منصات التواصل الاجتماعي.. طوفان من السَّلْبِيَّة والانهزامية
د. محمود الرجبي
جو 24 :
من يتابع منصات التواصل الاجتماعي يَشْعر بِالصُّدَاعِ، وَقَدْ تدور بِهِ الدُّنيا، ولا تتوقف، وهُوَ يقرأ كَمًا هَائلاً من التشكيك بكل شَيء، وَيَشْعر بشحنة سلبية هائلة تدخل عقله، ووجدانه، ويظن أن الدُّنيا خربت، أوْ عَلَى وَشَكِ الخراب، وأنه لا أمل وَلَوْ بمقدار ذرة وَاحِدَة، وأن الدُّنيا تَسِير نَحْوَ الهاوية، أوْ أنها وصلت إلى ما قبل القاع بِقَلِيلٍ.
يَكْفِي أن تدخل إلى أحد مواقع التواصل الاجتماعي لتخرج بانطباع أننا عَلَى وَشَكِ الانهيار، وأنه لا خير بيننا، ولا يُمْكِنُ أن تصلح الأحوال، وَقَدْ تصاب بالغثيان حِيِنَمَا تقرأ ردود الأفعال عَلَى الـمَقَالات، والإدراجات، وتصدم من مستواها المتدني، وخدشها العالي للوحدة الوطنية، وللقيم العامَة للمجتمع، وَلأخْلاقِنَا الَّتِي تربينا عَلَيْهَا، وخاصة قِيمَة الاحْتِرَام الَّتِي سَبَبت نجاح الأرْدُنّ، وجعلته فِي مَأمَن من الاضطرابات الَّتِي ضربت الإقليم.
قَدْ يظن إنسان أنه لا تأثير لِهَذا الخطاب عَلَى النَّاس، وأنه مُجَرَّد "فشات غل" أوْ "فضفضة بريئة"، وهَذَا ليْسَ صحيحًا، فَهَذِهِ النقاشات السَّلْبِيَّة تُؤثر عَلَى النمو، والتقدم، والتطور، وَحِيِنَمَا يتربى الإنسان عَلَيْهَا – وَأنا أتعمد استخدام هَذِهِ الكَلِمَة- فإنه لَنْ يثق بنفسه، أوْ بحكومته، أوْ دولته، أوْ بالآخرين وهَذَا يَعْنِي أننا لَنْ نعطي فُرْصَة لأيّ كانَ أن يصل بِنَا إلى بر الأمان، وَلَوْ كانَ صادقًا، وَمُحترفًا، وَقَادِرًا عَلَى العَمَل.
جزء كَبِير من النجاح فِي الْحَياة هُوَ توحيد النيات، وَالـمَقْصُوُد بِهِ أن يتوحد الشعب عَلَى تحقيق هدف معين، وأن يَعْرِف الطريق إلَيْهِ، وَنَحْنُ نحتاج إلى التوحد من أجل الخُرُوج من عنق الزجاجة، وَإحداث نمو ملموس فِي الاقتصاد والإنتاج، وتقليص الدين العام، إضافة إلى مَجْمُوعَة من الإصلاحات الَّتِي تحتاجها الدَّوْلَة لمعالجة الاختلالات الَّتِي عانت مِنْهَا لعقود.
لا نَسْتَطِيع كتم الأفواه، ولسنا من دعاة تشديد العقوبات عَلَى المعبرين عَن آرائهم من خِلال المواقع الرقمية، ومنصات التواصل الاجتماعي، فَقَد أثبتت الوقائع أن تقليص الحريات لا تأتِي إلا بمزيد من التطرف، وَالسَّلْبِيَّة، وَلَكِنَّنَا ندعو إلى إعادة النظر بِطَرِيقَة تربيتنا، ومناهجنا، لِنكونَ أكثر إيجابية، ولنعمل عَلَى بِنَاء ما هُدم بدل أن نقضي ليلنا ونهارنا فِي لعنِ الظروف.
نحتاج إلى تجديد فِي الخطاب الديني، وَفِي الخطاب الشَّعْبِيّ كَيْ نبحث عَن فسحة أمل نتمكن من خلالها من رفع معنويات الشعب، وإعطائه أملًا فِي التغيير. أعرف أن الظروف الـمُحيطَة كلها تشير إلى عكس ذلِكَ، وَلَكِن هَلْ لَنَا خيار فِي ظل هَذِهِ الأمْواج العاتية إلا أن نواصل السباحة وَالعَمَل لعلنا نصل إلى بر الأمان؟
وبالتوازي مَع ذلِكَ نحتاج إلى إزالة كل أسباب الاحتقان فِي الـمُجْتَمَع، وزيادة الشفافية، وإقناع النَّاس بجدية الحُكومَة فِي محاربة الفساد، وترسيخ العدل بكل معانيه، ووضع الشخص الـمُنَاسِب في الـمَكَان الـمُنَاسِب، وزيادة هامش الحرية، وَتَطْبِيق الديمقراطية بِشَكْل تدريجي مَع الحفاظ عَلَى الأمن والأمان، ومنع أي انفلات، ووقتها تُصْبحُ السَّلْبِيَّة من الـمَاضِي، ومِن يتشدق بِهَا من خِلال منصات التواصل الاجتماعي لَنْ يَجِد من يتفاعل مَعهُ.
لَعَلَّ ذلِكَ اليَوْم يَكُون قريبًا.