دراسة تحليليّة تسلّط الضوء على مواطن الخلل في البرلمان
أسعد العزوني- أوصت دراسة تحليلية لأداء مجلس النواب السابع عشر في دورته غير العادية الأولى، أعدها مركز القدس للدراسات السياسية بضرورة تمسك المجلس بتعديل نظامه الداخلي المدرج على جدول أعمال دورته الاستثنائية التي ستنطلق أعمالها في الأول من شهر أيلول المقبل، لافتة إلى أن أمام المجلس فرصة كبيرة لتحقيق هذا التعديل الذي أصبح ضرورة قصوى للارتقاء بعمل المجلس، وبخاصة أن اللجنة القانونية قدمت قرارات تعديلية جوهرية على النظام الداخلي ذات طابع تطويري وإصلاحي، من بينها الاعتراف بالكتل النيابية ومأسستها باعتبارها إحدى الروافع الرئيسية لعمل مجلس النواب.
الدراسة الموسعة التي يصدرها مركز القدس اليوم، دعت مجلس النواب، للالتزام بقوة بدورية وتراتبية عقد جلساته التشريعية والرقابية، ووضع حلول ناجعة تماماً لمشكلة الغياب المتكرر بدون عذر عن الجلسات، لمعالجة مشكلة إبقاء المجلس تحت ضغط "النصاب القانوني"، والذي أدى خلال الدورة الممتدة لستة أشهر إلى التأثير سلبياً على انتظام انعقاد جلساته، ما دفع برئيس مجلس النواب م. سعد هايل سرور لتفعيل النظام الداخلي لأول مرة فيما يتعلق بالغياب غير المبرر باللجوء إلى نشر أسماء النواب المتغيبين بدون عذر عن الجلسات، ومع ذلك استمرت المشكلة ضاغطة على المجلس إلى بعيد.
ودعت الدراسة إلى توفير دورات تدريبية متخصصة للنواب في الجوانب القانونية والرقابية للارتقاء بمستوى الأداء الفردي بما يرفع من سوية أداء المجلس الجماعي، ويعظّم إنتاجيته.
وأشارت الدراسة إلى أن المجلس باشر أعماله في أجواء لم تكن مريحة تماماً بعد أن انخرط في المشاورات مع رئيس الوزراء المكلف د. عبد الله النسور، فيما عرف بـ "مشاورات تشكيل الحكومة البرلمانية"، وهي المشاورات التي أدت بالنتيجة إلى صرف النظر عن إشراك النواب وتوزيرهم في الحكومة لأسباب عديدة،ما أسقط مطلب "الحكومة البرلمانية"، وأثر سلبياً على المجلس شعبياُ وإعلامياً وسياسياً، فضلاً عن الانعكاسات السلبية التي أدت بالنتيجة إلى إقحام المجلس مبكرا في أزمات بينية داخلية، أدت إلى التأثير على الكتل البرلمانية، وقادت النواب إلى الانقسام، كما أسست لعلاقة متوترة بين الحكومة والمجلس استمرت إلى نهاية الدورة غير العادية الأولى، وفاقم من تلك الأزمة سياسات الحكومة الخاصة برفع الأسعار التي لا يستطيع مجلس النواب مؤازرتها ودعمها وبالتالي تحمل نتائجها.
وتوقفت الدراسة أمام أبرز القضايا والتحديات التي واجهها المجلس في دورته غير العادية، وأبرزها: التوتر المتواصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ظاهرة النواب الجدد في مواجهة النواب القدامى، إلغاء نتائج الانتخابات في دائرة انتخابية للمرة الأولى في تاريخ الحياة النيابية، الاستقالات من اللجان والكتل البرلمانية، ظاهرةالقوائم الانتخابية بدون كتل برلمانية، ظاهرة الجاهات النيابية والاستقالات من المجلس، وظاهرة العنف البرلماني والانخراط في الدفاع عن النفس.
