات السياسية وَحدتها وللمجتمع ككل هدوءه واستقراره وأمنه وسلامه.
"التوافق" حل "استثنائى" لمرحلة "استثنائية"، ويمكن أن يكون خبرة جديدة تضاف إلى التراث السياسى، وإلى الذاكرة التاريخية المصرية، ويمكن استدعاؤه والاستفادة منه حال تعرضت البلاد لتجربة مشابهة.
نريد أن نحفظ هذا المصطلح من محاولات الإساءة إليه.. وصوْنه من وضعه كمقابل لفظى للتواطؤ، بكل حمولته المسيئة والمقززة؛ لأن بعض القوى والتيارات التى تضررت كثيرًا من الثورة أو من نتائج الانتخابات البرلمانية.. لا تريد إلا أن تراوح مصر مكانها عند مربع الاضطرابات السياسية والقلق الاجتماعى والأمنى، وهى التى تقف وراء تلك الحملة التى نالت كثيرًا من فكرة "التوافق" ليقينها بأنه الأنسب وليس الأفضل، لتأمين عملية نقل السلطة، ولن تدخر جهدًا فى إجهاض أى اجتهاد جديد لصالح الاستقرار.(صحيفة المصريون)
almesryoonmahmod@gmail.com
العنوان الأكبر والأبرز ـ هذه الأيام ـ هو تنامى ظاهرة الانقسامات، داخل الجماعات السياسية الكبيرة: الإخوان، السلفيون ، الليبراليون، اليساريون، ائتلافات الثورة, والفلول أيضًا.
الظاهرة ليست مقلقة؛ فهى ثمرة طبيعية للزلزال السياسى الكبير الذى تشهده مصر منذ 25 يناير 2011.. وما خلّفه من منظومة قيم جديدة، خففت القيود عن طاقات التمرد التى ظلت مقموعة على مدى ستة عقود مضت.
رفع الوصاية الأمينة عن المجتمع السياسى المصرى، ساعد على "تحرر" الرغبات المكبوتة داخل الأطر التنظيمية فى التخلى عن "التنظيم" والتحول إلى أشكال أكثر رحابة وحداثة وتقدمًا والتى تجلت فى "الهجرات" المدهشة داخل التيار الإسلامى "المنظم" والتحول من ثقافة "الجماعات" إلى الانخراط فى "الأحزاب".. والمشاركة فى الحياة العامة ودخول البرلمانات والتنافس على المقعد الرئاسى.
زلزال الثورة.. شطر الحركات السياسية على اتساعها وتنوّعها.. كما أن رحاب الدولة "الأوسع" من "ضيق" التنظيم.. أفرز حالات جدل عنيفة تطورت إلى نزعات "تمرد" على ثقافة "السمع والطاعة" وأحدثت انقلابًا كبيرًا، فيما استقر من ثوابت بشأن مبدأ "الولاء" وجدل العلاقة بين "الدولة" و"التنظيم"، ولأيهما يكون الولاء مقدمًا على الآخر.. وهى الظاهرة التى اُختصر أهم تجلياتها فى انقسام الرأى العام الإخوانى والسلفى حول مرشحى الرئاسة.
البعض يعتبر هذا الانقسام "عيب" و"عورة" أو "فضيحة" يجب سترها .. أو إنكار وجودها، وهو اعتقاد موروث من تقاليد تنظيمية وقمعية قديمة تعود إلى ما قبل ثورة الاتصالات والسموات المفتوحة، ترفض الخلاف والتنوع وتتعاطى مع "الجماعة" أو "التنظيم" أو "الحزب" وكأنه فريق كرة قدم يرتدى "تى شيرت" بلون واحد.
الانقسام الحالى ظاهرة طبيعية، والمشكلة لا تتعلق بها، وإنما بطريقة إدارة "الانقسام" وإبداع حلول تحيله من "أزمة" إلى "رحمة".. ولما كانت الظاهرة تشمل غالبية مكونات المجتمع السياسى المصرى، فإن فكرة "التوافق" لم تعد حصرًا على "الرئيس" القادم.. وإنما صيغة لتسوية الانقسامات بالتوافق على رؤى تحفظ للجماعات السياسية وَحدتها وللمجتمع ككل هدوءه واستقراره وأمنه وسلامه.
"التوافق" حل "استثنائى" لمرحلة "استثنائية"، ويمكن أن يكون خبرة جديدة تضاف إلى التراث السياسى، وإلى الذاكرة التاريخية المصرية، ويمكن استدعاؤه والاستفادة منه حال تعرضت البلاد لتجربة مشابهة.
نريد أن نحفظ هذا المصطلح من محاولات الإساءة إليه.. وصوْنه من وضعه كمقابل لفظى للتواطؤ، بكل حمولته المسيئة والمقززة؛ لأن بعض القوى والتيارات التى تضررت كثيرًا من الثورة أو من نتائج الانتخابات البرلمانية.. لا تريد إلا أن تراوح مصر مكانها عند مربع الاضطرابات السياسية والقلق الاجتماعى والأمنى، وهى التى تقف وراء تلك الحملة التى نالت كثيرًا من فكرة "التوافق" ليقينها بأنه الأنسب وليس الأفضل، لتأمين عملية نقل السلطة، ولن تدخر جهدًا فى إجهاض أى اجتهاد جديد لصالح الاستقرار.(صحيفة المصريون)
almesryoonmahmod@gmail.com