طبول الحرب تصـم آذانـنـا!
منطقيا لا يمكن ان يصدق المتابع للشأن السوري، ان النظام يمكن ان يُـقدم على شن هجوم كيماوي على ابناء شعبه، ليس رأفة به، ولكن خوفا من عواقبه، خاصة وانه استعاد إلى حد كبير لزمام المبادرة، وحسن موقفه كثيرا على الأرض، بعد ان دخل مقاتلو حزب الله بكل قوة إلى جانبه، وهم يمتلكون خبرة كبيرة في حرب المدن والعصابات، فضلا عن أن النظام يعلم تماما أن هجوما كيماويا من جانبه يمكن ان يثير عليه عاصفة غير مأمونة العواقب (وهذا ما حدث!) ويمكن أن يجر تدخلا عسكريا خارجيا، في ظل هذا التصور، ما الذي حدث، ومن قام بهذا الهجوم الكيماوي المباغت؟
أعتقد ان هناك احتمالين لما حدث، الأول قيام جهة مجهولة بهذا الهجوم للتسريع بإنهاء الملف السوري الذي اصبح مكلفا أخلاقيا وإنسانيا واقتصاديا للعالم كله، وحتى للأطراف التي تدعم النظام دوليا ولوجستيا، كإيران وروسيا والصين، أما ما هوية هذه الجهة فمن المستحيل ان نعرفها الآن، وبين يدي هذا الاحتمال علينا أن نستذكر أن الساحة السورية أصبحت منتهكة على نحو متزايد لعدد غير محدود من اجهزة الاستخبارات العربية والأجنبية، في ظل غياب شبه كامل لسيطرة الدولة وتعدد الجهات التي تقاتل قوات النظام، وتعدد الجهات التي تقف وراءها وتدعمها، أما الاحتمال الثاني، فهو قيام جهة ما من داخل النظام بارتكاب تلك الجريمة البشعة إما أملا في تسريع إغلاق هذا الملف النازف، أو بقصد توريطه في مواجهة دولية، بعد أن استعصت كل سبل حسمه، وفي كل الأحوال، فيبدو اننا نعيش أجواء اشبه ما تكون بالأجواء التي سادت المنطقة قبيل احتلال العراق، ويؤسفني هنا أن اقول، إن ما سبق وتنبأت به في آب /اغسطس من العام 2011 في الدستور ، حين كتبت مقالا بعنوان «لا بد من ناتو وإن طال الزمن» .. ها هو بدأ التحقق، ولو بشكل ضمني، وليس تحت راية الناتو، بل تحت راية خليط من الدول التي تضررت بشكل مباشر او غير مباشر من إطالة امد المواجهة في سوريا، وزيادة كلفتها إلى حد لم يعد يحتمل!
لسنا سعيدين بما يجري بالقطع، ولسنا سعيدين بتدخل دولي ضد سوريا، وأعتقد انه كان بالتأكيد اكثر من فرصة لحسمه سياسيا، وبشكل توافقي، لكن النظام ركب رأسه وشرب من دم شعبه دون أن يرتوي، ولم يستمع لخيارات الجامعة العربية ولا العرب ولا العجم، فلم يترك خيارا للمتضررين إلا الكي!
بقيت كلمة لله وللتاريخ، كان من الممكن أن يحسم الصراع في سوريا منذ فترة طويلة، لكن مصلحة إسرائيل تحديدا ومن يعمل معها، كانت في إنهاك الجيش السوري، وتفكيك الدولة السورية، وتدميرها، وهذه لم تكن مسؤولية العدو الصهيوني فقط بل تواطأت معه دول وجهات، بعلم أم بغير علم، بقصد او بغيره، لكن الجميع ساهم في مد معاناة شعب سوريا، وتدمير مقدراتها!!
طبول الحرب بدأت تصم آذاننا، وأعتقد أننا على أبواب كارثة كبرى، إن حدث التدخل العسكري، ستمتد نيرانها إلى كل دول جوار سوريا، خاصة نحن في الأردن، فماذا أعددنا لاستقبالها؟؟
(الدستور)