فؤاد البطاينة يكتب : شعب وملك وما بينهما الوطن ..
جو 24 :
كتب فؤاد البطاينة -
يشهد الوطن العربي ثورات صهيونية حمراء وبيضاء متتالية تُدمي القلوب حاضنتها الولايات المتحدة .. وأصبح المنحنى العربي الرسمي فيه كل نظام عربي يتغير يحل محله نظام أسوأ وجهته المحطة الصهيونية . لا ثورة ولا ثوار في الأقطار العربية والعالم الحر إلا على الصهيونية وحاضنتها . ننتظر انعطافة عربية شعبية بالإتجاه المعاكس . ، ففيها النجاة ومنها البداية نحو النهوض والحياة والكرامة لشعوبنا وأقطارها . *
وما يجري في بلدي الأردن منذ عقدين على كل الصعد والمتوج بما سميت اتفاقية الدفاع مع أمريكا ، لا يجري إلّا في دولة سائبة وصورية تفتقد لمفهوم الشعب . الأردنيون يواجهون هذه الحالة من بعد مرحلة بناء وتنمية وثبات واستقرار اعتقدوه راسخاً . لا تفسير منطقي أو علمي لهذا التراجع والسقوط السريع إلّا أنه من عمل واع في سياق ثورة صهيونية ناعمة في الأردن تنقلنا إلى مرحلة متقدمة من تنفيذ المشروع الصهيوني ومخططه في الأردن بالنسخة الأصلية لتتلوها مرحلة تنتهي فيها هذه الدولة وشعبها الى نفس مصير فلسطين وشعبها . ليس هذا صدفة ولا قضاءً ، فالكتاب مفتوح أمامنا وطويه متاح .*
فكل ما يجري في الأردن يستند الى معادلة رصينة مُسبقة فيها مقدمات فاسدة لها نتائج كارثية . فقيام الدولة زامنوه بزرع بذور فشلها واستعادتها لحضن وعد بلفور من خلال تصميم مسبق لمكوناتها الثلاثة (الأرض والسكان والملك ) بطبيعة مُختلة وبانفصالها عن بعضها ومنع وجود رابطة بينها . وبما لا يمكن معه أن تكون الدولة قابلة للحياة . وتصبح السلطة فاسدة ومُستبدة ومتعاونة ،والسكان أصحاب الأرض لا يتحولون إلى شعب ، والأرض تفقد صفة الوطن وتستباح لحساب الصهيونية . وبموجب هذا التصميم تنتهي بالمحصلة المكونات الثلاثة نفسها إلى أصفار بفشل الدولة وسيطرة المُستعمر على الأرض والإدارة والقرار .*
هذه الصورة نشهد مسيرة ترجمتها الأن على الأرض ، وتُشكل الحالة الأردنية اليوم . ويجب أن تكون واضحه أمام الملك إن كان مفهومه غير ذلك ، وأمام الأردنيين لينتبهوا لصمتهم ولفشلهم ليكون خطابهم سياسياً لا عوج فيه وسقفه يطاول سقف المأساة والهدف، ويكون عملهم منطقياً علمياً في هذا الإطار . فليست مشاكلنا وعلى رأسها سيادة الوطن والإختلالات الرهيبة في جهاز الدولة والفقر والبطالة والظلم والضغوطات المعيشية والأمنية وما يُطرح من نهب للدولة ، إلّا نتيجة طبيعة ً لتصميم مكونات الدولة الثلاثة ، و وسيلة سياسية استراتيجية لتحقيق الهدف الصهيوني .*
وعلينا كأردنيين أن نواجه هذه الاستراتيجية ولا ننشغل بالبردعة ونترك الجمل . فعندما يكون الوطن هو المستهدف يصبح هو أولويتنا وتسقط لعبة خلط الأوراق التي ننخرط بها ولا طائل منها . فمن غير الممكن استعادة الدولة ومقدراتها ولا الظفر بوطن أو بحرية مواطن ولا بسلامة ما لم نصوِّب تصميم مكونات الدولة الفاسد ويكون الشعب مصدر السلطة والقرار والوطن خط أحمر والملك رمز الدولة وحامي الدستور والحكم وظيفة . المخطط الصهيوني في الأردن بكل مراحله وتفصيلاتها يُنفذه مسؤولون بالتكافل والتضامن مزورين إرادة أصحاب الأرض والدولة . . *
ً .