وقالت الدراسة إن المجلس شهد في بواكير دورته غير العادية الأولى الكثير من التحديات التي أثرت على أدائه وفي مقدمتها سياسات الحكومة الرامية إلى رفع أسعار المحروقات والكهرباء، فضلاً عن الاستحقاقات المتعلقة بمناقشة البيان الوزاري لنيل ثقة المجلس، ثم الموازنة العامة، وشكلت هذه التحديات جزءاً رئيسياً من أزمة توالت بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بدأت بإقحام المجلس في جولات مكوكية للتشاور حول تشكيل الحكومة.
واضافت الدراسة أن الكتل النيابية تعرضت مبكراً إلى عدم الاستقرار بسبب الانشقاقات والانقسامات والاستقالات التي شهدتها، فضلاً عن العديد من المشكلات الداخلية التي شهدت تنامياً واضحاً لظاهرة العنف البرلماني، انعكست سلبياً على شعبية المجلس وهيبته.
وتوقفت الدراسة أمام ظاهرة "نواب القوائم العامة"، قائلة إن معظمهم لم يضف أي جديد للمجلس، بل تحولت أكثريتهم إلى أشبه ما يكون بالنواب المستقلين، ولم يظهر وجود للقوائم في المجلس منذ لحظة انعقاد أعماله.
وفيما يتعلق بالجانب التشريعي، بيّنت الدراسة أن مجلس النواب قد أنجز في دورته غير العادية الآولى التي استمرت ستة أشهر مناقشة وأقرار 19 قانوناً كان من بينها 14 قانوناً قامت الحكومة بإحالتها إلى المجلس أثناء انعقاد دورته غير العادية، فيما بلغ المجموع الكلي للقوانين المحالة من الحكومة إلى المجلس في دورته غير العادية 33 قانوناً. وسجّلت الدراسة أن أداء المجلس كان مقنعاً في بعض التشريعات مثل قانون الضمان الاجتماعي، وقانون المالكين والمستأجرين وغير مقنع في قانون منع الكسب غير المشروع.
وأكدت الدراسة أن المجلس قد سجّل في دورته غير العادية الأولى أعلى نسبة توجيه أسئلة نيابية للحكومة في دورة برلمانية واحدة منذ العام 1989، حيث وصل عدد الأسئلة المسجلة إلى 1165 سؤالاً, قامت الحكومة بالرد والإجابة عن 953 سؤالاً منها، وهي نسبة إجابات حكومية عالية جداً أيضاً.
وأدرج المجلس على جدول أعماله 247 سؤالاً وجواباً معظمها كانت أسئلة مكررة ومرحّلة من جلسات متتالية، حيث بلغ عدد الجلسات المخصصة للأسئلة والأجوبة سبع جلسات فقط من بين 64 جلسة، هي كامل الجلسات التي عقدها المجلس طيلة دورته غير العادية، من بينها جلسة لم تنعقد كان قد أدرج على جدول أعمالها 35 سؤالاً، وتم نقل تلك الاسئلة إلى الجلسة التالية. ما يكشف عن عدم التزام المجلس بنص النظام الداخلي الذي يفرض عقد جلسة للأسئلة والأجوبة بعد انعقاد ثلاث جلسات تشريعية.
وكشفت الدراسة أن المجلس لم يقم بعرض أي استجواب على جدول أعماله من بين الاستجوابات التي تم تسجيلها رسمياً لدى الأمانة العامة للمجلس والبالغ عددها 17 استجواباً. ولاحظت الدراسة أن ستة نواب كانوا قد أعلنوا في جلسات رسمية عن تحويل أسئلتهم إلى استجوابات، إلا أنهم لم يقوموا بتسجيلها أو متابعتها، فضلاً عن أن الحكومة قامت بالرد والإجابة عن تسعة استجوابات، ومع ذلك لم تقم الأمانة العامة للمجلس بعرضها على جداول أعمال الجلسات.
