لا يتوبون ولا يتعلمون
فهمي هويدي
ليس لدي كلام في تفاصيل المشروع والتشكيل الذي يقترحه للمحكمة الدستورية، ولكن لي أربع ملاحظات حول الفكرة من أساسها، وتوقيت وسياق إطلاقها. ذلك أن تعيين رئيس المحكمة من قبل رئيس الجمهورية يعد ثغرة لا ريب، لكن مبلغ علمي أن مرسوما صدر من المجلس العسكري منذ عام تقريبا عالج هذه الثغرة، إذ قرر أن رئيس المحكمة تختاره الجمعية العمومية من بين أقدم ثلاثة أعضاء بها. ويصدر التعيين بعد ذلك بقرار من رئيس الجمهورية. وبصدور المرسوم تنتفي المشكلة التي ذكرت في تسويغ إعادة تشكيل المحكمة من جديد.
الملحوظة الثانية أن طرح الفكرة غير مفهوم في الوقت الراهن، أعني قبل أسابيع من إعداد الدستور الجديد وقبل أيام معدودة من انتخابات الرئاسة، ذلك أن الخرائط يمكن أن تتغير سواء لجهة تحديد سلطات الرئيس أو لجهة تشكيل هيئة المحكمة الدستورية والمحاكم الأخرى. في حين أن الإقدام على تلك الخطوة حاليا من شأنه أن يربك المحاكم، فضلا عما قد يثيره ذلك من لغط.
الملحوظة الثالثة أنني لم أفهم وجه الاستعجال في الموضوع، الذي لا أجد له مكانا في الأولويات التي ينبغي أن تهتدي بها لجان المجلس في ترتيب أعمالها. ذلك أنني أزعم أن أمام لجنة الاقتراحات والشكاوى قائمة طويلة من العناوين وثيقة الصلة بمصالح الناس وأوجه معاناتهم، كان ينبغي الالتفات إليها والانشغال بها قبل أن تصل إلى تشكيل المحكمة الدستورية العليا، الذي صوَّب مرسوم المجلس العسكرى طريقة اختيار رئيسها.
الملاحظة الرابعة والأهم هي أنني لا أرى من حيث المبدأ مصلحة أو حكمة في تدخل السلطة التشريعية في الشأن القضائي، ولا أخفي أن ذلك التدخل يفتح الباب لشرور كثيرة وخطيرة، أقلها إهدار مبدأ الفصل بين السلطات. لم يقل أحد أن القضاة ملائكة ولا أنهم منزهون عن الهوى، لكننا لا بد أن نعترف بأن النزاهة غالبة على هذا المرفق ومتأصلة فيه، الأمر الذي يفرض على الغيورين أن يحافظوا على استقلاله وأن يحترموا حرمته، لا أن يتحرشوا به ويدَّسوا أنوفهم في شؤونه.
إذا كان مبرر إعادة تشكيل هيئة المحكمة لم يعد قائما، ولا محل للاستعجال فيه، ثم أنه لا يتمتع بأية أولوية، ناهيك عما يمثله ذلك من عدوان على السلطة القضائية، فما الذي يبرر إذن إعداد مشروع القانون وتمريره من خلال لجنة المقترحات والشكاوى؟ حين نحتار في الإجابة فإن ذلك ينقلنا من احتمال سوء التدبير ويدفعنا إلى التفكير في احتمال سوء القصد. وأكرر أنني أتحدث عن احتمال وليس عن يقين. في هذا الصدد لا أستطيع أن أتجاهل «الصرخة» الغاضبة التي أطلقها المستشار طارق البشري في مقالته التي نشرتها جريدة «الشروق» يوم الجمعة 11/5، وحذر فيها من تدخل السلطة التشريعية في الشأن القضائي. مذكرا بأن المحكمة الدستورية العليا التي يراد إعادة تشكيلها محال إليها قضيتان تخصان مجلس الشعب، إحداهما تتعلق بعدم قانونية تشكيله، والثانية تدعى عدم دستورية التعديل الذي أدخله المجلس على قانون مباشرة الحقوق السياسية والمتعلق بعزل فلول النظام السابق.
هذه الإشارة تلمح إلى أن تحريك مشروع قانون إعادة تشكيل المحكمة الدستورية لا تستبعد فيه مسألة تصفية الحسابات، كأن الهيئة التشريعية تهدد إحدى هيئات السلطة القضائية بالمشروع الجديد، في الوقت الذي تنظر فيه تلك الهيئة (المحكمة الدستورية) دعوى هي خصم فيها. وهو أمر إذا صح فإنه يضاف إلى سلسلة الأخطاء التي وقع فيها المجلس، الذي تورط في سلسلة من الأزمات مرة مع المجلس العسكري ومرة مع الحكومة ومرة مع القوى السياسية المختلفة (في تشكيل لجنة وضع الدستور).
أدري أن المجلس يسعى جاهدا لكي يتبنى قضايا المجتمع، لكن الأخطاء التي يقع فيها تشوه صورته وتسحب الكثير من رصيده. وإذا كنت قد دعوت أكثر من مرة إلى احتمال الأخطاء واغتفارها لأن ذلك هو السبيل الوحيد للتعلم، إلا أنني لاحظت أن الأخطاء تتوالى ولكن الخطائين لا يتوبون ولا يتعلمون.
السبيل