في عدم دستورية استثناء علاوة التعليم الموازي
د. محمد تركي بني سلامة
جو 24 :
لقد أصبح موضوع التعليم الموازي الشغل الشاغل للعديد من المسؤولين وصناع القرار، وكذلك من العاملين في الجامعات الرسمية الذين يتجاوز عددهم عشرات الآلاف. وفي هذه الأجواء فإن الواجب الوطني والعلمي والأخلاقي يفرض على المتابعين للشأن العام، والقابضين على جمر القيم والمبادئ، الإدلاء برأيهم في هذا الموضوع، وتحديد وتوضيح كافة المفاهيم والأمور والاعتبارات التي تحكم هذه المسالة، وكل ذلك وفق نظرة منطقية وقانونية. وبناء على ذلك كنا قد وعدنا في المقال السابق الذي تناولنا فيه علاوة التعليم الموازي ومسؤولية الضمان الاجتماعي، الذي عليه مسؤولية وواجب تعديل النظام المتعلق بالعلاوات والحوافز والمكافآت وشمولها بالراتب التقاعدي، أن نتناول في مقال لاحق الجانب القانوني للموضوع، فإننا نشير في هذه المقالة إلى أسباب ومبررات وضرورة إعادة الأمور إلى نصابها، واتخاذ ما يلزم من إجراءات من أجل احتساب علاوة الموازي ، الذي يعد حقا دستوريا ومطلبا قانونيا للعاملين في الجامعات، وينبغي احتسابه في الراتب الخاضع للضمان الاجتماعي ومكافأة نهاية الخدمة، وذلك وفقا لنصوص الدستور الأردني، وما ينبثق عنه من قوانين وأنظمة وتشريعات. وتاليا نوضح أسباب عدم دستورية استثناء علاوة التعليم الموازي وفق نظام الشمول بتأمينات المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي:
أولا: هناك تناقض صارخ بين القواعد العامة لاحتساب الأجور و الحوافز من ضمن الراتب الخاضع للضمان المنصوص عليها بالمادة العاشرة في نظام الشمول بتأمينات المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي من جهة، والبند ٢٠ من المادة ١١ من ناحية أخرى في ذلك النظام . ففي الوقت الذي تنص فيه المادة العاشرة على احتساب أية حوافز تتوافر فيها صفات العمومية والثبات و الاستمرارية والاستحقاق، والتي جميعها متوفرة في حوافز الموازي، فإنه يستثني البند ٢٠ هذه الحوافز من الشمول بالراتب الخاضع للضمان الاجتماعي !
وقد ترتب على ذلك ليس مجرد تناقض النصين المتجاورين فقط، ودون أدنى حكمة تشريعية ، بل تجاوز الأمر إلى خرق مبدأ مساواة العاملين في مؤسسات القطاع العام، فهؤلاء جميعا تعتبر حوافزهم مشمولة لمجرد توافر الصفات المذكورة سابقا فيها، في حين لا تعتبر حوافز العاملين في الجامعات الرسمية مشمولة بالاحتساب رغم توافر تلك الصفات فيها.
ثانيا: قرار المحكمة الإدارية العليا الأخير الذي أكد حق أي من العاملين في المؤسسات العامة بشمول حوافزه التي تتوافر فيها تلك الصفات اعتبارا من 2017/1/1، ومن البديهي أن العاملين في الجامعات الرسمية يجب أن يتمتعوا بهذا الحق مساواة مع أقرانهم من العاملين في المؤسسات العامة. فالعاملون في الجامعات هم مواطنون أردنيون شأنهم شأن بقية العاملين في الدولة الأردنية التي لا يجيز دستورها التمييز بين المواطنين تحت أي ظرف كان.
ثالثا: جاء تعديل نص المادة ١١ تاريخيا في عام ٢٠١٨ بإضافة الفقرة ٢٠ غير الموفقة لنظام الشمول بناء على رغبة وزارة التعليم العالي، ضاربة بعرض الحائط حقوق العاملين في الجامعات الرسمية، ومتناسية أن الأردنيين في القانون سواء. فكيف يقبل العدل والعقل احتساب أية حوافز كحوافز موظفي الوزارات المختلفة والبلديات وموظفي الضمان الاجتماعي أنفسهم، علما بأن حوافز الفئة الأخيرة ناجمة عن عمل ساعة إضافية من كل يوم عمل، فهل هذه حوافز بنظر القانون وعلاوة الموازي ليست كذلك، ليحرم العاملون في الجامعات من هذا الحق بمجرد إضافة بند لمادة في النظام.