وأوضحت الدراسة أن عدد جلسات المناقشة العامة والخاصة قد بلغ تسع جلسات، اكتفى النواب خلالها إما بإصدار بيانات، أو توجيه توصيات واقتراحات أحيلت للحكومة لدراستها والتعامل معها.
وأشارت الدراسة إلى أن عدد الأسئلة التي نوقشت بلغ 111 سؤالاً، من بينها عدد كبير من الأسئلة المؤجلة من جلسات سابقة، أو أعيد إدراجها ومناقشتها في جلسات تالية بسبب غياب أصحابها عن جلسات سابقة.
وقالت الدراسة إن عدد الأسئلة التي تم تأجيلها في جميع الجلسات بطلب من أصحابها بلغ 16 سؤالاً، وعدد الأسئلة التي اكتفى أصحابها بإجابات الحكومة عنها 29 سؤالاً، وعدد الأسئلة التي لم يكتف أصحابها بالإجابة عنها 16 سؤالاً، وتم تأجيل مناقشة 45 سؤالاً بسبب غياب أصحابها إما بعذر أو بدون عذر. وبلغ عدد الأسئلة التي تم تحويلها إلى استجوابات 22 سؤالاً.
وخصص مجلس النواب، وفقاً للدراسة، طيلة دورته غير العادية الاولى خمس جلسات فقط لبند"ما يستجد من أعمال"، وهو عدد متواضع جداً للغاية إذا ما قيس بعدد الجلسات الكلي التي عقدها المجلس والبالغ 64 جلسة.
وبلغ عدد المذكرات المسجلة رسمياً في سجلات المجلس 103 مذكرات، وهو رقم متواضع إلى حد كبير إذا ما قيس بعدد المذكرات التي تم توقيعها والإعلان عنها، ما يعني أن عشرات المذكرات التي تم توقيعها كان الهدف منها إعلامي بالدرجة الأولى، ولذلك لم يتم تسجيلها ومتابعتها، فيما ردت الحكومة على 38 مذكرة فقط.
ورأت الدراسة أن المجلس لم يتعامل بجدية كافية مع الاقتراحات بقانون التي وصل عددها في الدورة غير العادية إلى 17 اقتراحاً، وهو رقم مرتفع قياساً بالمجالس النيابية السابقة، وكذلك الحال بالنسبة للاقتراحات برغبة التي وصل عددها إلى خمسة اقتراحات لم يعرض أي منها على جداول أعمال المجلس.
ولاحظت الدراسة أن العلاقة بين مجلسي النواب والأعيان بقيت في حدود العلاقة المتشنجة، وشابها الكثير من الانتقادات، لأسباب تتعلق بتشريعات محددة على نحو قانون الجوازات الذي أبدى النواب اهتماماً شخصياً به.
ويذكر أيضاً أن الدراسة توقفت أمام أبرز الظواهر التي أحاطت بانتخاب المجلس السابع عشر الحالي ونتائجها، مشيرة إلى أن المجلس ولد في ظل ظروف سياسية محلية واقليمية أثرت بدورها على الانتخابات ومجرياتها، قائلة إن المجلس الحالي ولد في ظل معطيات قانون انتخاب تميز بأنه أول قانون انتخابات دائم منذ العام 1989، حيث أجريت كل الانتخابات النيابية السابقة على أساس قوانين مؤقتة، كما أنه أول قانون انتخاب يتم فيه اعتماد مبدأ "القائمة النسبية" التي خصص لها 27 مقعداً، برغم أنها بدت أقرب إلى الكوتا منها إلى مفهوم ووظيفة القائمة الانتخابية النسبية. هذا فضلاً عن أن إقرار القائمة النسبية ورفع عدد مقاعد الكوتا النسائية إلى 15 مقعداً، قد أدى إلى رفع مقاعد مجلس النواب إلى 150 مقعداً