jo24_banner
jo24_banner

مشهديتان تلخصان لحظات الصعود والسقوط في حياة الأمم والدول والممالك

د. عبدالحكيم الحسبان
جو 24 :


في مسيرة الأمم والدول والعروش، ثمة مشاهد بسيطة في المظهر التي تبدو وتتجلى عليه، ولكنها مفتاحية في العمق الذي تستتر وتختبأ داخله، وهي تكشف وتوثق لمسارات الأمة والدولة في لحظات الاندفاع والصعود والنمو، كما توثق لمساراتها لحظات السقوط والانحطاط والأفول.

في لحظات الصعود والنمو والاندفاع للأمم والدول يسود "عقل الدولة" Raison d'Etat وهو يهيمن لحظة صناعة القرار وصنع السياسة Politics وصنع السياسات Policies، كما يسود لحظة تسمية الشخوص أو الفاعلين أو شاغلي الكراسي والمناصب الذي سينفذون هذه السياسات، وأما في لحظات السقوط والمرض والأفول فان "عقل الدولة" يضمر بل ويغيب ليحل مكانه "عقل العصبة" Clique وحيث يغيب مفهوم الصالح العام ويتشظى لتتحول الدولة إلى رقع ومجموعات وعصب أو "عصائب" من أصحاب المصالح الخاصة والضيقة ومن مراكز النفوذ الضيقة والمتصارعة فيما بينها.

المشهد الأول لحظة الصعود :

في لحظات الصعود والاندفاعة للدول والعروش والممالك، وحين يسود "عقل الدولة" تضع الامة سياساتها، كما تبني مؤسساتها، كما تختار شاغلى المواقع القيادية في هذه المؤسسات وفق الالية التالية؛ تحضر المؤسسة كثيرا، ويتم التفكير والتشخيص مليا وكثيرا في المؤسسة، وفي نقاط قوتها وفي نقاط ضعفها. كما يتم التفكير في أدوارها، كما يتم التفكير في التحولات في أدوار المؤسسة ليتم الوصول إلى تشخيص دقيق وبعقل الدولة البارد للمواصفات القيادية والإدارية التي ينبغي توافرها فيمن سيقود المؤسسة، وفي خطوة لاحقة ونهائية تتم دراسة السير المتوافرة لدى بعض الإفراد وبصورة مجردة Abstractفي مجموع المواطنين وحيث تتم مطابقة أهداف المؤسسة وأدوارها مع المواصفات والمؤهلات التي يمكن العثور عليها في بعض الأشخاص ليتم تكليفهم بقيادة المؤسسة وشغل الكرسي كي يتم قيادة المؤسسة وبما يحقق الأدوار المناطة بها في خدمة الوطن والمواطنين.

في لحظات الصعود تحضر المؤسسة في البداية، تحضر المؤسسة ويتم التفكير بواقعها وحاجاتها ونقاط قوتها والأهداف التي تتطلبها المرحلة من عمل المؤسسة، ويكون شخص من يقود واسمه هو من يحضر تاليا. المؤسسة الكبيرة هي البداية، وأما شخص من سيقود المؤسسة، واسمه فهو يأتي تاليا وهو المنتهى وهو النهاية.

المشهد الثاني لحظة الأفول:

على عكس لحظات الصعود والنمو الاندفاع وحيث تكون المؤسسة وواقع حالها وحيث يعمل عقل الدولة تفكيره فيما هو مأمول ومتوخى من المؤسسة ومن ينبغي أن يقودها، ومن يشغل موقع القيادة فيها، وحيث تكون المؤسسة هي البداية وشخص شاغل الكرسي هو النهاية، فإن لحظة الأفول والانحطاط يغيب عقل الدولة البارد ليحل مكانه عقل العصبة البارد.

في لحظات انحطاط عقل الدولة وصعود عقل العصبة، تكون البداية هي الشخص وليس المؤسسة. ويتم التفكير في شخص بعينه ترى الجماعة أو العصبة أن الشخص قد بات من الضخامة بحيث صار يستحق كرسيا أو يستحق مؤسسة تليق بحجمه، أو تليق بحجم العصبة ومصالحها ومصالح أعضائها. ثم يتم التفكير لاحقا بالمؤسسة أو الوزارة أو الهيئة التي يمكنها أن تكون بالحجم Caliber الذي تراه الجماعة أو العصبة في شخص العضو المنتمي لها.

وفي لحظات السقوط والأفول والانحطاط لا يكون اختيار الشخص ليشغل الكرسي ولا تكون ولادة اسم هذا الشخص قد خضع لاجتماعات ومراسلات وتقارير مؤسساتية كما يكون عليه الحال حين يسود عقل الدولة، بل تكون المهمة هي تقرير هوية المؤسسة أو الوزارة التي تليق بمعاليه أو عطوفته أو سعادته في سهرة ليلية أو في رحلة سفر ما وراء البحار، أو لحظة تناول العشاء الذي قد يضم سفير دولة فاعلة.

في اختيار وزير يشغل كرسي الوزارة، أو رئيس يشغل رئاسة جامعة، أو مدير يشغل موقع عام لهيئة، أو مدير يشغل موقع مدير لمستشفى تكون البداية هي الشخص وليس المؤسسة. المعادلة هنا تقول أن شخصا منا يجب أن تتم مكافأته، أو أن شخصا منا قد تعرض لمظلومية وينبغي رد الاعتبار له، أو أن شخصا منا ينبغي ترضيته أو إسكاته، وهنا تكون المرحلة التالية هي اختيار مؤسسة أو وزارة أو هيئة يمكنها أن تكون بحجم هذا الشخص، بل اجزم أن حجم بعض الشخوص قد تضخم حد خلق وزارة أو هيئة لم تكن موجودة أصلا حين كان عقل الدولة يعمل، بل وجدت الوزارة أو الهيئة حين غاب عقل الدولة وولد عقل العصبة.

في مراحل صعود الأمم تكون المؤسسة هي الأكبر وهي الأقوى وتكون هي الحاضرة، وتكون حاجاتها وأدوارها ومتطلباتها هي من يفرض هوية الشخص الذي سيقود فيها. وفي مراحل الافول والضعف والموت تضعف المؤسسة وتموت حين يصبح حجم بعض الشخوص أو مراكز النفوذ اكبر من المؤسسة، فيتم تفصيل الوزارة من حيث الحجم والدور على مقياس الشخص الذي أرتأي أنه يستحق وزارة أو مؤسسة او هيئة أو سفارة تكون بحجم معاليه أو عطوفته او سعادته.

 
تابعو الأردن 24 على google news