فلا مجال متبقي ليبقى فينا حرٌ واحد يقبل الصمت على هذا الواقع أو ينساق للمجاملة والتكسب وكسب جاه السلطان على حساب الوطن وطحن الناس وتسليم الدولة ، ولا للتعامل مع مسرحيات الإصلاح المكشوفة ولا مع نتائجها . فعندما يكون المواطن أسيراً للضغوطات بأنواعها وفاقداً لمواطنيته ولاعتباراته السياسية والقانونية والإنسانية ومعزولاً عن الدولة واهتمامها وسياساتها ، ووطنه مستباحاً للعدو ، ويكون الملك محتكراً السلطة والقرار ، يصبح الحديث عن الإصلاح لعبة خطيرة ما لم تبدأ مؤسسة العرش بنفسها وبانقلاب على نهجها السياسي . فبقاء هذا النهج لا يلتقي مع نية الإصلاح الذي أصبح وكأنه من المحرمات . *
في ضوء ما ورد بالمقال ، نستنتج بأن التغيير والاصلاح الحقيقي الإنقاذي سيظل مستعصيا، لأسباب تخضع للتحليل وليس هنا بحثها . وبالمقابل فشلت كل محاولات الأحزاب والتنظيمات والحراكات والنخب في فعل شيء لأسباب موضوعية تتعلق بخصوصيات الحالة الأردنية كما جاءت أعلاه . وبناء عليه ، لا أرى بداً من وسيلة حل قادرة على تجاوز المعيقات الموضوعية الأساسية القائمة في الحالة الأردنية . وما أراه بهذا هو كالتالي وأقول ، *
بالنظر الى عدم تشكل الشخصية الأردنية السياسية وغياب كل العوامل الطبيعية لتشكيلها ، ولكوننا اليوم سكانا لا تربطنا بالوطن أو الدولة والسلطة رابطة الشعب ، وعشائرنا لم يبق منها ومن مضمونها إلا أسماؤها ، وجهوياتنا فاسدة تقوم على حساب الوطن. وأحزابنا منحة من النظام وبقانونه تعمل ، ولخدمته في المحصلة ، وتشكيلاتنا السياسية من خارج الأحزاب صوتية وبعيدة عن الجماهيرية والهدف ، أقول أمام هذه الحالة ليس لنا إلا اتباع وسيلة سياسية سلمية متعددة الأغراض للحل والوصول لتشكيل قناعة لدى الملك بالتغيير من خلال إطار سياسي يقفز عن الأحزاب والتنظيمات والتجمعات السياسية الأخرى بكل أشكالها ، ليمثل هذا الإطار المظلة لبناء الهوية الوطنية الأردنية السياسية المرتبطة بالأرض والدولة ويعبر فيها وبواسطتها الأردنيون لأنفسهم وللنظام والعالم عن وجود شعب أردني واحد ، وأن يتعامل هذا الإطار حصراً مع الحالة الأردنية والغزو الصهيوني .*
وأرى أن هذا الإطار السياسي يمكن تجسيده من خلال مؤتمر وطني أردني مؤطر وغير تقليدي وبعيد عن المحاصصة . وتمثيلي قدر المتوفر والمستطاع في المكونين والجغرافيا لبناء المشروع السياسي الإنقاذي المطلوب . وهذه المهمة لا يضطلع بها ويهيء لها إلا "طليعة" مُضحية لا يشوبها شائبة . وعلى أن يكون مفهوماً بأن تأسيس هذا الإطار ضرورة لا يجب أن تخضع لموقف حزب أو تنظيم أو أية جهة أخرى . والنجاح تضمنه المصداقية وسلامة الهدف وقناعة الأغلبية الصامتة . *