رابعا : باستعراض البنود التي تتضمنها المادة ١١ نجد إن قاسما مشتركا يجمعها ولا تتوافر فيها الصفات المشروطة للحوافز المحددة بالمادة ١٠، بينما البند ٢٠ شاذ تماما عنها، فكيف توضع علاوات التعليم الموازي جنبا إلى جنب مع الإكراميات وبدل كوي الملابس وغيرها.
خامسا : إن النص القانوني حتى يكون سليما لا يقتصر فقط على مجرد إصداره من الجهة التي لها صلاحية إصداره، وإنما يجب أن ينطوي على حكمة تشريعية ويحقق العدالة ولا يخالف أحكام القانون الأساسي في الدولة وهو الدستور. ومصير مثل هذا النص تجميده والالتفات عليه، واعتباره كأن لم يكن امتثالا للدستور، وإنصافا لفئة من الأردنيين العاملين في الجامعات، واحتراما للدور الوطني العظيم الذي يضطلعون به فهم عقل الدولة.
سادسا : إن قواعد السلوك الاجتماعي والمنطقي والقانوني تمنع القيام بأي عمل من شأنه الاضرار بالأفراد أو المجتمع، وإنما الأمر بالقيام بالأعمال التي يفرضها في الواقع التضامن بين الافراد ومصلحة المجتمع، وكل مؤلفات القانون تثبت صحة هذا الراي.
وعليه، وبناء على استقراء الواقع والتحليل المنطقي المستند إلى المعطيات السابقة ، فإننا نهيب بالمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي القيام بدورها المتوقع من إدارتها والإقرار بالحقيقة كما هي، والشهادة بالصحة بعيدا عن أي مبررات غير مقبولة ، والتعاون مع الجامعات في شمول حوافز العاملين فيها بالراتب الخاضع للضمان الاجتماعي، دون إغفال أن ذلك كان مطلبا لمؤسسة الضمان الاجتماعي منذ عام ٢٠١٧ التي وجهت للجامعات الرسمية كتبا تطالب فيها هذه الجامعات بتحويل المبالغ المستحقة عن شمول حوافز الموازي بالأجر الخاضع للضمان، وبعد تذرع إدارات الجامعات في ذلك الحين بعدم قدرتها على الدفع ، تم الاتفاق على تعديل المادة ١١ السابق ذكرها بإضافة البند ٢٠ غير الدستوري إليها، الذي يعتبر قانونا بحكم العدم، فكانت نتيجة هذا المخاض عملية قيصرية مشوهة وليست ولادة طبيعية ، وهذا موقف خاطئ ولا يليق بدولة الحق والعدل والقانون والمؤسسات.
وقد علمنا مؤخرا أن عددا من الجامعات الرسمية بدأت بمخاطبة الضمان الاجتماعي لاحتساب علاوة الموازي من ضمن الراتب الخاضع للضمان الاجتماعي، فقد أدركت أنه آن الأوان لإحقاق الحق والعودة إلى جادة الصواب، بما يتطلبه من إلقاء نص البند ٢٠ من المادة اا من نظام الشمول في حاوية القمامة، لأنه لا يستحق سوى ذلك المكان، ولا يستأهل غيره، لجوره ومخالفته للدستور، ولولادته التاريخية المنطوية على مؤآمرة أكل الحقوق والتفرقة بين الموظفين العامين، واستخدام الآلة التشريعية في تقنين ما ليس بقانون ونظم ما ليس بنظام. فأولى صفات القاعدة القانونية أنها عامة مجردة، أي تطبق على كافة من تتوافر فيهم شروط انطباقها. وهذه الصفة يعرفها طلبة السنة الأولى في كليات الحقوق، وحري بواضعي نص البند ٢٠ من المادة ١١ من نظام الشمول أن يعرفوها ويدركوا معناها.
ننتظر من الضمان الاجتماعي في ضوء ذلك خيارا واحدا لا ثاني له، وهو الاستجابة لكتب الجامعات التي تطلب فيها شمول حوافز العاملين لديها بالراتب الخاضع للضمان الاجتماعي واعتبارا من 1/1/2017م.
وأما إذا كانت ادارة النظام الاجتماعي لا تدرس ولا تهتم بهذا الراي ولا تلتفت لمثل هذه الأمور فإن القضاء الاردني النزيه الشامخ المستقل لا يهمل حقوق المواطنين، وسيكون الفيصل بين المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي وآلاف المتضررين من العاملين في الجامعات، من أجل بناء الدولة، وإقامة العدالة وسيادة حكم القانون .
** الكاتب: أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك، وخبير دولي بدراسات الديمقراطية وحقوق الإنسان.